(بيت عرار).. صرح ثقافي يجمع عراقة المكان وهيبة الشاعر
الراي - أمل نصير
يعد «بيت عرار» صرحا ثقافيا يجمع بين جنباته عراقة المكان وهيبة الشاعر، تلتقي فيه مختلف فئات المجتمع؛ فهو بيت للأردنيين جميعا يستقبل الزوار ويعرفهم بمسيرة وحياة الشاعر الأردني مصطفى وهبي التل(عرار)، ويعرفهم بتاريخ هذا البيت التراثي وما تعاقب عليه من استخدامات؛ حيث استخدم البيت مسكنا لعائلة الشاعر، ومدرسة، وعيادة، واخيرا استُخدم بيتا ثقافيا ومحطة لالتقاء مثقفي وأدباء وشعراء وكتاب الأردن والوطن العربي.
وزيرة الثقافة هيفاء النجار قالت خلال زيارتها لبيت عرار، قبل أيام: «هذا البيت جزء مهم من تاريخنا، يمثل قصة عرار.. قصة الأردن، قصة الخير والجمال والعيش المشترك والتنوع والتعدد. كما يمثل المشروع الوطني الأردني والقيم والروح الأردنية، وسيستضيف الكثير من الفعاليات الثقافية ضمن احتفالية إربد عاصمة الثقافة العربية هذا العام».
من جانبها، قالت المشرفة على البيت فاطمة الصباحين في لقاء مع الرأي أن بيت عرار الثقافي، بناه المحامي صالح التل (والد عرار) عام 1888.
ويقع البيت على السفح الجنوبي لتل إربد. وهو يتكون من خمس غرف وساحة سماوية، وقد بني من حجر البازلت الأسود وحجر القرطيان الموشح باللون الوردي، ويشبه في تصميمه العام طراز الهندسة المعمارية السائدة في البيوت الدمشقية القديمة، ويمتاز بانفتاحه إلى الداخل عبر ساحة مكشوفة محاطة بالأشجار تتسع لحوال 300 شخص.
والبيت لونه بنيّ من حجر البازلت الأسود وحجر القرطيان ذي اللون الوردي، والداخل إلى البيت تستقبله شجرة توت تلتف أغصانها وكأنها لوحة فنية مدهشة، وفي فناء البيت يشاهد أشجار التوت والزيتون والليمون التي تحتضن قبر شاعر الأردن وسيرته الذاتية المكتوبة على لوحات معلقة على حجارة البيت القديمة.
ووفقاً للصباحين، يحتوي البيت على غرفة تضم مجموعة من صور الشاعر عرار مع الملك عبد الله الاول، والملك طلال، وصور مع أبنائه وأصدقائه بالإضافة إلى مكتب الشاعر.
وبينت الصباحين أن للبيت أهمية كبيرة في المشهد الثقافي؛ فهو محطة لإقامة واستقبال الفعاليات الثقافية من أمسيات شعرية، ومعارض تراثية، ومعارض فن تشكيلي، ومحاضرات، وندوات، وأمسيات أدبية، وورش فنية، ومهرجانات ثقافية. وما يلفت النظر هنا هو الحضور الجماهيري في الفعاليات الثقافية المقامة، لكون البيت بطرازه المعماري القديم يقع في وسط مدينة إربد.
واستعرضت الصباحين أبرز المحطات التاريخة للبيت، مشيرة إلى أنه وفي العام 1905 تم توسعة البيت بإضافة بعض الملاحق، ليكتمل البيت بصورته الحالية، مكونا من خمس غرف وساحة كبيرة تتسع لثلاثمئة شخص رُصفت بالحجر الأسود وحجر «القرطيان» الموشّى باللون الوردي، وسكنت عائلة عرار البيت فترة من الزمن، ثم سكنه المستشار البريطاني (سمرسميث) التابع لحكومة فلسطين زمن الانتداب، ثم تحول البيت إلى مدرسة عام 1918 لمدة ثلاث سنوات. ثم عادت بعدها العائلة للسكن فيه فترة قصيرة حتى عام 1922. كما أقام فيه طبيب إنجليزي من أصل هندي اسمه (سنيان) حوله إلى مستشفى على غِرار الإرساليات الطبية التبشيرية التي كانت سائدة آنذاك، واستمر على هذا الحال خمس سنوات. وبعد ذلك استخدم البيتَ د.محمد صبحي أبو غنيمة كعيادة وسكن، ثم سكنه الشاعر مصطفى وهبي التل (عرار)، وفي سنة 1944 أسس محمود علي أبو غنيمة في البيت مدرسة العروبة الابتدائية وبقي كذلك حتى عام 1950.
ولفتت الصباحين إلى أن عائلة التل عادت لتسكن البيت الذي توارثه الأبناء والأحفاد إلى أن آلت ملكيته إلى شقيقات الشاعر (شهيرة، سعاد، عفاف، يسرا ومنيفة) اللواتي جعلن من البيت وقفا لذكرى عرار في عام 1988. ليتم بعدها نقل رفاة الشاعر عرار من المقبرة شمال التل، ثم دُفن في فناء البيت في 31 آذار 1989. حيث أرادت شقيقات الشاعر أن يبقى البيت صرحا ثقافيا عاما تخليدا لذكرى شاعر الأردن. ولهذه الغاية تم الاتفاق مع وزارة الثقافة بتاريخ في العام 1994 لتولي مهام إدارة البيت كدارة ثقافية عامة يؤمُّها الزوار والسياح والطلاب وتقام في أروقتها الفعاليات الثقافية والفنية والأمسيات الشعرية.
يذكر أن «عرار» (25 أيار 1899-24 أيار 1949)، عمل معلما، ومحاميا، وحاكما إداريا، كما عمل في سلك القضاء، وعُزل واقتيد إلى السجن ونُفي أكثر من مرة بسبب مواقفه.
وتكشف قصائد عرار عن انشغاله بالقضايا القومية، وفي طليعتها قضية فلسطين، وعن نصرته للضعفاء والفقراء والبسطاء الذين كان يشعر أنه ينتمي إليهم وظل قريبا منهم حتى وفاته.
وكان عرار على صلة وثيقة ببلاط الملك عبدالله الأول بن الحسين، وبنخبة من الشعراء والأدباء العرب الذين كانوا يجتمعون في مجالس الملك الأدبية، وتدور بينهم مساجلات ومعارضات شعرية.
وها هو «بيت عرار» يمثّل اليوم واحة ثقافية في قلب مدينة إربد، ومقصدا لكل من أراد أن يتعرف على سيرة هذا الشاعر الكبير.