عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Dec-2019

رواية كريسماس في مكة.. بين ضياع الهوية وتداخل الثقافات - آية عمارين

 

الجزيرة - في كل سنة نختار أماكن مميزة للترويح عن نفسياتنا، ولكل منّا وجهته التي تساعده على لملمت شتات قلبه. قد تكون أول محطة في حياتنا لحظة التغيير ولو بشكل بسيط، لأن بقاء الإنسان في ذات المكان وباستمرار يؤثر على حياته الروتينية، فالتجديد أول خطوة لرؤية الأمور من منظور مختلف، ماذا لو كان احتفالنا في كل سنة مختلفاً عن سابقه وأول محطة للتغيير مكة؟ تسلط الرواية الضوء علی عائلة عراقية، تشتت نتيجة الحرب، السياسة، التاريخ والجغرافيا يستقر بعض أفرادها في إحدى الدول الأوروبية. مؤلف الرواية الدكتور أحمد خير العمري الصادرة عن دار عصير الكتب للعام ٢٠١٩. صدرت الرواية بطبعتين الأولى كريسماس والثانية كريسماس في مكة خشية منعها في بعض الدول العربية.
 
تجمع الرواية بين عدة شخصيات وهي: ميادة شابة شيعية درست هندسة حاسوب متزوجة من عمر السني، تعرضت في حياتها لمواقف جعلتها تنظر للحياة من منظور مختلف متحديةً جميع العوائق، سافرت إلى السويد بعد مقتل زوجها ومعها ابنتها مريم ذات السبع سنوات. سعد شاب سني درس الهندسة المعمارية، شقيق عمر فشل زواجه بسبب عقمه، أدى إلى شعوره بعدم تقديره لذاته، ودخوله في أزمة نفسية، ليتنمر على من حوله وخصوصاً ميادة. حيدر طبيب يعيش في بريطانيا، يتناول العقاقير ويعاني من الاكتئاب، لأنه لم يكن باراً لوالده ومنع من حضور جنازته لأجراءت متعلقة بالسفر، له ابنة اسمها سارة على علاقة بشاب إفريقي، أنجنبت منه بطريقة غير شرعية ساهمت في توتر العلاقة بينهما، وهو يمثل شخصية بقايا الرجل الشرقي الغير متقبل للتحرر الغربي.
 
تناولت الرواية مواضيع اجتماعية ودينية ومنها الذكورية، تمثل ذلك في التسلط الذكوري، وأيضاً زواج الفتاة من قريبها، وركزت كثيراً على الحجاب، من خلال الحديث الذي دار بين مريم وصديقتها نزرين
أحمد شخصية حقيقية موجودة في الكثير منّا وهو ابن أخ المستعصم خليفة بغداد، سجنه لمدة طويلة لأنه يشكل خطراً على ملكه ورفيقه في رحلته إسحاق. مريم شخصية مزدوجة تعيش بين ثقافتين مختلفتين لأم شيعية وأب سني، تدرس هندسة معمارية في جامعة شيفيلد متحررة، نباتية، سوشلجية، تتغذى على أفكار وتصورات العالم الإفتراضي. تتفرق العائلة الواحدة بين من يسكن داخل وخارج بغداد، تصّر ميادة على عمر بالسفر خارج العراق، رافضاً طلبها للإعتناء بوالديه، يُقتل بعد فترة لتسافر ميادة مع مريم إلى السويد، وكخطوة استباقية تقطع جميع الإتصالات بعائلة زوجها، ثم تعود بعد سنوات من القطيعة لتتخذ قرار آخر نحو أقرباء زوجها وهو ما سنتحدث عنه لاحقاً.
 
لماذا كريسماس في مكة؟ يتساءل القارئ أو ربما يغضب لمجرد سماعه بالعنوان، خاصة أنه مرتبط بأحد الأماكن المقدسة، بعد قراءته للمضمون تهدأ ثورته، فالكاتب أراد أنّ يستفز القارئ ليطرح على نفسة ذات السؤال لعنوان بفكرتين مزدوجتين ومتباعدتين، تتيح له التحليل بوجهة نظر مغايرة عن الآخرين. من وجهة نظري أراد الكاتب بهذا العنوان إيصال رسالة التعايش بين الأديان، تجلى ذلك في السياق من أداء مناسك العمرة إلى الإحتفال بالكريسماس في أحدى فنادق الحرم، وهذا يعود أيضاً لاختلاف الثقافات بين الشخصيات ذات البلد الواحد، التي نَهلت من الغرب ثقافتهم وجمعت بينها وبين الشرق.
 
