عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Dec-2019

“اوبريت ملاك السلام” - عميره هاس

 

هآرتس
 
ملاك السلام يحلق فوق رام الله، في حين أنه في نابلس تم إغلاق فم عشتار. عرضان فنيان في شهر كانون الأول عملا على إثارة الجمهور الفلسطيني: مزمور تقديس وعبادة لمحمود عباس (أبو مازن) وعرض رأس لشخص واحد مثير للخيال الكبير وغير تقليدي بصورة واضحة، الذي اختتم أسبوع نشاطات مناهضة العنف ضد النساء في جامعة النجاح.
من بين العواصف الإعلامية ظهرت مرة اخرى حقيقة الانقطاع النهائي لقيادة فتح عن الجمهور الفلسطيني. في نفس الوقت العواصف نفسها تظهر إلى أي درجة هذا الجمهور متنوع ومنفتح على التغييرات ومنتقد أكثر مما تعتقده النخب بشأنه.
في بداية شهر كانون الأول فاجأ التلفزيون الفلسطيني الرسمي وبث ما سمي “اوبريت ملاك السلام”: عرض شارك فيه عدد كبير من العازفين والمغنين والحضور، عدد منهم على الاقل حسب الملابس التي ارتدوها هم أعضاء في أجهزة الأمن الفلسطينية. كل هذا الاحترام تم تركيزه في مسرح في مركز مدينة رام الله ووزع بين خشبة المسرح وبين مقاعد الجمهور. شاشة كبيرة انطلقت منها صورة أبو مازن، لن تترك أي مجال للشك حول ملاك السلام، حارس الحلم وخالق فجر الغد. كاتب أبيات المزمور المحرجة هو المتحدث باسم هيئة الاذاعة الفلسطينية، خالد سكر. وبشار طميزي، الشاعر في الثلاثينيات، الذي قصائده باللهجة العامية تلامس قلب سامعيه. الموسيقى وضعها خالد صادوق، عازف العود والملحن والمحاضر في الموسيقى في جامعة النجاح والمشرف الموسيقي على البث في التلفزيون الفلسطيني.
اقوال الاستهزاء التي ملأت فورا الشبكات الاجتماعية (بما في ذلك رسومات كاريكاتيرية سامة، أحدها يظهر ملاك السلام إلى جانب كومة جماجم في غزة) لم تركز على الكاتبين والملحنين والمغنين، بل ركزت على – هيئة الاذاعة والتلفزيون الرسمية.
“وراءك، مشجعا، يمضي الشعب نحو الفضاء، من حقنا أن نفخر بك، يا سيدي… بكف يدك الأولى غصن السلام وفي الكف الثانية طلقات الرصاص، غبار السائرين سيتلاشى جانبا إلى أن يبزغ فجر الخلاص”، هكذا يتواصل مزمور الاستخذاء بكلمات فارغة ليس لها أي علاقة مع واقع الاقتحامات العسكرية والاعتقالات اليومية وسيطرة إسرائيل المتواصلة على المزيد من الاراضي. الكلمة المكررة، اثارت بصورة خاصة غضب السامعين، أشار أحد النقاد.
هم ايضا ذكروا احمد عساف، المتحدث باسم فتح السابق، الذي رفعه عباس عاليا. كجزء من عملية تركيز السلطة ووضع مؤيديه في مراكز القوة جعل عباس عساف وزير الإعلام، المسؤول ايضا عن جميع وسائل الإعلام الرسمية للسلطة الفلسطينية – الاذاعة والتلفاز ووكالة الأنباء “وفا”. أحد كتاب النص، خالد سكر، اقتبست اقواله في مقابلة تلفزيونية بأن الوزير عساف لم يبخل بالموارد من اجل أن يخرج إلى حيز الفعل تنفيذ وبث العرض. هذه الأقوال قيلت كثناء، لكنها استقبلت بالضبط عكس ذلك. الكثير من النقاد ركزوا على الجانب المالي. في كل يوم يكتب عن المزيد من المجموعات التي تشطب من قائمة الحاصلين على مخصصات الرفاه الاجتماعي للسلطة: مرضى، فقراء، أسرى محررون. ايضا بدون معرفة كم من الأموال استثمرت في هذا العرض الذي استمر عشر دقائق تقريبا، وتكراره كثيرا، المشاهدون المدهوشون شعروا بأن المبلغ أخذ من جيوبهم وعلى حسابهم.
