عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Feb-2020

محطات اعتراف قبل الخاتمة مشوار كلية الطب رحلتي من الابتدائية للأستاذية
 
الراي - وها قد شارفت على الانتهاء من توثيق منعطفات وفصول رحلتي العلمية التي امتدت إثنين وأربعين عاما لأتوج فيها بحصولي على رتبة الأستاذية بكلية الطب، ففصولها غريبة، مليئة بالتحديات، غنية بالعبر والإثارة، طريقها صعبة غير معبدة وهي تحكي وتحاكي قصة طالب ريفي يتمتع بدرجة من الطموح، ويحلم بسقف من الحماية، فإمكانات العائلة المادية متواضعة، بينما تمتلك مخزونا هائلا من الصبر والأمل، لأن جميع بني البشر يخلق على هذه الأرض بالتساوي في فرص امتلاك الخلايا الدماغية، ومنهم من يجد فرصة سهلة وميسرة لتطورها ونموها بهدف استخدامها وبدرجات متفاوتة، بينما الظروف تحكم البعض ويستنزف الرصيد عبر سنوات العمر بحلته الخلقية. الذكاء بمفهومه المطلق لن يترجم لواقع بغير جهود حقيقية لترجمة شيفرته؛ جهود شخصية، عائلية، بيئية، مدرسية، على أن التداخل بين هذه الأمور سيوفر مساحة للتطور الإيجابي بالتفكير ويروي شجرة الطموح، وقد نمت شجرة تطوري الشخصي مقرونة بأدائي العلمي، حيث ذكرت بحلقات رحلتي التي وثقتها، الأحداث التي نقشت في الذاكرة، وبالرغم من قناعتي أن الانجاز والعطاء هو اجتهاد ومثابرة شخصية للأفراد، لكن هذه القاعدة ليست كفيلة بإنهاء السباق الزمني بالوقت المحدد، فالعوامل المساعدة مهمة جدا في جميع المراحل والتحديات، وأهمها الدعم المطلق من الأهل والوالدين بالتحديد، وهي الزاوية التي ينظر منها الجميع للوالدين بالذات، فقد تلقيت دعما معنويا ومتابعة، وتوفير الظروف المناسبة للدراسة والتحصيل للارتقاء بدرجات السلم العلمي، لم أشعر بأي من الأيام بضيق ذات اليد لوالد مكافح ووالدة معطاءة، وربما أعترف بهذا الشعور حتى يومنا الحاضر عندما أحتاج لدفء من برد الأيام، فأذهب اليها في الحصن لسماع كلمة ونصيحة ودعاء.
قبل تلبية والدي لنداء ربه ورحيله عن دنيانا بالرغم أنه يسكن بقلوبنا ونسير على هديه، وجدته في جلسة مكاشفة مشجعا على إكمال مسيرتي العلمية كما أحلم، وقد أبدى استعداده للتعويض المادي الذي أحتاج اليه في سبيل توفير الظروف المريحة التي تسمح بمواصلة المسيرة، فمؤامرة الحقد الفاشلة التي تزعمها شرذمة من الطائشين الفاشلين، قد عبدت طريق التحدي لإظهار الحقيقة بالرغم من عرض مقايضة لإنهاء مسيرتي الأكاديمية مقابل التحفظ على ملفات ملفقة، محشوة بشهادات الزور التي انتزعت بالتهديد، فعرض والدي مساعدتي بفتح عيادة في القطاع الخاص تعتمد على سمعتي ومهاراتي، وتريحني من عناء التفكير بالقضية وجلسات المحكمة، وعندما شرحت له أن قضيتي هي قضية كل إنسان طموح ومجتهد، يحاول أن يضع قدمة على شاطىء الاستقرار وسط غابة الحيتان، وإثبات براءتي تمهيدا لعودتي للعمل مرفوع الرأس، أصبحت هدفا يتيما، يحتل الأولوية ضمن رؤيتي المستقبلية، وتنهد قائلاً: يا إبني لا تقلق في الأردن من الحصول على حقوقك، فقضاؤنا سينصفك وستصبح أنموذجا للاحتذاء بمسيرته وسلوكه، وتحقق وعده قبل أن يغادرنا وهو في كامل صحته وقوته وإرادته.
