قراءة أولية لنتائج الانتخابات النيابية*د. محمود عبابنة
الغد
نتائج الانتخابات النيابية التي انتهت يوم أمس بأعلى درجات النزاهة والشفافية، ستشكل منعطفاً فارقاً يفصلنا عن سنوات سابقة، ابتدعت فيها قوى محسوبة على الدولة مختلف أشكال وحيل الالتفاف على الإرادة الشعبية، كما حصل في انتخابات عام 2007 ومره أخرى عام 2010، وهذا لم يعد سرا بعد أن اعترف أحد المسؤولين السابقين بالتزوير.
الفوز الكبير للأحزاب والقوى الإسلامية كان متوقعا، ولكن المفاجأة بحجمه وقوة تأثيره في وجدان الناس، فلا البرامج التي طرحتها الأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولا حتى الدعاية الانتخابية التي أسرف بعضهم في إنفاقها أتت بالمردود المنتظر... حرب غزة والمواقف الغربية تجاه هذه الحرب الظالمة وسقوط الأقنعة الزائفة لزعماء الغرب دفع الناس في العالم العربي وفي الأردن إلى الاستدارة والتمسك بالعروة الوثقى التي استند إليها رجال المقاومة في غزة الصامدة.
من المؤكد أن أي انتخابات حرة ونزيهة في العالم العربي من الآن فصاعداً ستشهد تقدما للإسلام السياسي، كرد فعل على ما يحدث في الإقليم سياسياً واجتماعياً على ضوء مجريات الحرب في غزة وما رافقها من انتصار وصمود تاريخي للمقاومة الإسلامية، حيث وصل الناس إلى قناعة بأن العقيدة هي جذوة الصمود والتصدي لأبشع أنواع الإبادة التي يقودها نتنياهو وعصابته، التي تصف العالم العربي والإسلامي بالشر المستطير وتقتضي الصراحة أن أكثر المتصدين لأي نوع من أنواع التطبيع أو المهادنة مع العدو الإسرائيلي قادها الإسلاميون، ولم يغب عن ذهن الناس أن أحد النواب من جبهة العمل الإسلامي الذي نقلت صور عن وقوفه على طريق المطار لمقاومة شاحنات المصدرين الأردنيين قد فاز بأعلى رقم يحصل عليه مترشح على مستوى المملكة.
الناخبون لم يعبأوا كثيرا بشعارات الأحزاب، وكلها متشابهة بدءا من «مكافحة الفساد» ، «حماية المزارعين»، «النهوض بالشباب»، «إصلاح التعليم»، المناداة بالتأمين الطبي الشامل، المناداة بتبني نهج الدولة المدنية، ما يشغل أذهانهم هذه الأيام صور الحرب الهمجية على شعب غزة، وما علق بوجدانهم إلحاح القوى الإسلامية التي خاضت الانتخابات على مراجعة موقف الدولة من كل ما يجري في المنطقة بدءا من إعادة النظر في معاهدة وادي عربة والاتفاقيات الطاقوية الأخرى مع إسرائيل، بالإضافة إلى النوازل والمصائب التي تنكب على الأمّة وعلى الوطن من كل حدب وصوب وهذه هي التي أوصلتهم إلى الفوز الذي يكاد أن يكون ساحقاً، ويعكس الخريطة الفكرية والسياسية والاجتماعية بدون أي تدخل أو رتوش.