عريضة نشرت بعد يومين – ثلاثة أيام من العرض عبرت عن أسفها لاستغلال العازفين والمغنين الشباب وتجنيدهم لعرض الاستخذاء. لقد طلبت وقف نشر فيلم العرض (حسب أحد التقارير الصحفية، قام يوتيوب بشطب العرض بناء على طلب من هيئة الاذاعة الفلسطينية التي اكتشفت تعليقات عدم الاعجاب الكثيرة). وذكرت العريضة بكراسة ظهرت في شهر أيار الماضي بعنوان “نموذجنا، رئيسنا”، وصفحة فيس بوك التي فتحت لتأييد عباس، بسبب النقد الكثير تم وقف نشر الكراسة. نسبة المطالبين باستقالة عباس، حسب استطلاعات رأي متسقة ومتواصلة للمركز الفلسطيني لابحاث السياسات، تواصل المراوحة حول 60 في المائة. يتبين أن الاستخذاء لا يفيد في زيادة الشعبية، لكن في قيادة فتح لا يتعلمون من التجربة ويواصلون بعمى تعظيم الزعيم غير المحبوب. التفسير المنطقي الوحيد هو أن المتملقين يفكرون فقط بأنفسهم ومكانتهم في الحاضر ورواتبهم في هذه الاثناء.
كاتبو العريضة اشاروا الى أن عبادة الفرد تناقض تقاليد حركة التحرير الفلسطينية، القائمة على قيم الشراكة والمساواة والتطوع والعدل وتشجيع الروح الانتقادية والتضحية من اجل صالح المجموع. الشعب الفلسطيني، تواصل العريضة القول، يمقت بصورة قاطعة المحاولات الغبية لتحويل الوطنية الفلسطينية الى احتفالات هدفها تعظيم سلطة الفرد والديكتاتورية، “من الأنواع التي نشاهدها كثيرا في منطقتنا وفي العالم”. العريضة تذكر صفا من الفلسطينيين ذوي القامات العالية الذين كانوا سيشمئزون من العرض ومن الظاهرة التي يمثلها. ليس هناك امرأة من بين هؤلاء الفلسطينيين الذين تذكرهم العريضة الانتقادية.
يطفئون الأنوار
ولكن تشق نساء فلسطينيات الطريق لتذكير المجتمع – وحتى تذكير المثقفين – بوجودهن. في 10 الشهر الحالي عرض في جامعة النجاح في نابلس عرض لممثل واحد، راقصة من مواليد القدس هي عشتار معلم، الذي فيه تدمج بين الرقص الحديث والعاب في الهواء على ستائر من الحرير. اسم العرض “انحدوانه”، على اسم الشاعرة الأولى المعروفة في التاريخ، ابنة الملك سرجون الاكابي من القرن الـ 23 قبل الميلاد. في العرض تقول معلم بأنها ارادت التطرق لوضع النساء في العالم العربي واظهار قوتهن الداخلية وقدرتهن على التغيير. محاضرة شابة في الجامعة قالت إن الجمهور أحب العرض، لكن فجأة بعد ربع ساعة على بدايته تم اطفاء الانوار بصورة متعمدة. وبعد مفاوضات قصيرة سمح لمعلم بانهاء مقطع الرقص. وعندها مرة اخرى تم اطفاء الأنوار. إلى خشبة المسرح صعد رئيس كلية الفنون في الجامعة، غاوي ميشيل غاوي، وأعلن عن وقف العرض. وبعد ذلك أوضح بأنه لا يتناسب مع التقاليد والعادات في المجتمع. وتطرق إلى أن معلم قامت بخلع بعض قطع ملابسها اثناء العرض.
