الراي-ملك يوسف التل
تؤمن مهى ارشيد أن العمل التطوعي صناعة تنموية حقيقية يّفترض أن تشكل لنا في الأردن نسبة من الناتج القومي بما لايقل عن عشرة أضعاف الذي يتحقق الآن فالعمل الخيري والتطوعي جزء من الرسالة التي تأسس عليها الأردن وندخل بها مئويته الثانية جزءا من عّدة البناء والتنمية المستدامة.
مهى ارشيد، زوجة الكابتن جهاد ارشيد، طيار الملك الحسين –رحمه الله- لديها في صناعة العمل التطوعي سجل حافل كانت ذروته في فترة الجائحة التي استدعت استنهاض كل دواعي الخير لغوث العائلات المتعففة. وبموجب خبرتها وموروثها الذي نشأت عليه، وما اكتسبته من تأهيل اكاديمي، فإنها أقدر على تعريف العمل التطوعي بأنه صناعة تنموية حان الوقت لمأسستها لتكون جزءا من عُدتنا في المئوية الثانية للدولة.
من بين حزمة المواهب الملفتة التي اكتسبتها أم يزن في رحلة الشراكة مع كابتن عاش طويلاً في الامارات وفي لندن، فضلا عن الأردن، فقد أتقنت دقة التعبير عن النفس في إطار عريض من الثقافة. هي فروسية اللياقة والأناقة والجرأة التي تصبح فائضاً جمالياً لدى من يتقن فروسية ركوب الخيل.
ولذلك تتحدث مهى ارشيد عن نفسها وكأنها تتسلسل في القفز عن الجواجز:
ولدت في بيت جدي في قرية صير قضاء جنين وهو قلعة كبيرة عمرها لا يقل عن 300 سنة وسميت بقلعة صير وما زالت قائمة إلى يومنا هذا بأسوارها العالية الضخمة. وعقودها الواسعة حسب نظام الأبنية العريقة القديمة.
وفي الذاكرة بوابتها الكبيرة الخاصة للعربات والأحصنة وكان يبقى مغلقا في أغلب الأحيان للحماية إضافة لباب آخر للمشاه وهو باب الخوجة كما كان مسماه.
في ذاك الزمن كان نظام العائلات الممتدة، يسكنون في نفس بناء الأب والأولاد وأزواجهم وأحفادهم جميعهم داخل القلعة، يستند بعضهم إلى بعض في جو يمتلئ بالصخب والضحكات والابتسامات وبين أفرادها الكلمات والأسرار، فكانت حياتهم سعيدة يسودها الحب والطمأنينة.
زيارة الملك عبدالله لبيت جدي
اذكر حدثاً سعيداً لدى زيارة الملك عبدالله الأول لبيت جدي. وتكريماً لجلالته قام جدي بذبح عدة ذبائح في كل قرية غربي نهر الأردن وصولاً إلى مدينة جنين، حيث ذبح فيها جزوراً وكان الغداء في بيت عمي الكبير فريد ارشيد وهو أحد أعضاء المجلس الاستشاري الزراعي في حكومة فلسطين وعضو مجلس النواب الأردني وعضو مجلس الأعيان الأردني منذ إعلان الضم عام 1950 والوزير الأسبق، وقد ضم حفل الغداء جميع وجهاء المنطقة الذين قدموا الولاء والطاعة للعائلة الهاشمية.
في هذا الإحتفال قدمت ابنة عمي فريال فريد أنشودة مرحبة بقدوم الملك. وبعد الانتهاء من انشودتها قدمت للملك باقة ورد فسمعت منه كلمات اعجاب بكلمات الأنشودة وطريقة الإلقاء وقال لعمي: «البنت لنا» فضحك عمي وقال: ما زالت صغيرة. فقال الملك لحين تصبح كبيرة.
صديقة أبي
كنت أكبر شقيقاتي حيث حظيت بدلال واهتمام والدي ولمرافقتي له في كثير من المرات والعديد من الأمكنة فتعلمت منه الكثير حيث غرس في شخصيتي الاعتماد على النفس والجرأة وحب الناس ومساعدتهم.
في قرية الزبابدة قضاء جنين بدأت أولى مراحل دراستي في صف الروضة في راهبات الوردية، وفي سن العاشرة انتقلنا إلى مدينة نابلس وتابعت دراستي في مدرسة الفرنسيسكانيات – مار يوسف.
كان نهجا لدى العائلة تعلم الرماية وركوب الخيل للذكور والإناث وتعلم القرآن الكريم وتلاوته وذلك خلال العطل المدرسية.
