عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    31-Dec-2018

مهنا الدرة.. الحياة عبر الرسم

 الدستور-محمد العامري

يمثل الرسم لدى الفنان مهنا الدرة طريقة حياة، وتفكيرا بالمرئي اليومي والذهني على حد سواء، فهو الذي أسس بشكل واع طبيعة مسارات الحياة التشكيلية الاردنية، وذلك لشغفه الغامر بطبيعة الرسم وضروراته اليومية لدى الانسان وحضارته وصولا الى سلوكياته في النظر الى الاشياء.
كان احتفاء المتحف الوطني بمثل هذه التجربة ضرورة ثقافية اردنية بامتياز، من باب إيفاء صديقي الدرة حقه في تكريس حالة العمل الدؤوب في تجويد الحياة عبر العمل الفني، وهذا الامر يذكرني بحياة العبقري بيكاسو الذي أمضى عمره بقلق الفنان المجرب في تصانيف الاشكال والمواد المختلفة وصولا الى الوسائط التي شكلت مادة مهمة لقراءته، يأتي مهنا الدرة في مسارات المواصلة التي لا تنتهي ولا تنضب في استدراج أفكاره إلى قماشة اللوحة حاملا الكثير من الأسئلة الجمالية من حوار ذاتي وصولا الى الفعل الجمعي.
فقد تحاور مع طبيعة العمائر العمّانية ليدخلها من اباب إعادة بنائها في الرسم عبر تعبيرية تجريدية قادته الى مساحات التجريد التي تنتمي في الغالب الى تلك المكعبات المعمارية المتلاصقة والتي تعكس في جنباتها تجاورات الظل والنور، حتى ان الدرة استعاض عن التلوين باستخداماته للون الواحد في تلك المرحلة، حيث يتدرج الازرق الى نهاياته في تفاصيل تكوينات تلك العمائر.في كثير من الاحيان كنت أزوره بدعوة منه للحوار حول عمل جديد له، وكنت ارصد طموحه العالي في فهم الفن، تواضع الفنان الكبير في سؤاله عن أعماله وقال اريد ان انجز فنا حقيقيا في نهاية الرحلة الحياتية، هذا القول يدلنا على هواجس الفنان التي لا تنتهي في محاولاته الجادة للتنافس مع العالم خارج الجغرافيا المحلية، انه ذات السؤال الذي طرحه الشاعر والفيلسوف الفرنسي بول فاليري تحديدا في قصيدته « المقبرة البحرية» التي لاقت رواجا كبيرا في طبيعة المفردات واشكال التعبير لكنها ربما لم تشبع تلك التعبيرات بول فاليري نفسه، كذلك مهنا كما عرفته فهو دائم السؤال عن تطورات اللوحة وطبيعة مسارات في مجتمعات لا تتساوق مع تلك المفردات كمادة جمالية فاعلة، لم ينفصل الدرة عن محيطه البصري فقد رسم مجموعة هامة من الوجوه الاردنية ووجوه اصدقائه العرب والاجانب واعتقد أن اهم ما قدمه قصته مع الشاعر الامريكي «عزرا باوند» الذي كانت له صداقة في فترة منفاه بمهنا الدرة ، وفي زيارة لي لمهنا سألته عن هذا البورتريه وقلت له هذا عزرا باوند فقال لي اول اردني يعرف هذا البورتريه، قلت انه الشاعر الامريكي المعروف الذي ساهم في تحديث الشعر الغربي، وبدأ مهنا يسرد لي قصته مع عزرا باوند، من هنا سأقول أن على مهنا أن يكتب سيرته الذاتية لتكون موئلا للدارسين، فكثير من الذين كتبوا عن مهنا الدرة لم يتطرقوا لطبيعة حياة هذا الفنان والمفارقات التي حصلت في حياته، كانت تلك الوجوه التي رسمها مهنا أقرب الى الغوص في جوانب داخلية لاصحاب تلك الوجوه مواربا عن واقعيتها وقاصدا تعبيراتها الداخلية النفسية.لم يتوقف الدرة عن تجريبيته في مناخات الاشكال فقد اغتبط في تجريدياته التي تشكل امتدادا لطبيعة لوحته التعبيرية، مساحات مقطعة تحيلنا الى أمكنة مجردة، تحمل في طياتها قيما مهمة في التحليل اللوني، وتناغما موسيقيا في العلاقات الخطوطية التي تفصل بين مساحة وأخرى، فلم تنفصل لوحته عن طبيعة ثقافته السماعية في الموسيقى العالمية فهي مؤثر مهم في طبيعة فهم التجريد لدى الدرة، لقد احسن المتحف في عرض هذا المنجز الهائل لفنان علينا أن نقدر ما قدمه للاردن من مساحة جمالية لا تنسى.