عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Dec-2019

مشوار كلية الطب رحلتي من الابتدائية للأستاذية

 

أ. د كميل موسى فرام
مكونات الإنجاز؛ المهنة الفنية، عشق التعليم، والكتابة الأدبية
 
الراي - العطاء والابداع بالمهنة لا يمكن أن يكون وليداً للظروف أو نتيجة لصرف وتخطيط، ولكنه سلوك عفوي ذاتي كنتيجة منطقية لغراس جيني يترجم ذاته بظروف الأداء، فالمهنة أوالوظيفة الإدارية التي تفرض مهاراتها على الفرد أو تفصَّل بحكم ظروف عابرة، لن يكتب لها الديمومة لأنها مرتبطة بتلك الظروف، خصوصا تلك المرتبطة بأشخاص القرار، مماثلة لمن يصنع مستقبله بجهده ويرصف طريق مجده بأدائه، وربما ثالوث العشق المهني الذي يروى برذاذ القلب والخلد؛ المهنة الفنية، عشق التعليم، والكتابة الأدبية، لم تتقاطع بمحاورها أو معطياتها أبدا بمسيرتي منذ بدأت، فحافظت على الاستقلالية لكل منها، وخصصت الوقت المناسب لأبجدياتها، فلم تتعامد الأقطار وإنما رُسِمت بالتوازي بإعطاء الحق، وأزعم أنني بجهدي والظروف ودعم عائلتي الصغيرة والكبيرة قد حققت النجاحات المطلوبة بالدرجة التي ارتضيتها، فسياسة الفصل بالرغم من قناعتي بأنها سياسة تكميلية وتؤدي لنتيجة واحدة لو قدر لها ظروف العمل والتطبيق بالشكل الصحيح، والتي يترك لأي منها الحكم على الفئة المستهدفة ومتلقية الخدمة.
مهنتي كطبيب ومستشار أول بتخصص النسائية والتوليد في مستشفى الجامعة الأردنية، هي امتحان يومي متجدد يكون الحكم النهائي فيه للمرضى اعتماداً على نتائج الخدمة والعلاج، ويمكنني الاجتهاد هنا بالقول أن هناك من الملاحظات التي تساعد بالخلاصة ومنها؛ الزيادة المضطردة بأعداد المرضى بشكل مُرْضي وتصاعدي، خصوصا بوجود تسلسل وحلقات بين المرضى، وللتوضيح، يعتبر المريض أهم عناصر الدعاية معهما تعددت الوسائل العلاجية والأشخاص، حتى لو تمكن البعض بإطلاء الغير لفترة زمنية، فالمريضة تنصح جارتها وصديقتها وابنتها واختها وهكذا يزيد محيط الدائرة بصورة تصاعدية ضمن قالب المعقول، وهو أمر ليس حكرا على المهنة الطبية بل بجميع المهن والخدمات على مستوى الفرد والجماعة، وهناك أمر آخر ويعتبر المؤشر الأقوى للنجاح ويشحن الهمة للمزيد من التفاني ويتمثل بزيادة تصاعدية بنسبة المراجعات للعيادة من زميلات العمل بالمستشفى أو الأقرباء للزملاء، مؤشر ثقة يصعب العبث بمدخلاته حتى لو حاول البعض، كما أن اعتماد هؤلاء كسفراء دعاية يعطي دفء اطمئنان ودرع تقييم ذاتي، لأنه لم يولد من فراغ، بل نتيجة جهود تراكمية لإثبات نظرية العلاقة بين أداء الطبيب الصحيح والمرضى، حيث عبارات الشكر والدعوات بالتوفيق، ناهيك عن تعدد أشكال الهدايا الرمزية اعترافا وشكرا، وربما الحادث الصحي الذي أدخلني المستشفى كمريض كان مناسبة امتحان للأمر، فأكثر من زارني للاطمئنان كانوا من مرضى العيادات وذويهم.
