الغد
مع تعثر فرض أي حل في غزة، اختارت إسرائيل العودة إلى التصعيد والعمل العسكري، وهو نهج يبدو في المرحلة الحالية ممنهجًا بأسلوب وطرق جديدة، حتى على المستوى العملياتي العسكري وأنواع السلاح المستخدم.
لم يكن استئناف إسرائيل للقتال أمرًا مفاجئًا. من غير الواقعي أن تصر الولايات المتحدة وإسرائيل على إزالة حركة حماس من غزة ونزع سلاحها، مع الاعتقاد بأن القتال لن يكون خيارًا مطروحًا. ورغم أن ورقة الرهائن تلعب دورًا في تهدئة مؤقتة، إلا أنها لم تكن كافية لدفع الأطراف نحو تسوية دائمة أو أكثر استقرارًا.
هناك عوامل معقدة تجعل إنهاء الصراع عبر الوسائل الدبلوماسية أمرًا صعبًا. فمن جهة، ترى حماس أن المقترحات الأميركية تعني القضاء على وجودها السياسي والعسكري. ومن جهة أخرى، تتبنى إسرائيل عقلية أمنية ترى أن التعايش مع فكرة أن هزيمتها ممكنة يشكل خطرًا استراتيجيًا، ما يجعل استمرار القتال ضرورة ليس فقط لاجتثاث من تعتبرهم أعداءها، بل أيضًا لمحو أيّ قناعة بإمكانية هزيمتها. هذا النهج هو ما يقودنا إلى المرحلة الثانية من التصعيد الإسرائيلي والعودة إلى معالجة ما تعتبره إسرائيل "الجبهات السبع" التي تشكل تهديدًا يجب القضاء عليه.
المرحلة الثانية من العملية العسكرية في غزة تتجاوز مسألة القضاء على حماس عسكريًا. فاستئناف القتال بعد الهدنة الثانية يطرح تساؤلات جدية حول قدرة سكان غزة على تحمل هذه الظروف القاسية. ومن المرجح أن تستغل إسرائيل هذا الوضع لإعادة فتح ملف التهجير، وتسويقه كحل مؤقت حتى انتهاء الحرب وبدء عملية إعادة الإعمار، في توافق مع الضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية.
يمكن تقسيم التصعيد الحالي إلى جبهتين رئيسيتين: الجبهات المحاذية جغرافيًا لإسرائيل، والجبهات غير المحاذية.
على صعيد الجبهات المحاذية، يتزامن استئناف القتال في غزة مع تصعيد مستمر في الضفة الغربية، حيث اتخذت إسرائيل مؤخرًا خطوات غير مسبوقة تعزز مشروع ضم الضفة. ويشمل ذلك تغييرات دبلوماسية تدريجية لتحويل التسمية الرسمية للمنطقة إلى "يهودا والسامرة"، بما يتماشى مع الرواية الإسرائيلية.
أما بالنسبة للجبهة السورية، فقد عملت إسرائيل خلال الشهور الماضية على عزل هذه الجغرافيا وتحييدها تمامًا، سواء عبر إعادة رسم الواقع الجغرافي والسياسي بما يتناسب مع متطلباتها الأمنية، أو عبر تحييد الجبهة اللبنانية من خلال ضرب قدرات حزب الله وقطع طرق الإمداد من إيران إلى لبنان. وقد تحولت الحدود السورية اللبنانية إلى عبء إستراتيجي مع استمرار التوتر، ورغم ذلك، تبقى جبهة لبنان في المفهوم العسكري غير محسومة. وعودة القتال مع حزب الله قد يُفرض على الحزب كخيار للهروب من الاستحقاقات القادمة.
إنهاء التهديد القادم من الجبهات المحاذية يعني الانتقال إلى جبهات التهديد غير المحاذية، مثل اليمن والعراق وصولًا إلى إيران، التي قد تشهد استهدافات وتحركات نوعية في المرحلة المقبلة.
وفي حين تتولى الولايات المتحدة جبهة اليمن وتنفذ عمليات غير مسبوقة ضد جماعة الحوثي، يزداد التصعيد الدبلوماسي ضد إيران وبرنامجها النووي، مع التلويح بالعمل العسكري. وقد رافق ذلك استعراض القوة العسكرية الأميركية، بما في ذلك الإشارة إلى طائرات F-47 التي تحدث عنها الرئيس ترامب ووزير دفاعه، مؤكدين أنها تعمل منذ سنوات في الخفاء وتتنقل حول العالم دون اكتشافها.
كل هذا يشير ضمنيًا إلى أن تصاعد هذه التهديدات يُمهّد لدخول المنطقة في مرحلة التهيئة لمواجهة مفتوحة مع إيران.
وفي الوقت الذي تشهد فيه المنطقة تصعيدًا عسكريًا، يؤكد مبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، أهمية "اتفاقيات إبراهيم"، مشيرًا إلى أن العديد من الدول أعربت عن رغبتها في الانضمام إليها. كما تحدث عن أهمية انضمام دول مثل لبنان وسورية لهذه الاتفاقيات، مما يعني أن إدارة ترامب ترى في التصعيد أداة يمكن من خلالها تحويل جبهات الصراع إلى محطات سلام.