تناولت الرواية مواضيع اجتماعية ودينية ومنها الذكورية، تمثل ذلك في التسلط الذكوري، وأيضاً زواج الفتاة من قريبها، وركزت كثيراً على الحجاب، من خلال الحديث الذي دار بين مريم وصديقتها نزرين، حيث اعتبرته الأخيرة علامة تمييز للأنثی وتخللها أسئلة تضمنت وضع مريم الحجاب بعد العمرة، والردود المتبادلة بينهما، والتحدي الأقوى ما دار بين مريم وأستاذ الجامعة، ظهر عندما أهان تصميمها وربطه بتقييد المرأة الشرقية، لكنها كانت أذكی منه لتعطيه نظرة مغايرة عن التي في عقله، بتقديمها تصميم آخر يظهر البصمة الإسلامية، وارتدائها الحجاب على الرغم من عدم وضعه من قبل.
 
مثلت الطائفية في بغداد جرحاً لا يندمل ظهر ذلك في أحداث الرواية، بتعدد أشكال القتل على خلفية طائفية، اغتالت أرواحاً لا ذنب لها كميثم شقيق ميادة وعمر شقيق سعد وغيرهم من الضحايا، بوسائل يندى لها الجبين. خفف الكاتب من بشاعتها بين شخصيتين حيدر الشيعي وسعد السني، تبين ذلك في عدة مواقف لا تخلو من الطرافة، منها الدقائق الأخيرة لإفطار السنة والشيعة في رمضان وغيرها من المواقف، إلا أنهم اتفقوا على شي واحد يعرفه كل عراقي حر، أراد الكاتب بذلك التخفيف من التوتر في العلاقة بين الإثنين ونبذ الطائفية. فالطائفية والعنصرية لا تنفصلان عن بعضهما البعض، الطائفية تكون على أساس المذهب أما العنصرية على أساس العرق. كما حدث مع ميثم وعمر ولوك الأفريقي المنبوذ من قبل حيدر لأنه أسود البشرة، كان هذا سبباً كافياً في عدم رغبته ارتباط ابنته به.
 
تحدثت الرواية عن سقوط بغداد على يد التتار وتكرار الأخطاء التاريخية، كموقف أحمد عندما خرج من السجن الذي أودعه فيه ابن عمه المستعصم، وتُرافق شخصية أحمد الحقيقية شخصية إسحاق الخيالية بتقصيه الأحوال التي آلت إليها بغداد بعد ارتكاب التتار المجازر، طالباً الأمان من البطريرك مكنّي الثاني فيبايعه أهل مصر على الخلافة لاستعادة بغداد دون خطة واضحة المعالم، فيؤول مصيره إلى غير رجعة. التشابه بين شخصية أحمد المستنصر بالله وأحمد عبد الرحمن وسعد، فأحمد المستنصر بالله شخصية تاريخية، وأحمد عبد الرحمن شخصية خيالية، لكنها موجودة داخل كل إنّسان فقصة أحمد خلدها التاريخ، أما شخصية عبد الرحمن فهو أيضاً يبكي على ملكه الضائع ملكه الذي بدأه في الأكاديمية العسكرية وشهاداته الجامعية، انتهى بإحالته للتقاعد.
 