يحمل ميثاق عشقي للتعليم أجندة الأمل بالمستقبل، شجيرة زُرعت بحديقة القلب وارتوت بدمائه، كبرت وأثمرت ومنحتني قلادة وحافزاً للاستمرار بالبحث والتجديد بما أمتلك من رصيد علمي، أستمتع عندما أجد نفسي بين طلبتي على مستوى الشهادة الجامعية الأولى أو شهادة الاختصاص العالي أو شهادات الدراسات العليا، فمهنة التعليم مقدسة وسامية، والعلم وصنوه هو السلاح الوحيد القادر على الفتك بأعتى أسلحة الدمار التي تمتلكها الجيوش، استمتع بالمرور الصباحي مع الطلبة والمقيمين، أناقش بأسلوب تعليمي يمتاز بقدر كبير من الاحترام لأطراف المعادلة بقدر من الاجتهاد والتجديد؛ خصوصية المريضة ومصلحة الطلبة، متذكرا مقولة وحكمة حفرتها الذاكرة من جامعة سيدني واحتلت مساحة لن يعبث بحدودها واحداثياتها؛ لن يصدر مني كلمة جارحة أو تصرف من شأنه أن يحرج أو يجرح، لأن ذلك الأمر كان مصدر دمعة غالية من مقلتي بموقف مشابه، على أي يكون أولوية الاحترام للمريضة وخصوصيتها، والتزام بالشكل والهندام من أفراد الفريق الطبي، فأردد دائما وأطبق على الواقع مفردات ايماني؛ يجب على الطبيب والطالب أن يكون بمظهر لائق أمام المرضى لكسب ثقتهم، بمثال واقعي بضرورة الظهور كشاب ذاهب لخطبة فتاة أو فتاة تنظر قدوم شاب لخطبتها، حيث الهندام المرتب بكل فواصله، وربما احتفال المقيمين الدوري بنهاية كل دورة تعليمية، وكذلك الحال بالنسبة للطلبة كل شهر بمبادرات تعكس درجة العرفان، وكلمات اعتراف تمثل وقود الاستمرار والعطاء، وكان آخرها عبارة نقشت على كعكة الاحتفال لمقولة مشهورة من أقوالي خلال المناقشات العلمية بأن »كل شيء في الطب ممكن«.
الكتابة الأدبية المقترنة بالقراءة والمطالعة هي عشق من نوع آخر يصعب الوقوف على أطلاله، ويستحيل القفز عن محطاته، حكاية ممتدة منذ الصغر، ظهرت بوادرها بالصفوف الابتدائية، فكنت أقف أمام الطابور الصباحي لألقي كلمة بدعم مطلق من معلم اللغة العربية، وأقف بالمنزل أمام الأهل والزوار لإلقاء نشرة الأخبار مقلدا مذيعي لندن وأشهرهم ابن الحصن البار جميل عازر، ثم بدأت ممارسة كتابة الشعر هواية بمستوى محدود بعد دراسة بحوره وعروضه، قبل أن أترجم الأحرف والكلمات وأدوات التفقيط اللغوية لمقالات صحفية عبر صفحات جريدة الرأي في العام 1974 ،حتى يومنا، وربما أذكر حتى الساعة كيف حلقت كعصفور فرحا عندما قرأت مقالتي الأولى عن الأستاذ أديب عباسي رحمه االله رداً على تحقيق صحفي للأستاذ عوني بدر، والتي شكلت نقطة الانطلاق نحو الاحتراف؛ لغويا وأدبيا، وأجد متعتي وأسعد لحظاتي اليوم عندما أكتب مقالتي بل وتتضاعف هذه السعادة بما يردني من ردود، وقد ترجمتها بتوثيق مسيرتي العلمية من الإبتدائية حتى الأستاذية لتكون قدوة للبعض بعدم الاعتراف بالمستحيل، والقدرة على تخطي الصعاب بالجهد، وهي خطوة استعداد للتقدم للترقية العلمية الأكاديمية التالية لرتبة »الأستاذية« وللحديث بقية.