عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-May-2025

الحُبّ خرّاب البيوت*كامل النصيرات

 الدستور

في العالم العربي، الحب ليس شعورًا  بل مؤامرة. لا يولد في القلب بل في جلسات النميمة، ولا يكبر بالاهتمام بل بالحظر المتبادل. الحب عند العرب ليس تجربة إنسانية تُثري الروح، بل حالة طارئة تُعطّل المنطق وتجمّد الطموح، وتُحوّل أقوى الرجال إلى شعراء من الدرجة العاشرة، ينشرون قصائد تبدأ بـ»بحبك» وتنتهي بـ»ليش ما رديتي؟».
 
الحب عندنا لا يصنع حضارات، بل يصنع «حالات واتساب». لا يفتح آفاقًا، بل يغلق الأبواب ويطفئ النور، ويضع صاحبه في نفق طويل لا آخر له إلا «شايفتك أونلاين وما رديتي». إنه حب يتلوى بين الخوف من الفقد والغيرة على لايك، ويتغذى على شتائم الأصدقاء ونصائح تطبيقات الأبراج.
 
الطالب يترك المحاضرة ليراقب «السناب»، الموظف لا يُنجز لأن حبيبته قالت «أنا مش مرتاحة».
 
الحب هنا ليس قوة ناعمة، بل لُعنة ناعمة. يبدأ برسالة مساء الخير وينتهي بسلسلة من الأمراض النفسية، من الاكتئاب إلى «الهيستيريا الرومانسية» التي تجعل الحبيب يظن أن العالم تآمر عليه فقط لأن من يحب لم يرد عليه خلال خمس دقائق.
 
ولأننا لا نُحب إلا كما نتقاتل: بلا هدف، بلا وعي، وبلا خطة خروج، فإن الحب عندنا يتحول إلى وسيلة للهروب من الواقع، ومن العمل، ومن القراءة، ومن كل شيء يساهم في تقليل نسبة الجهل. فبدل أن نقرأ كتابًا، نقرأ محادثات قديمة. وبدل أن نحضر ندوة عن المستقبل، نحضر حساب الحبيب لنرى هل أعجب بصورة غيرنا أم لا.
 
عندما تُصنَّف الخيانة على أنها «نزوة»، والإخلاص على أنه «ضعف شخصية»، يصبح الحب أكبر عائق للنمو العقلي، وأهم سبب لغياب النهضة. كيف لنهضة أن تقوم على أكتاف أمة تعتبر أن «المشاعر» أهم من الكهرباء، وأن «الاهتمام» أهم من التعليم؟
 
الحب في العالم العربي  مشروع صغير لتدمير النفس طويل الأمد، يتم فيه استبدال الأحلام بالعُقد، والأهداف برسائل صوتية مدتها دقيقتان ونصف تبدأ بـ»بدي أحكي وما تقاطعني». في هذا الحب لا أحد يحب ليكمل الآخر، بل ليكمِّمه، ليمنعه من السفر، من الضحك، من التصويت، من التغيير، من كل شيء  إلا إرسال «وينك؟».
 
وحده الحب العربي يمكنه أن يجمع كل هذا الكم من النرجسية، والتضحية، والدراما، في علاقة واحدة تنتهي بعبارة «مش راكبين لبعض». بعدها يعود كل طرف إلى فقره، وجهله، وبطالة مشاعره  دون أن يسأل نفسه: هل كنا نحب فعلًا، أم فقط نُمارس طقسًا بديلًا عن التفكير والتطور؟