في عطلة الصيف كنت أيضا رفيقة أبي إلى قريتنا ( تلفيت) لتفقد الزرع، فأبي يهوى الزراعة ويمارس العمل في الأرض بأساليب حديثة حيث تخصصه في الهندسة الزراعية ودوما ما كان يبحث عن الأفضل والأحدث فيما يخص زراعة الأشجار وتربية النحل، وما زالت أشجار الزيتون قائمة ليومنا هذا. مؤمنا بأن الزراعة حياة. وكنت أسمع منه دائما: الزراعة كنز لا ينضب بل أنها الكنز الذي ينمو ويزيد وعندما تصبح البذرة غصنا أخضر يبتسم الأمل، وعندما يزهر الغصن الأخضر تضحك الحياة.
قلت إنني تعلمت من أبي الشيء الكثير. حب الأرض والشجر والورد وكذلك حب الخير ومساعدة الآخرين دون مقابل. لم أر بابه مغلقا أمام انسان أيا كان ولا يرد طلبا. يده ممدوده للخير يلتف الناس حوله يستمعون لنصائحه وارشاداته فأحبوه وانتخبوه نائبا في مجلس الأمة الأردني عدة مرات وفيما بعد عضوا في مجلس الأعيان.
أما والدتي آمنة فالحديث عنها يطول وهي ابنة عم والدي ظهرت في مجتمعها مقتدية بوالدي بتقديم المساعدة ويد العون لكل من يحتاجها. وكانت ناشطة في جمعية الاتحاد النسائي الأردني في فلسطين. تصطحبني معها إلى الجمعية وترشدني لدوري تجاه المحرومين. وفعلا قمت متطوعة عدة مرات بتدريس أطفال روضة الجمعية عندما كانت تغيب أي معلمة.
العمل التطوعي
وعلى الرغم من أنني لم أمارس العمل الوظيفي في حياتي الزوجية بسبب تفرغي لبيتي وأسرتي لكنني انخرطت في الأعمال التطوعية التي نشأت عليها منذ صغري منها تأسيس جمعية مكافحة التدخين مع الأميرة هيا بنت الحسين وعضويتي في جمعية بني حميدة ومؤسسة في مجموعة سند لدعم ومساعدة مرضى سرطان الثدي.
عشقت العمل التطوعي الذي كبر معي وما زلت أمارسه حتى الآن بفضل الله.
وهو بالنسبة لي لا يقف عند حدود معينة. فهو قنديل أمان حيث يظنك اليتيم أمه ويراكَ العجوز عكازه ويطمئن عامل الوطن أنك سنده، لذلك هو أعظم سروري، لإيماني بأن خدمة الآخرين هي البوابة الأكبر للنمو الروحي، إذا فعلنا ذلك، تجلّت نوايانا، وتطهّرت روحنا، وطابت نفسنا.
وبفضل الله منذ بداية تأسيس جمعيات محو الأمية عندنا تطوعت للتدريس بهدف مكافحة الأمية وبتعليم القراءة والكتابة لحياة أرغد وفي الذاكرة تكريمي بكتاب شكر من د. عصام العجلوني لتميزي عن باقي المعلمات وذلك خلال تخريج الدفعة الأولى من خريجات محو مكافحة الأمية مما حفزني الاستمرار بالعمل التطوعي بمختلف مسمياته.
كما وتم تكريم مجموعتي » أهل الهمة» من قبل الملكة رانيا العبدالله إضافة لعضويتي في نادي الحديقة وفي تأهيل المرأة الريفية وجمعية تمكين المرأة للنساء الجامعيات وعضويتي في جمعية الأسره البيضاء ومنتدى الرواد الكبار بهدف خدمة كبار السن بتوفير خدمات ونشاطات ثقافية واجتماعية وترويحية ولياقة بدنية وأيضا شاركت في العديد من المؤتمرات داخل الوطن وخارجه.
زواج أقارب
كأنها عدوى لحقت بي وهي الأحب إلى قلبي: فوالدي ابن عم والدتي وجهاد زوجي ابن عمي وكان طيارا في سلاح الجو الأردني عام 1966.
أقمنا حفل خطوبتنا بحضور الأمير محمد بن طلال وكان حينها ولياً للعهد ونائبا للملك الحسين. كما وحضر الحفل الشريف زيد ناصر وعائلته.