لعائلتي الصغيرة دور مهم بنجاح المسيرة، والتي وفرت الظروف المناسبة لمفاصل الرحلة، فكانت الداعم الأساسي والمشجع المثابر، تقرأ لغة عيوني الصامتة وتتصرف بردود إيجابية، تحاول جاهدة توفير البيئة المثالية على أنغام سيمفونية حفيف الشجر، فإبني الصغير موسى يتصرف بمسؤولية، دائم الاستفسار عن حاجتي، يحاول جاهدا معرفة سبب تمسكي بالترقية لرتبة الأستاذية، وتبدأ المناقشات على المستوى العائلي عن الخيارات والاحتمالات، فشرحت لهم باستفاضة عن الظروف التي تحكم العمل والترقية، فأنا مطمئن بإمتلاك الشروط وخصوصا في الجانب البحثي، وكنت دائما متفائلاً ولكن ذلك ليس الخيار الوحيد للنتيجة، فهناك ظروف ومعايير جزئية لها كلمة تسمع أو تفرض على النتيجة، وفي المحاولتين الفاشلتين، وجدت التفهم العائلي والتشجيع محورا داعما وطاردا لرياح اليأس، فأنا تقبلت قرار عدم إجازة ترقيتي الأولى بصدر رحب، ولكن القرار في المرة الثانية قد أتسم برسالة مشفرة للتحجيم ومعرفة حدود التصرف لتكسير المجادف، وفي واقعه أعطى نتيجة معاكسة، فكان مصدر للطاقة والنشاط وإجراء المزيد من الأبحاث التي نشرت بمجلات محكمة من الفئة العالمية الأولى بجهود شخصية وذاتية، والتي أثمرت لولادتي المتجددة في الرابع عشر من شهر تشرين الأول الماضي عندما قرر مجلس العمداء الترقية المستحقة بعد ملاحظات إيجابية من الحضور، شكل استحقاقي للرتبة؛ فشخصيتي المخلصة، مهاراتي العملية، أخلاقي المثالية، وسمعتي الوطنية والعالمية، كانت العوامل المشتركة بين الحضور.
هناك فضل كبير للدعم المستمر بغير حدود والذي منحني إياه مجموعة من الزملاء في الكلية والمستشفى، فقد كنت محتاجا لجرعة من الذين سلكوا الدرب، فمجرد كلمات ومواقف منهم كانت كفيلة بالطمأنينة خصوصا بظروف اختلاط الأفكار والتوقعات،
وبالرغم من قوتي وثقتي بذاتي، لكن ذلك لم يمنحني مناعة من لحظات ضعف، يتضاعف تأثيرها السلبي بمرور الوقت انتظارا لقرار ونتيجة مهما كانت، وبذات الوقت هناك أسافين غير مباشرة من الذين يحصرون النجاح لذاتهم حتى لو كان بهمة الآخرين، ولكنني كنت أسلك طريق الإدارة للزميل العزيز الأستاذ الدكتور عماد العبداللات، فأجد بصراحته ودعمه جدار القوة والعزيمة، بابتسامة تعلو محياه، ومواقف تسطر العبرة للأعمال على أرض الواقع، نابعة من القلب، وربما تشابه الظروف بيننا منحني مساحة أكبر للاطمئنان حتى بالنتائج غير المرضية، وهو الموقف الذي يسجل للصديق والأخ العزيز الأستاذ الدكتور محمد الشريدة ليس بصفته الوظيفية كعميد للدراسات العليا ومدير للقبول والتسجيل، بل كصديق مخلص ارتقى بدنياي لمرتبة الأخ الغيور، فالفشل ليس عكس النجاح، بل جزء من النجاح وللحديث بقية.