«تنظيم عمل» منصات التواصل... أزمة تتصاعد بين ترمب والاتحاد الأوروبي
الشرق الاوسط-القاهرة: فتحية الدخاخني
تصاعدت أزمة «تنظيم عمل» منصات التواصل الاجتماعي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بعد تأكيد المفوضية الأوروبية «حقها السيادي» في تنظيم أنشطة شركات التكنولوجيا العملاقة داخل الاتحاد، ورفضها تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي تقول إن تلك القواعد «تلحق الضرر بالشركات الأميركية. وهو ما عده خبراء انعكاساً و«تحولاً عميقاً في موازين القوة داخل الاقتصاد الرقمي العالمي»، قد يصب في صالح الطرف الأكثر قدرة على التكيّف.
ترمب كان قد هدد أخيراً بفرض رسوم جمركية إضافية على دول اتهمها بأنها سنت قوانين مصممة لإلحاق الضرر بالتكنولوجيا الأميركية، وكتب على منصته «تروث سوشيال» إن «الضرائب الرقمية، وقوانين الخدمات الرقمية، وتنظيم الأسواق الرقمية، جميعها مصممة لإلحاق الضرر بالتكنولوجيا الأميركية أو التمييز ضدها»، محذراً من أنه «إذا لم تُرفع الإجراءات التمييزية فسيفرض رسوماً جمركية إضافية كبيرة على منتجات الدول، ويفرض قيوداً على تصدير التقنيات والرقائق الأميركية».
الاتحاد الأوروبي، من جهته، كان قد أقر خلال الفترة الماضية «ترسانة قانونية» لضبط عمل شركات التكنولوجيا، تتضمن «قانون الأسواق الرقمية» المتعلق بالمنافسة، وقانون «الخدمات الرقمية» المعني بإدارة المحتوى.
ورداً على ترمب، أبلغت باولا بينو، الناطقة باسم المفوضية الأوروبية، الصحافيين أنه «من حق الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء تنظيم الأنشطة الاقتصادية على أراضيه بما يتوافق مع قيمه الديمقراطية». وأكد توماس رينيه، الناطق باسم الاتحاد الأوروبي لشؤون التكنولوجيا، أن اتهام ترمب للاتحاد باستهداف الشركات الأميركية «يمكن دحضه بشدة»، مضيفاً أن «الادعاء بأن قانون الخدمات الرقمية أداة رقابة خاطئ تماماً ولا أساس له من الصحة».
جدير بالذكر أن المفوّضية الأوروبية كانت قد فرضت غرامة مقدارها 500 مليون يورو على شركة «أبل» على خلفية «بنود تعسّفية في متجر التطبيقات الخاص بها، على حساب مقدّمي التطبيقات وعملائهم». وغرّمت شركة «ميتا» مبلغ 200 مليون يورو، ولقد عدّ «البيت الأبيض» هذه الغرامات في حينه «ابتزازاً اقتصادياً».
الدكتور حسن عبد الله، نائب رئيس جامعة شرق لندن بالعاصمة البريطانية، قال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً، إن «المستخدمين الأوروبيين يستفيدون من رقابة أكثر صرامة، وحماية محسنة للبيانات، وأطر قانونية تعزّز المنافسة بموجب قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية، في حين تواجه المنصات مثل تيك توك وإكس وميتا وغيرها أعباء امتثال متزايدة. وغالباً ما يجري تبني السياسات عالمياً للحفاظ على عمليات موحدة عبر المناطق».
وأشار عبد الله إلى أنه «في الولايات المتحدة، تدّعي شركات التكنولوجيا أن هذه القوانين تعادل الرقابة وتعيق الابتكار، وهو ما عكسته تهديدات ترمب بشأن احتمالية أن تشهد المنصات تقليصاً للحريات أو للقدرة الابتكارية في أوروبا، بسبب تلك القوانين، في حين قد يواجه المستخدمون الأميركيون تدنياً في جودة الخدمات أو ارتفاعاً في الأسعار مع تكييف الشركات عملياتها عالمياً».