في حرب الـ 1967 وبحكم أن جهاد طيار في قاعدة المفرق التي تم قصفها كانت بالنسبة لي فترة من أصعب أيام حياتي عشتها وأهلي بقلق حيث انقطعت عنا الاخبار في فلسطين، وملاذنا الوحيد سماع الأخبار عن طريق الراديو الذي يعمل بالبطارية بسبب انقطاع الكهرباء والماء. ثم أصبحت الاتصالات عن طريق الصليب الأحمر فعلمنا بان الأحداث ستطول. طلب جهاد من أبي وكنا ما زلنا في فترة الخطوبة ان يتم شملنا ولقلق أبي عليّ رفض بداية فطمأنه الملك الحسين بأنني في كنفه وتحت رعايته.
أذكر قبل ليلة القصف بيوم واحد على قاعدة المفرق زارنا جهاد لساعات وفي اليوم التالي قامت الحرب وعاد انقطاع الاتصال لخمسة أشهر، وعندما عادت الكهرباء بينما نحن نجلس حول التلفاز نشاهد الأخبار ظهر جهاد مرافق طيار للملك الحسين في أول رحلة ما بعد الحرب إلى روسيا وكانت فرحة عظيمة لي وللعائلة هدأت من روعنا بان جهاد ما زال على قيد الحياة.
خرجت من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية عن طريق الصليب الاحمر وكان الجسر مهدما بين الضفتين ونزلت في بيت ابنة عمي الأميرة فريال محمد في الوقت الذي كان فيه جهاد مقيما في قاعدة المفرق التي تم قصفها.
لم تتم مراسم الزفاف حسب المتعارف عليه بسبب الحرب لكن الأميرة فريال نظمت حفل عشاء في بيت زوجها الأمير محمد ومن ثم انتقلت وجهاد إلى بيتنا الذي تم اعداده. ولم يستطع أهلي زيارتي أو الاتصال بي بسبب الحرب حتى ان والدتي بسبب صعوبة اجراءات الخروج من الضفة الغربية وصعوبة الحصول على تصاريح للزيارة لم تشاركني فرحة الأمومة في أبنائي ماجدة ويزن ويزيد، كما كان يتعذر عليّ زيارة أهلي للسبب ذاته. لكن والدي كان قادرا على زيارتي اثناء حضوره لجلسات مجلس الأعيان.
تعريب سلاح الجو
بعد استقلال دولة الامارات العربية المتحدة عن الحكم البريطاني ولأن الأردن معروف بين جميع الدول العربية بكفاءات متخصصة في كافة المجالات منها: الطب والتعليم والأمن العام والجيش والطيران تم ابتعاث جهاد من الديوان الملكي الأردني إلى الديوان الأميري لتعريب سلاح الطيران.
كنت برفقة زوجي وقضيت سنوات وجودنا بألفة ومحبة وتواصل مع عائلات أردنية حولي لم تشعرني بالغربة.
كان جهاد أول طيار عربي في دولة الامارات العربية المتحدة، وبقينا ثماني سنوات. في تلك الاثناء بعث جهاد إلى لندن لتحويل رخصة الطيران العسكري إلى مدني وبسبب ساعات دوامه الطويلة انتهزت ساعات انتظاره بمتابعة دراستي في كلية ريجنت في لندن ولأن دوامي مسائي كان جهاد يهتم بفترة غيابي برعاية الأولاد وقراءة القصص لهم قبل النوم.
لم أفكر بالعمل الذي قد يشغلني عن رعاية أبنائي علما انني حصلت على شهادات عديدة. اضافة لعمل زوجي الذي يجعله يغيب لفترات طويلة ومع ذلك لم أهمل هوايتي في ركوب الخيل وقفز الحواجز وأذكر ان أعلى حاجز قفزته 120 سم.
من لندن إلى دولة الإمارات مرة ثانية حيث استلم جهاد الدائرة الخاصة للشيخ زايد. وفي إحدى الزيارات الرسمية للملك الحسين طلب من الشيخ زايد حاكم الامارات عودة جهاد إلى الأردن. فأكملت دراساتي منها: دراسة اللغة الانجليزية في المركز الثقافي البريطاني وسكرتارية وإدارة المكاتب في كلية الأميرة ثروت وكنت الأولى على دفعتي حيث حصلت على مرتبة الشرف وكانت مفاجأة لزوجي عند حضوره حفل التخرج.
أسرتنا
ابنتي الكبرى ماجدة خريجة جامعة عمان الأهلية – تخصص علم نفس ولديها من الأبناء ليان، طلال، النوران، نمر ونشمي.
يزن خريج أكاديمية الطيران المدني وله من الأبناء عبد الله وريان، ويعمل «كابتن» في طيران الخليج.
يزيد خريج جامعة اليرموك تخصص علوم مالية ومصرفية ولديه آدم وجنين ويعمل مديراً اقليميا لشركة أجنبية في المملكة العربية السعودية.