رئيس مركز أبحاث السياسات وكبير الاحصائيين في الجيوب الفلسطينية، خليل الشقاقي، قال إن الشباب – مجموعات العمر الأكبر في المجتمع الفلسطيني – هم الأكثر ليبرالية والاقل تدينا. لذلك مثلا، دعم حماس في اوساطهم يهبط (وإن كانوا ايضا المؤيدين صوتيا للنضال المسلح). إذا كان الأمر كذلك فان المبادرين إلى وقف العرض في النجاح، هم ايضا يظهرون انقطاعا عن الواقع.
من اجل التهرب من الانتخابات
الانتقاد لقطع العرض لم يتأخر، والنقاد لم ينسوا التذكير بأن جهات سياسية تمنع نشاطات فنية، سواء في غزة أو في الضفة الغربية. نتف متفرقة من المعلومات أشارت إلى أن المسؤول عن جهاز الأمن في الجامعة، المرتبط بأجهزة أمن السلطة، كان موجودا في القاعة وهو الذي أمر بوقف العرض (الذي حسب اقوال معلم، فان عرضه حصل على مصادقة مسبقة من الجامعة). قوة أجهزة الأمن في جامعة النجاح كبيرة. يشتكي الطلاب والمحاضرون. هذا سر معروف، أن الأمن في الجامعة متماهي مع فتح، أو على الأقل مع أشخاص معينين فيها. مع ذلك، في يوم الثلاثاء نشرت الجامعة اعتذارا عن قطع العرض. معلم قالت إن الاعتذار الحقيقي سيكون فقط إذا سمحوا لنا ثانية بالعرض – بكامله – في الجامعة.
وحسب استطلاع مركز الأبحاث الأخير في الأسبوع الماضي، عدد أكبر من المستطلعين قالوا بأنهم سيصوتون لفتح أكثر مما سيصوتون لحماس (40 في المائة لفتح مقابل 32 في المائة لحماس). ولكن هذا السؤال لا يأخذ في الحسبان الانقسامات المؤكدة في فتح. يوجد فيها عدد من الأعضاء البارزين الذين يفكرون بالتنافس بصورة منفردة، بدرجة كبيرة بسبب الطبيعة الاستبدادية التي التصقت بالحركة. مؤيدو محمد دحلان، الخصم لعباس منذ سنوات، سيشكلون ايضا على الأغلب قائمة خاصة بهم. أي أن فتح ستتنافس بثلاث قوائم على الأقل. من المعقول أن الميل الاميبي لحركة التحرر العريقة سيسبب لها الخسارة في صناديق الاقتراع امام حركة المقاومة الاسلامية الاكثر شبابا منها مثلما حدث في 2006.
هناك من يقولون بأنه من البداية، عندما تحدث عباس عن انتخابات، كان يأمل أن حماس سترفض. يحيى السنوار لم يقع في الشرك، ووافق على جميع الشروط التي طرحت أمامه. الآن عباس يتردد منذ أسابيع كثيرة في اصدار أمر رئاسي لتحديد موعد الانتخابات وترتيباتها (بذريعة أنه يجب على إسرائيل الموافقة مسبقا على اجراء الانتخابات في شرقي القدس). التردد هو ربما اشارة إلى أن عباس والمقربين منه غير منقطعين عن الواقع: هم يعرفون الى أي درجة هم لا يحظون بالشرعية. هم غير قادرين على اجراء إصلاحات حقيقية في الحركة، التي يمكنها أن تبرز قوى جديدة وشابة مكانهم. الآن هم يبحثون عن طريقة مريحة للانسحاب من موضوع الانتخابات.
ومهما كان الأمر، حسب استطلاع الشقاقي، معظم الجمهور يشكك بقدرة الحركتين المتخاصمتين على احترام نتائج الانتخابات إذا كانت في غير صالحهما. ويقدر بأنهما ستمنعان تشكيل حكومة واحدة في غزة والضفة، تكون ليست تحت قيادتهما: 59 في المائة يعتقدون ذلك بشأن حماس و68 في المائة يقدرون أن هذا ما ستقوم به فتح.