الدستور
سألت أبي، رحمه الله، عن بداية الجرح الفلسطيني في العام 1948 الذي لم يزل ينزف حتى الآن : من كان الأكثر شراسة واجراماً ضدكم حين هجروكم من بلادكم؟ قال، يهود اليمن و..الدروز الذين انضموا لجيش الاحتلال الصهيوني.
استغربت وقلت له، يعني العرب؟ قال، للأسف نعم !
عرفت لاحقاً أن فئة الدروز الذين أعلنوا ولاءهم لاسرائيل وانخرطوا في جيشها كان السبب الرئيسي وراء وحشيتهم أنهم يريدون اثبات ولائهم للكيان الجديد فتمادوا في العداء لاخوتهم الفلسطينيين حد ارتكاب الجرائم ضدهم، أشقاءهم في الأرض واللغة والتاريخ.
ونذكر بقول الحاخام مائير كهانا الذي طالب بطرد الدروز من اسرائيل قائلاً بسخرية « يجب أن نحرص على توفير حافلات مكيفة لهم أثناء طردهم « !
بعد اقرار قانون يهودية الدولة عام 2018 جرى نقاش بين أبناء الطائفة حول علاقتهم بالدولة اليهودية التي اعتبرتهم مواطنين من الدرجة الثانية.
الباحث الفلسطيني الدرزي قيس ماضي فرو عارض في عدة مقالات وأبحاث تماهي الدروز مع الدولة الصهيونية. وحذر من الاعتماد على السرديات الصهيونية التي تدعي بوجود مشتركات تاريخية بين الدروز واليهود، وهي الادعاءات التي لعبت دوراً في فصل الدروز عن الطوائف العربية الأخرى غير اليهودية.
وقد شارك ابناء الطائفة في ثورة 1936 ضد الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية والتي انضم اليها ايضاً دروز من سوريا ولبنان. وجرت محاولات لتهجير دروز فلسطين الى جبل العرب الدروز لكن ارتأى الصهاينة بدلاً من التهجير منحهم امتيازات في الجيش والحفاظ على بلداتهم في الجليل والكرمل. وللأسف نجحوا في ذلك.
الدروز العرب الوطنيون لهم دور عظيم في رفض الاحتلال والتعامل مع اسرائيل. ولا أدل من ذلك اكثر من شاعر الثورة والمقاومة سميح القاسم المولود سنة 1929 في مدينة الزرقاء الأردنية وعاش عمره في الناصرة وصفد وحيفا. ومن منا لا يحفظ قصائده الوطنية خاصة التي يقول فيها :
منتصب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي
قلبي قمر أحمر قلبي بستان
فيه العوسج فيه الريحان
شفتاي سماء تمطر ناراً حيناً حباً أحيان
في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي
ومن الدروز العرب لا ينسى التاريخ الشهيد كمال جنبلاط ومواقفه الوطنية العروبية. وهي الروح التي ورثها لابنه وليد الذي وقف ضد المحاولات الاسرائيلية الحالية للعب على الفتنة بين دروز السويداء وبين وحدة سوريا الجديدة. وقد زار دمشق والتقى القيادة الجديدة فاتحاً خطاً مع النظام الجديد.
وبشأن الاحداث في مناطق الأكثرية الدرزية في السويداء وجرمانا وجنوب سوريا أكد جنبلاط ان اسرائيل تريد استخدام الطوائف لتفتيت المنطقة لمصلحتها مؤكداً « أن الذين وحدوا سوريا ايام سلطان باشا الأطرش لن يستجيبوا لدعوات بنيامين نتنياهو «.
كذبة أرض الميعاد واللبن والعسل انطلت على الكثيرين من اليهود في العالم. وللأسف على بعض العرب ومنهم اخواننا الدروز ويهود اليمن والعراق وسوريا ومصر وتونس والمغرب. لكن ما قبل السابع من أكتوبر ليس كما بعده والزمن يعود الى الوراء ويكنس ما جرى في غفلة منه.