عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Dec-2025

هل أصبحت المواجهة المباشرة بين روسيا و"الناتو" مسألة وقت؟

 الغد

سام كيلي - (الإندبندنت) 2025/11/21
 
في ظل تصاعد الحرب الهجينة التي تشنها روسيا داخل أوروبا، من تفجيرات في بولندا وضرب ناقلة للغاز قرب رومانيا إلى الاختراقات الجوية المتكررة واستهداف ناقلات النفط، ومع كونها المشتبه به الرئيس في تفجير قطار بولندي وفي ما لا يقل عن 70 هجوماً منذ آذار (مارس)، تتزايد المخاطر إلى حد باتت معه العمليات تقترب من مستوى الإرهاب، الأمر الذي يرفع منسوب التحذيرات من أن المواجهة الأوروبية مع موسكو قد تنزلق إلى صدام مباشر، ويجعل من المرجح أكثر فأكثر أن يجد الحلف نفسه مضطراً إلى التحرك.
 
 
                          *   *   *
تواجه روسيا اتهامات بالضلوع في أعمال تخريب طاولت شبكة السكك الحديدية في بولندا. كما استهدف الكرملين ناقلة محملة بالغاز قرب الحدود الرومانية، مما اضطر السلطات إلى إخلاء عدد من القرى المحيطة بالمكان. وبالتوازي مع ذلك، كثفت موسكو في الأشهر الأخيرة إرسال الطائرات المسيرة الأجواء الأوروبية وتحليق طائرات نفاثة فوق إستونيا.
تشكل هذه الممارسات، إلى جانب موجات التخريب والهجمات السيبرانية وحملات التضليل عبر وسائل التواصل، أعمالا عدائية تدخل في صلب الحرب الهجينة. وقد تمكن فلاديمير بوتين، بفضل هذا المزيج من الوسائل العدائية، من ممارسة نفوذ يتجاوز حجمه الحقيقي بكثير.
تقف موسكو الآن في موقف المشتبه به الرئيسي في التفجير الذي استهدف مؤخرًا خط السكة الحديد الذي يربط بين وارسو ومدينة لوبلين -وهو شريان أساس يربط بولندا بأوكرانيا. وقد أعلنت وزارة الأمن البولندية أن "جميع المؤشرات تشير بوضوح إلى عمل تخريبي روسي"، في أعقاب التفجير واعتداء آخر تم فيه تخريب قضبان السكة الحديدية على المسار ذاته.
ومن جهته، وصف رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، الحادثة بأنها "عمل غير مسبوق"، موجهاً الاتهام إلى اثنين من الأوكرانيين يشتبه في تعاونهما مع روسيا، ويُعتقد أنهما فرا إلى بيلاروسيا.
بدا توسك في تصريحه غاضباً، غير أن هذه الهجمات ليست جديدة تماماً. وهو يعرف أكثر من أي زعيم أوروبي آخر ما الذي تفعله موسكو، خصوصاً بعد اختراق الأجواء البولندية بما لا يقل عن 23 طائرة روسية مسيرة خلال أيلول (سبتمبر) الماضي.
ولم تكن تلك المسيرات مزودة بأسلحة، لكنها انطلقت في مسار أحادي الاتجاه. وهي ليست طائرات استطلاع تحاول استكشاف قدرات الدفاع الجوي ثم تعود إلى قواعدها، بل هي في الواقع أشبه بصواريخ انتحارية.
كما حدث في موجات الحرائق المتعمدة التي استهدفت طائرات ومستودعات -وحتى مؤامرة طالت صاحب مطعم من أصل روسي في لندن- كان يمكن للعمليات التي ضربت بولندا أن تودي بحياة أبرياء. وليست هذه الأفعال، بكل المقاييس، تخريباً فحسب، بل هي إرهاب واضح.
في الأيام القليلة التي سبقت كتابة هذه السطور، شنت روسيا هجوماً بطائرة مسيرة استهدف ناقلة غاز طبيعي مسال كانت ترفع العلم التركي وتتحرك في المياه الإقليمية الأوكرانية. وهو هجوم خلف تداعيات خطرة على رومانيا. وقد انتشرت حول العالم مقاطع فيديو تظهر تصاعد ألسنة اللهب من السفينة. ومع ذلك، ما يزال حلف شمال الأطلسي (الناتو) يلتزم الصمت حيال كل هذه الانتهاكات.
في سياق آخر، صنفت بريطانيا حركة "العمل من أجل فلسطين" Palestine Action على أنها منظمة إرهابية، وتم اعتقال مئات الأشخاص الذين احتجوا على هذا التصنيف الذي جاء بعد قيام الحركة بشن هجمات غير عنيفة، باستخدام الطلاء فقط، على ممتلكات وزارة الدفاع.
