هبوب الريح.. الجزء الأخير من ثلاثية البيرق للعمانية شريفة التوبي
الدستور
صدر حديثاً عن «الآن ناشرون وموزعون» بالأردن، الجزء الأخير من ثلاثية «البيرق» للروائية العمانية شريفة التوبي، بغلافٍ من تصميم الفنانة التشكيلية بدور الريامي.
تدور أحداث الرواية التي حملت عنوان «هبوب الريح» في جبال ظفار وحارة الوادي، وأماكن أخرى في دول مختلفة، حيث تتصاعد وتيرة الأحداث وفق مقتضيات السرد والحبكة، في عوالم متخيّلة صنعتها الكاتبة عن فترة «حرب ظفار» وحكاية «الرفاق» الذين آمنوا ببعض المبادئ والأفكار التي وجدوا فيها خلاصاً ومنقذاً لمجتمعهم مما كان يعيش فيه.
ووفقاً للتوبي؛ «شهدت تلك الفترة الزمنية ثورات عدة حول العالم، وتأثّر خلالها الكثير من الشباب الخليجي بالفكر الشيوعي أو الاشتراكي الذي تبناه عدد من أولئك الذين سافروا إلى الدول العربية والأجنبية؛ لما وجدوه فيه من مَخرج لمواجهة أزمات الفقر والجهل والمرض التي انتشرت في مجتمعاتهم».
تبدأ الأحداث مع الشخصية الرئيسية «حمود» الذي يُبتَعث من قِبل الإمامة إلى مصر للدراسة، ومن مصر التي فتنته كما لم يفتنه شيء آخر قبلَها في فنها وثقافتها وأفكارها و»ناصرها» الذي كان يقود حركة التغيير في الوطن العربي منادياً بالقومية والحريّة، وجد «حمود» نفسه يخلع العمامة البيضاء، ويرتدي قبعّة ماركس ولينين، ويغير طريقه الذي كان يسير فيه إلى طريق آخر بعد أن يلتقي مع «أحمد سهيل» الذي استطاع الاقتراب منه وفتح أبواب أخرى له للخروج من عالمه الضيق، فسلك «حمود» دروباً لم يتوقع يوماً أن يسير فيها.
تعاين الرواية التي جاءت في حوالي 600 صفحة، الدروب التي سلكها «حمود» في شبابه، ومصيره الذي آل إليه، وحال «نفافة»؛ عروسه التي انتظرته طويلاً في «حارة الوادي».
وترصد الرواية الأسباب التي دفعت «حمود» ورفاقه إلى الانضمام إلى «الفكر الجديد»، والتي كانت نابعة من إيمانهم بالقضية والحلم بالتغيير، فضلاً عن أن لكل واحد منهم أسبابه الخاصة به. كما أوجدت الكاتبة في هذا الجزء شخصيات جديدة؛ مثل: «أحمد سهيل»، و»عبد السلام»، و»أبو سعاد»، و»باسمة» المرأة المقاتلة مع الرجال وقائدة الفصيل، و»طفول» الثائرة في وجه العادات والتقاليد والأعراف والرافضة للاستغلال والتهميش.
كتب الناقد والكاتب السوري د.نزار فلوح على الغلاف الأخير للرواية: «من سِحر عُمان التي لا تبوح بأسرارها إلّا لعاشقٍ وفيّ أدْنَفَهُ الوجد وأضناهُ الحنين، تحمِلنا الروائيّة المبدعة شريفة التّوبي في رحلة فاتنة عبر دروب حارة الوادي وبيوتها، تحكي لنا آلامَها وآمالَها، وأحلامَ نسائها ورجالها. نسمع في جنَباتها أهازيجَ الأطفال، وعزيفَ أشباح الجنّ في ليالي أزقّتها المعتمة، قبل أن ينفتح المكان وتتشظّى مصائر الحالمين بين بلاد وأمكنة عديدة (البحرين والسعودية ودبي والكويت ومصر...) في بادرةِ انتقالٍ رمزيٍّ خجول، لم يكتمل، من مجتمعٍ قديم جامد إلى لحظةِ حداثة واعدة».
ويصف فلوح ثلاثية التوبي بقوله: «إنه عملٌ معماريٌّ ملحميُّ السِّمات، يقف وراءه الكثيرُ من الجهد والصبر والمكابدة والغوص الذكيّ في أعماق التاريخ وأسرار الزمان والمكان».
تمثل الثلاثية ملحمة تاريخية تحكي عن فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي التي سبقت النهضة العمانية الحديثة على يد السلطان الراحل قابوس بن سعيد، حيث عاش العمانيون ظروفاً صعبة بسبب الحرب الداخلية عام 1920 التي تسببت بعزلة فُرضت على المجتمع.
وتغطّي الكاتبة في هذه الثلاثية الأحداث المغيّبة التي لم يكتبها المؤرخون ولم يسلَّط عليها الضوء من قبل، وذلك بالتركيز على التاريخ الاجتماعي وما عاناه العماني البسيط -الذي كان وقودَ الحرب وأداتها وضحيتها- من جوعٍ وفقر وشتات، وهي مترابطة الأحداث وإن كان كل جزء منها يمثل رواية مستقلة، حيث تتصاعد الأحداث فيها وتتطور الشخصيات وفق تسلسل زمني مدروس: الجزء الأول (1950-1956)، الجزء الثاني (1956-1960)، الجزء الثالث (1960-1973). يُذكر أن التوبي أصدرت منذ عام 2014 عدداً من الأعمال الأدبية في القصة والرواية من بينها: «المقعد شاغر»، و»نثار»، و»سُعاد.. رسائل لم تصل»، و»انعكاس»، و»سجين الزرقة» التي فازت بجائزة الإبداع الثقافي لأفضل الإصدارات التي تمنحها الجمعية العمانية للكتاب والأدباء (2021).