الغد
ألون بن مئير* - (مدونة ألون بن مئير) 2025/9/12
ينبغي أن تُنبّه حرب الإبادة الجماعية في غزة العالم أجمع إلى أن هذه ليست سوى حلقة أخرى من حلقات الانهيار الأخلاقي لإنسانيتنا. لن تحمل مقولة "لن يتكرر هذا أبدًا" أي وزن أخلاقي بعد الآن، ولن يُلام أحد على حدوث إبادة جماعية أخرى في المستقبل سوى تلك البلدان التي كان بإمكانها منع الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، لكنها اختارت عدم القيام بذلك، لأنها هي أيضًا فقدت نهجها الأخلاقي.
منذ توليه السلطة قبل 30 عامًا، دأب نتنياهو على إحباط أي احتمال للسلام مع الفلسطينيين على أساس حلّ الدولتين. وبدأ بتفكيك اتفاقيات أوسلو، بينما شرع بشكل منهجي في تسميم الرأي العام الإسرائيلي، وغسل أدمغة الإسرائيليين لإقناعهم بأن الفلسطينيين يشكلون تهديدًا وجوديًا لتبرير الاحتلال الوحشي وحصار غزة بحجج واهية تتعلق بالأمن القومي. وهو يُصوّر إسرائيل على أنها الضحية، بينما في الواقع تُسيء معاملة الفلسطينيين وتُعاملهم على أنهم دون البشر ويمكن الاستغناء عنهم وغير جديرين بالحياة. وقد أدى تشكيله في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2022 لأكثر الحكومات فاشية ومسيانيّة وتعصبًا في تاريخ إسرائيل إلى تسريع أجندته الوحشية.
نتنياهو مجرم حرب
شنّ نتنياهو في أعقاب هجوم "حماس" الوحشي حرب إبادة انتقامية جماعية لما يقرب من عامين، هادفاً منها أيضاً إلى تجويع سكان غزة الفلسطينيين وجعلها غير صالحة للعيش. بالنسبة لنتنياهو وجماعته، وفّر السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 فرصة تاريخية لتحقيق رؤيته الوهمية لإسرائيل الكبرى. ونتيجة لذلك، أغرق البلاد في هاوية من الأهوال والعنف والدمار والموت الذي لا ينتهي.
أذهل هجوم نتنياهو على غزة المجتمع الدولي. وحيّرت قدرة حكومة إسرائيلية على ارتكاب هذه الفظائع التي لا توصف العالم الذي ينظر إلى إسرائيل الآن على أنها دولة فصل عنصري؛ دولة مفلسة أخلاقياً ضلّت طريقها؛ دولة منبوذة تتجاهل بشكل روتيني حقوق الإنسان والأعراف والسلوك الدولي، ويجب على المجتمع الدولي نبذها. وبفضل نتنياهو، تُلام إسرائيل على تأجيج التوتر الإقليمي وتنفير أصدقائها وحلفائها وجزء كبير من المجتمع الدولي، بينما تزداد عزلتها.
لقد خان نتنياهو شعبه وبلاده بإطالة أمد الحرب عمدًا من أجل بقائه السياسي، ولتأجيل صدور حكم في محاكمته الجنائية الجارية، وتجنب تشكيل لجنة تحقيق في هجوم "حماس" الذي شُنّ في عهدته. وقد فاقمت جرائمه الحربية معاداة السامية إلى مستوى غير مسبوق وشوّهت سمعة اليهود ومكانتهم حول العالم، في حين برّرت أحكام معاداة السامية المسبقة القائلة بأن اليهود استغلاليون وأصحاب دسائس ومُكدّسون للأموال ولا يسعون إلا لمصلحتهم الشخصية.
بالنسبة لنتنياهو، فإن عبارة "لن يتكرر هذا أبدًا"، التي صيغت في أعقاب المحرقة اليهودية تنطبق حصريًا على اليهود دون غيرهم، بينما لا تُحتسب في حقهم جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبونها بحق الفلسطينيين.