المفارقة هنا هي أنه لم يتم توجيه اتهامات مشابهة لعملاء بريطانيين يعملون لصالح روسيا أو تنسب إليهم تهم إرهاب، على الرغم من أن التحقيقات الأخيرة كشفت عن مخططات تضمنت إحراق شركة يملكها أوكرانيون في بريطانيا، والذي أدين على أثره خمسة رجال، بالإضافة إلى مخطط لاختطاف صاحب مطعم "هايد" في حي مايفير في لندن، وإشعال النار فيه.
استناداً إلى تقرير صادر عن "مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية" Centre for International and Strategic Studies، المتخصص في القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية في العالم، تم تسجيل ما لا يقل عن 70 عملاً تخريبياً في أنحاء مختلفة من أوروبا منذ شهر آذار (مارس) في هذا العام، والتي نُسبت جميعها إلى روسيا منذ بدء بوتين غزوه الشامل لأوكرانيا في العام 2022، مع الإشارة إلى أن مصادر أخرى ترجح أن يكون العدد الفعلي أكبر بكثير.
وجاء في التقرير أن نحو 27 في المائة من تلك الهجمات كانت ضد أهداف في قطاع النقل (مثل القطارات والمركبات والطائرات)، بينما ركزت 27 في المئة أخرى على أهداف حكومية (القواعد العسكرية والمسؤولين)، واستهدفت 21 في المائة البنية التحتية الحيوية (مثل خطوط الأنابيب وكابلات الألياف الضوئية تحت البحر وشبكات الطاقة)، في حين كانت نسبة 21 في المائة المتبقية موجهة ضد القطاعات الصناعية (ومنها شركات الدفاع).
وأشار التقرير إلى أن "كثيراً من هذه الأهداف كانت لها صلة بالمساعدات الغربية لأوكرانيا". وقد شملت التكتيكات الأكثر شيوعاً استخدام المتفجرات والمواد الحارقة، إلى جانب أعمال عنف أخرى استخدمت الهراوات والسكاكين ومراسي السفن لتمزيق كابلات الألياف الضوئية، فضلاً عن استغلال مهاجرين غير شرعيين لتنفيذ بعض الهجمات.
وصف وزير الدولة البريطاني السابق لشؤون الأمن، توم توغندهات، الهجوم الذي شُن على ناقلة الغاز على الحدود الرومانية بأنه بمثابة "ضربة روسية لـ’حلف شمال الأطلسي‘"، وحذر من أن "بوتين يوسع نطاق حربه في أوكرانيا بهدف ثنينا عن الدفاع عن الحرية الأوروبية".
وقال توغندهات لصحيفة "الاندبندنت" أن "العنف الذي تمارسه روسيا في مختلف أنحاء أوروبا لا يقتصر على الحرب التقليدية فحسب، بل يشمل دعم التخريب والقتل. لقد أصبحت روسيا الآن دولة راعية للإرهاب".
في غضون ذلك، بدأت فرنسا محادثات مع أوكرانيا لتزويدها بـ100 طائرة مقاتلة من طراز "رافال"، لكنَّ من غير المرجح التوصل إلى اتفاق بين الجانبين قبل العام المقبل.
من الجدير ملاحظة أن أوروبا والمملكة المتحدة قامتا بزيادة دعمهما العسكري لأوكرانيا، لتعويض النقص الناجم عن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف جميع المساعدات لكييف. لكن الهجمات الروسية الأخيرة داخل بولندا -الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي التي تعد أيضاً قوة صاعدة في منظمة "حلف شمال الأطلسي"، والتي تقع جغرافيًا مثل رومانيا على خط التماس مع الجبهة الروسية، تشكل مؤشراً إضافياً على أن الرد الأوروبي قد يحتاج إلى التحول إلى مواجهة فعلية.
*سام كيلي: كاتب وصحفي بريطاني ومحرر للشؤون الدولية في صحيفة "الإندبندنت". يتمتع بخبرة واسعة في تغطية الصراعات السياسية والقضايا الجيوسياسية حول العالم. اشتهر بتحقيقاته وتحليلاته العميقة التي تتناول العلاقات الدولية، خاصة في مناطق النزاع مثل الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية. يعرف بأسلوبه الصحفي الدقيق والموضوعي. تنشر مقالاته أيضًا في "الغارديان" ووسائل إعلامية دولية مرموقة.