لا تكاد تخلو الرواية من حس الفُكاهة في بعض أحداثها، وما رافقها أيضاً من أمثال ومصطلحات شعبية عراقية، تدلل على تمسك العراقيين بهويتهم وقدامة أمثالهم، وأيضاً تخللها استخدام مصطلحات أجنبية مزجت بين ما شرقي وغربي
فَقَد مجده العسكري والأكاديمي ثم فلذة كبده عمر وذلك عندما بحث عن عينيّه اللتين اقتلعتا أثناء الحرب الطائفية. بعد فترة يصاب بالزهايمر، ليساعده ذلك على تذكر الماضي متتغنياً برثاء بغداد ومتقمصاً دور شاعر بغداد شمس الدين الكوفي، واهماً أنّه يستعيد ماضيه ومجده السابق، وهو ماضٍ زائل كزوال خلافة العباسيين. تشابهت الأسماء والمصائر، لكن الفرق واحد المستنصر خلده التاريخ وأحمد خانته ذكرياته وتاريخه. أما سعد فهو تمنى أن تعود له زوجته، ذكره عقمه بأنه بلا سند أو حتی وريث يحمل اسمه بعد موته، جميعهم يبحثون عن هويتهم الضائعة. من المآخذ أنّ شخصية أحمد أثرت على البناء الدرامي في الرواية، وعندما يُقرأ هذا الفصل يشعر القارئ بالقطع لأن الكاتب قفز من حدث إلى حدث آخر فاقداً صلته جزئياً بالأحداث الرئيسية.
 
مثلت إجازة الكريسماس في مكة للشخصيات فرصة لاعادة ترتيب بيتهم النفسي الداخلي، هذا ما فكر به حيدر، أما ميادة فستكون هذه الإجازة فرصة للم الشمل ورؤية الأشياء من منظور مختلف، على العكس من مريم التي انتهزت هذه الفرصة لإنجاز مشروع تخرجها، وهو عبارة عن تصور بديل للحرم المكي، إلا أنّ تلك الرحلة ستؤثر عليها لاحقاً بشكل إيجابي وروحاني ولخصت حياتها المتأرجحة بين عالمين. أضاف اختلاف الثقافات والأعراق أثناء تواجدها في السويد تلميحات عديدة كموقف استاذ الجامعة وما تعرضت له هويتها الشرقية من إهانة، أما في مكة الكل واحد على اختلاف أعراقهم وألوانهم.
 
التحول الأكبر كسر مريم لمبدأ من مبادئها لأنها نباتية، لكن الإحتفال بالكريسماس جعلها تضحي بنباتيتها وتضع ديكا ًرومياً على المائدة، لتغيير النظرة العاطفية بين تضحية المسلمين والمسيحيين أثناء أداء شعائرهم. لقد كانت رحلتها إستثنائية لأنها جعلتها تغير نظرتها عن الشرق وتشعر بالسلام الداخلي. حيدر الذي يعاني من الإكتئاب والمدمن على العقاقير، لم ينساق وراء أهوائه خلال رحلة العمرة، واعتبرها بذرة للتصالح مع ابنته سارة، وعودة الود بينه وبين سعد الذي اعتبر عقمه مجرد عقاب على عجرفته، وقاده كل ذلك إلی الرضا بما كتبه الله له. كما شكل السعي بين الصفا والمروة لسعد وميادة، عودة لذكريات الماضي وكأن شريط حياة الشخصيات ينتقل من وجع إلى آخر ومن معاناة إلى معاناة.
 
لا تكاد تخلو الرواية من حس الفُكاهة في بعض أحداثها، وما رافقها أيضاً من أمثال ومصطلحات شعبية عراقية، تدلل على تمسك العراقيين بهويتهم وقدامة أمثالهم، وأيضاً تخللها استخدام مصطلحات أجنبية مزجت بين ما شرقي وغربي. تطرح الرواية فكرة التعايش بين الأديان والمذاهب، بعيداً عن التعصب، ظهر من خلال وضع مريم ظل شجرة الكريسماس قريباً من مشهد القبلة. كريسماس في مكة هي رواية تجمع بين الروحانية والحداثة وضياع الهوية، وتطرح مواضيع تتصل بالمجتمع من دين وسياسة وتاريخ وحروب دون التأثير على البناء الدرامي باستثناء شخصية أحمد. كما أنها تطرح تساؤلات عن هندسة الحرم المكي، وتحللها بإسلوب روحاني ومعماري، مع ربط كل زاوية وحركة ببعضها البعض ليضيف كل ركن من أركانها تركيباً معمارياً للعلاقة بين البشر وشعارئهم.