ترامب متواطئ في الإبادة الجماعية في غزة
أصبحت الولايات المتحدة في عهد ترامب شريكًا في الإبادة الجماعية، حيث تزود إسرائيل بكل ما تحتاجه من معدات عسكرية وذخائر، بينما توفر لها غطاءً سياسيًا، وتعاقب الدول التي تنتقد جرائم الحرب الإسرائيلية. وقد سارع ترامب، سعيدًا بإرضاء داعميه الإنجيليين الذين يدعمون إسرائيل من دون قيد أو شرط، إلى تلبية احتياجات قاعدته السياسية.
الآن، يتم قتل آلاف النساء والأطفال الفلسطينيين، ويتضور مئات الآلاف جوعًا. ووفقًا لوزارة الصحة في غزة، توفي 185 شخصًا بسبب سوء التغذية في شهر آب (أغسطس) وحده. دعوا الأمر لأولئك الإنجيليين "المتدينين" ليتلذذوا بأرض غارقة في دماء الفلسطينيين.
يقوم ترامب، المهووس بعظمة نفسه، بتدبير أفظع الخطط لإنشاء ما يُسمى "ريفييرا الشرق الأوسط" التي تتضمن التطهير العرقي لغزة من خلال تشجيع الفلسطينيين على المغادرة إلى بلد آخر "طواعية"، سواء مؤقتًا أو بشكل دائم.
ولكن، إلى أي مدى هي طوعية؟ حسنًا، كما ينوي شركاؤه الإسرائيليون، بهدم ما تبقى من منازلهم وتهجيرهم وتجويعهم حتى الموت وحرمانهم من الرعاية الطبية والضروريات الأساسية وقتل كل من يقف في طريقهم. هكذا سيغادرون طواعية. هذا تحديدًا ما يهدف إليه نتنياهو وعصابته الإجرامية: تطهير غزة من كلّ فلسطيني، رجلًا كان أم امرأة أو طفلًا، باستخدام أقسى الوسائل الممكنة، وبناء إسرائيل الكبرى على أنقاضهم.
يجب أن تتوقف الحرب! وعلى العالم أجمع أن يتحرك الآن بتناغم، وخاصةً الشعب الإسرائيلي والمجتمع الأوروبي والدول العربية. إن لهم جميعًا مصالح كبيرة في النتيجة النهائية لهذه الحرب؛ الإبادة الجماعية.
دور الإسرائيليين
إنني أُشيد بالجماهير الإسرائيلية العارمة التي احتجت مطالبةً بإنهاء الحرب والإفراج عن الرهائن المتبقين، لكنّ هذه الاحتجاجات لم تُجبر نتنياهو وحكومته على إنهاء الحرب.
بل على العكس من ذلك، قرر نتنياهو، مُخالفًا رأي قيادته العسكرية العليا، استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط للمشاركة في إعادة الاحتلال الوحشي لمدينة غزة، مما سيؤدي إلى تدمير المدينة ومقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين وعشرات الجنود الإسرائيليين. يجب على الإسرائيليين الآن رفع مستوى التحدي باتخاذ إجراءات حاسمة عدة:
• الاحتجاج بلا هوادة بمئات الآلاف، والتدفق إلى الشوارع يوميًا لإجبار نتنياهو على التراجع.
• ممارسة كل الضغوط اللازمة على أمنون بار ديفيد، رئيس منظمة الهستدروت، النقابة العمالية الرئيسية في إسرائيل، للدعوة إلى إضراب عام لشلّ البلاد.
• المشاركة في العصيان المدني، وخاصة من قِبل جنود الاحتياط، الذين يجب عليهم رفض الالتحاق بالخدمة. إنهم العمود الفقري للجيش ومن دونهم سيكون من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، شنّ هجوم كبير. وكما قال يوتام فيلك، نقيب الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، الذي قاتل لمدة عام في غزة: "إن ما هو على المحك ليس الأرواح فحسب، بل أيضًا فكرة إسرائيل نفسها".
فرض عقوبات على إسرائيل من قبل القوى الغربية
حان الوقت للقوى الغربية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا وإيطاليا، إلى جانب كندا وأستراليا، لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد إسرائيل، إلى جانب تقديم بادرة رمزية، وإن كانت مهمة، بالاعتراف بدولة فلسطينية.
