عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Jan-2021

«تطبيق العدالة»*د. محمود عبابنة

 الراي

إذا أدركنا أن التطبيق العادل للقانون هو المهمة الأساسية للقضاء، فإن الحديث عن العدالة يجرنا إلى تفهم فلسفة القضاء لأنه يترجم مفردات القانون إلى مرامٍ إنسانية ملموسة وتنهي مرحلة التأمل بالنصوص التي تدخل ضمن فلسفة القانون، فالقاضي من أجل تحقيق العدالة للقانون يعطي النص بعده الحقيقي الاجتماعي والاقتصادي أو الدستوري وفي بعده الإنساني وهو المبرر لاستلهام النص وتشريعه، وقد سمي بالقانون الوضعي تمييزاً له عن القانون الديني لان واضعه ومشرعه هو الإنسان وهو من اجل الانسان ويقوم بتطبيقه القاضي الإنسان.
 
ينبني على ذلك أن الحوار القانوني بين النص وتمحيص المطبق (القاضي) يكون حوارا مع المجتمع وعاداته وتقاليده ومثالياته وكبواته وسقطاته التي تم وضع القانون لتأطيرها ضمن فلسفة نفعية القانون ووظيفته وغايته، فالقاعدة القانونية تهدف الى تحقيق العدل وإحقاق الحق ومنع مخالفة هذه القاعدة أياً كان نوعها وايقاع الجزاء على من يخالفها وفقاً للمصلحة التي تضررت وهو بهذا يوازن بين الحقوق والواجبات والمصلحة الخاصة والمصلحة العامة.
 
تكامل الإطار العام ودوران الدائرة القانونية (اسوة بالدائرة الكهربائية) لا يخلق تياراً نابضاً الا بحسم النزاع بغية التطبيق العادل وليس بغية انهاء النزاع كيفما اتفق، وينبني على ذلك ان الإنجاز القضائي ليس بكم الفصل في القضايا المنظورة بقدر ما يكون بجودة الاحكام ومدى تحقيقها للعدالة.
 
للعدالة ثلاثة أركان وبهذا الصدد يقول القاضي الإنجليزي ديسي «إن القرار العادل يرتكز على ثلاث: السرعة المعقولة لصدوره، بعده عن الهوى والانحياز، المهارة القانونية»، وهذه هي المكونات اللازمة لتفسير النص القانوني ورده إلى غايته ألا وهي تحقيق العدالة حتى لو اقتضى الأمر تطويع النص إلى غير ما هو مستقر عليه، لأن المفاهيم تتجدد، ولذلك سُئل أحد الفقهاء الانجليز أنه كيف للسوابق تنير أمام القضاء المبادئ الأساسية، فأجاب إن القضاة يستطيعون بعد تقديم المبررات تطويع السوابق لتتناسب ومتطلبات العصر ومستجدات المرحلة والحالة ا?تي لا يوجد ما ينظمها في القوانين المكتوبة، كما ان المفهوم الخاطئ المنتشر ان السابقة القضائية لا يمكن الخروج عنها هو مفهوم خاطئ وشائع، فالخروج عنها ممكن ولكن بناء مرجع وتبرير معتبر ومعقول ومقنع، أما الاشتقاقات المخالفة غير المسندة فلا تغدو إلا أن تكون من باب المناكفة القضائية وأخذ العزة بالإثم، أو الانحياز واتباع الهوى الشخصي عند إصدار الأحكام القضائية.
 
الحوار الجدلي بين النفوس والنصوص حاضرٌ دائماً عند تقييم هيئات التشريع والقضاء، وهو عُرضة دائماً للدراسات النقدية والجريئة لتحقيق وظيفة القانون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، ويتوجب عدم فتح المجال على مصراعيه عند تأطير فلسفة القانون وبذات الوقت عدم ترك المجال على عواهنه في تفسير النصوص وتطبيقها خارج نطاق ما تكرس في الفقه وأحكام المحاكم العليا.