ولفت عبد الله، من ثم، إلى «تحذيرات ومخاوف من أن تؤدي هذه التوترات إلى تآكل صادرات التكنولوجيا الأميركية، إذ تشير التقديرات إلى أن الخسائر قد تصل إلى 70 مليار دولار بسبب التعرفات الجمركية الانتقامية، حتى مع تطبيق بعض الاستثناءات... وبينما تقدّم أوروبا التنظيم، بعدّه حقاً سيادياً وتطبقه بشكل متساوٍ على جميع المنصات، تسعى أيضاً لترسيخ استقلاله التشغيلي. وفي المقابل، كما قال: «فإن القوة الاقتصادية الهائلة لوادي السيليكون، مقترنة باستراتيجية ترمب في فرض الرسوم الجمركية، تمنح الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً».
للعلم، يُلزم قانون الخدمات الرقمية المنصات تعليق حسابات مستخدمين ينشرون محتوى غير قانوني بشكل متكرر، مثل خطاب الكراهية، ما يعدّه البعض في الولايات المتحدة نوعاً من الرقابة.
من جانب آخر، قال الدكتور أشرف الراعي، الخبير في الجرائم الإلكترونية وتشريعات الإعلام، في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن «الصراع المتصاعد بين ترمب والاتحاد الأوروبي بشأن تنظيم شركات التكنولوجيا لا يمكن النظر إليه كخلاف عابر، بل هو انعكاس لتحول عميق في موازين القوة داخل الاقتصاد الرقمي العالمي». وأوضح أن «الاتحاد الأوروبي يسعى منذ سنوات لترسيخ ما يُعرف بالسيادة الرقمية عبر قوانين مثل قانون الخدمات الرقمية (DSA) وقانون الأسواق الرقمية (DMA) التي تهدف إلى فرض معايير صارمة لحماية المستخدمين، وضمان الشفافية، والحد من الهيمنة الاحتكارية للمنصات الكبرى مثل ميتا وغوغل وأبل».
وتابع الراعي: «هذه التشريعات، بمنطق ترمب، تعد تهديداً لمصالح الشركات الأميركية العملاقة، وتقوّض قدرتها على الابتكار وتوسيع نفوذها العالمي». ولفت إلى لجوء إدارة ترمب «لأدوات الضغط التجاري والدبلوماسي، وحتى التلويح بالعقوبات في مواجهة بعض الدول»، وقال: «هذا التباين بين منطق الحماية والتنظيم في أوروبا ومنطق السوق والحرية الاقتصادية في الولايات المتحدة هو ما يغذي هذا الصراع ويزيده تعقيداً».
وبشأن انعكاس هذا الوضع على منصات التواصل، يرى الراعي أن «التأثير المباشر على المنصات يتمثل في ارتفاع تكلفة الامتثال القانوني والاضطرار إلى تعديل نماذج الأعمال والخوارزميات وسياسات المحتوى لتتماشى مع القوانين الأوروبية... في حين يواجه المستخدمون انعكاسات مزدوجة، فمن جهة يستفيدون من حماية أفضل لبياناتهم، وشفافية أكبر في الإعلانات الرقمية وضمانات أشمل ضد الأخبار المضللة والمحتوى الضار، ومن جهة أخرى، قد يواجهون تضييقاً على حرية التعبير أو بطئاً في إدخال الابتكارات التقنية نتيجة تخوف الشركات من المخاطر القانونية».
وعد الراعي الأزمة الحالية «معركة على صياغة قواعد المستقبل الرقمي، وتحديد ما إذا كانت القواعد ستخضع لمصالح الشركات العملاقة فقط، أو ستقوم على توازن بين حقوق المستخدم، ومتطلبات المنافسة العادلة، ومقتضيات الابتكار التكنولوجي... وحسم هذه الأزمة سيحدد شكل الاقتصاد الرقمي العالمي خلال العقد المقبل».