الراي - لي في هذه الحياة ثلاثة منازل: منزلي الذي عشت وأعيش فيه مع أسرتي، والجامعة الأردنية التي قضيت فيها حتى هذه اللحظة خمسين عاما: طالبا وأستاذا وإداريا. والمنزل الثالث هو جريدة الرأي التي أمضيت أكثر من ثلاثين عاما معها أبثها أفكاري وخواطري وآلامي وأفراحي وأحزاني وغضبي وانقداحات فكري، ونشرت على صفحاتها نحو ألف وخمسمائة مقالة في مختلف موضوعات الفكر والثقافة والسياسة والاجتماع والأدب وغيرها، فكانت لنا الأم التي تتلقى أبناءها بكل محبة وتحمل عنهم كل ما يؤرقهم ويقض مضاجعهم. كانت تتلقانا منذ أيام إداراتها الأولى أيام سليمان عرار ومحمود الكايد رحمهما االله تعالى، وأيام خالد الكركي، بصدر رحب، فكانت أيام التواصل الاجتماعي الحقيقي ملتقى لأهل الفكر والثقافة، وكم كان لنا فيها من القصص والمواقف والطرائف والحكايات واللقاءات الحميمة مع إداراتها ومع رموزها الفكرية والثقافية اللامعة. أقول في هذه المناسبة العزيزة مناسبة مرور خمسين عاما على تأسيس صحيفة الرأي إنها جزء بل فصل رئيسي من فصول سيرتي الذاتية، لأنني متى أردت أن أستعيد ذكرياتي وتشكل البناء الفكري لدي ومعرفة ما طرأ على أفكاري من تطور أو تغير فإن المرجع الوحيد والأبرز لذلك هو مقالاتي المنشورة في جريدة الرأي، ومن أراد أن يتعرف موقفي من الأحداث في حياة الوطن والأمة فإن مرجعه في ذلك هو جريدة الرأي. ولست أنسى في هذا المقام فضل الإعلامي البارز الرمز الأستاذ محمود الكايد (أبو عزمي) رحمه االله تعالى ، عندما كان يرأس مجلس إدارة الرأي، إذ كان من النادر أن يرد لي مقالا أقدمه له، وخصص لي في البداية زاوية أسبوعية هي زاوية (ضوء) ثم زاوية أسبوعية في الصفحة الأخيرة هي زاوية (سبعة أيام ) تحت سقف شاهق من حرية الرأي والتعبير ، وكان رحمه االله يحسن الدفاع عن الكتاب الذين ينشرون مقالاتهم في الرأي ويتحمل بشجاعة نادرة مسؤولية كل ما ينشر. لي مع الرأي ذكريات طريفة كثيرة يصعب حصرها في مثل هذا المقال لكثرتها. ولا أنسى وأنا أستذكر صحيفة الرأي في عيدها الخمسين دورها الثقافي المميز، فكم احتضنت من الإبداعات والمبدعين والمواهب، فغدت بذلك مرجعا أساسيا من مراجع دراسة الحياة الثقافية والأدبية في الأردن والمحيط العربي منذ النصف الثاني من القرن الماضي إلى يومنا هذا. أتمنى لصحيفتنا الغراء دوام التقدم والازدهار والعطاء في خدمة قضايا الوطن والأمة والروح الوطنية والقومية وخدمة للفكر والثقافة والوعي في أردننا الحبيب.