هناك العديد من الإجراءات العقابية العملية التي يمكن للاتحاد الأوروبي اتخاذها:
• فرض قيود على الواردات والصادرات؛
• وقف أي مبيعات أسلحة أو تعاون عسكري؛
• خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية؛
• الحد من تأشيرات الدخول للمسؤولين الإسرائيليين؛
• تعليق أي اتفاقيات مشتركة جديدة وتجميد اتفاقيات المشاريع الحالية، وخاصة في قطاع التكنولوجيا.
ومع أن هذه الإجراءات قد تُعطل العديد من الشركات، إلا أنها جميعها قادرة على الصمود لبضعة أشهر.
على الدول العربية اتخاذ إجراءات عقابية
من المخيب للآمال للغاية أن الدول العربية، وخاصة تلك التي تربطها علاقات سلام مع إسرائيل، لم تتخذ حتى الآن أي إجراءات صارمة ضد إسرائيل للتعبير عن غضبها إزاء الكارثة التي تعرض لها الفلسطينيون.
بينما ركز البعض على الوساطة، اكتفت بقية الدول باستدعاء سفرائها من إسرائيل للتشاور وإصدار بيانات تدين إسرائيل والعمل على جبهات دبلوماسية من خلال جامعة الدول العربية للضغط على إسرائيل دوليًا.
على الرغم من أهمية هذه الإجراءات، إلا أنها بعيدة كل البعد عما يجب على الدول العربية فعله لإجبار نتنياهو على تغيير خططه الشريرة ضد الفلسطينيين في غزة. ومن بين الإجراءات الحاسمة التي يجب عليهم اتخاذها:
• استدعاء سفرائهم حتى تُنهي إسرائيل الحرب، والتهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل إذا نفّذت خططها لتهجير الفلسطينيين؛
• وقف جميع الاتفاقيات التجارية مع إسرائيل؛
• وقف إصدار التأشيرات لأي إسرائيلي، بمن فيهم المسؤولون، يرغب في دخول بلادهم؛
• إنهاء أي تعاون أمني، حتى وإن كانت لمثل هذا الإجراء تداعيات خطيرة، لا سيما بسبب التدخل الأميركي.
إن الرأي العام الإسرائيلي والاتحاد الأوروبي والدول العربية ملزمون أخلاقياً بوقف حرب الإبادة الجماعية التي يشنها نتنياهو قبل أن ينجح في خلق ظروف لا رجعة فيها تُنهي مصير الفلسطينيين في غزة بالنفي -أو في أحسن الأحوال، العيش تحت أقسى حكم عسكري إسرائيلي. يجب عليهم جميعاً أن يتذكروا أن التقاعس لن يحكم على الفلسطينيين في غزة بنهاية محفوفة بالمخاطر فحسب، بل سيجعل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني أكثر فتكاً واستعصاءً على الحل لعقود مقبلة.
لن تحمل مقولة "لن يتكرر هذا أبدًا" أي وزن أخلاقي بعد الآن، ولن يُلام أحد على حدوث الإبادة الجماعية في المستقبل سوى تلك البلدان التي كان بإمكانها منع الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، لكنها اختارت عدم القيام بذلك، لأنها هي أيضًا فقدت نهجها الأخلاقي.
*ألون بن مئير Alon Ben-Meir: أستاذ متقاعد في العلاقات الدولية. عمل سابقا في مركز الشؤون العالمية بجامعة نيويورك وزميلًا أول في معهد السياسة العالمية. وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط وغرب البلقان والمفاوضات الدولية وحل النزاعات. في العقدين الماضيين، شارك بشكل مباشر في العديد من المفاوضات الخلفية التي شاركت فيها إسرائيل والدول المجاورة لها وتركيا. ألف اثني عشر كتابا تتعلق بالشرق الأوسط، ويعمل حاليا على كتابين جديدين عن سورية وتركيا. يحمل درجة الماجستير في الفلسفة والدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة أكسفورد.