منى أبوحمور
عمان-الغد- لم يكن لدى آية (10 أعوام) أي ميول للقراءة منذ أن كانت في رياض الأطفال، كانت تميل للاستماع أكثر، لتبدأ معاناتها وفق والدتها في الصف الأول الأساسي، حينما كانت تبدي مقاومة ورفضا للقراءة بعصبية وصراخ ما جعل تدريسها محبطا جدا عندما يتعلق باللغة العربية.
دخول آية الصف الثالث كشف النقاب عن معاناتها من مشكلة في اللغة العربية، تمثلت وفق تشخيص معلمتها بعسر القراءة والحساسية الضوئية، ما دفع والدتها لإجراء الفحوصات اللازمة التي بينت لاحقا، تأخر مستواها الدراسي عن أقرانها في التهجئة والكتابة وهنا بدأت المشكلة.
تقول “كانت المراكز تعطينا حلولا ليست منطقية ولا علمية، تكلفة الجلسة 20 دقيقة بـ25 دينارا”، لجأت والدة آية للدروس الخصوصيىة لتجاوز المشكلة في الصف الرابع في اللغتين العربية والإنجليزية.
التحدي الذي تواجهه أسرة آية وعشرات الأسر غيرها تضاعف بعد اعتماد التعليم عن بعد بسبب جائحة كورونا، وفاقم المشكلة لدى آية وفق والدتها فلم تكن تقبل القراءة خوفا من الفشل.
الخوف يتزايد لدى العديد من أولياء الأمور مع بداية العام الدراسي ومن السيناريوهات المتعددة التي تجعل مصير هذه الفئة من الطلبة معلقا، والخوف من تراجع آية مراحل كبيرة في القراءة وغياب دور الوزارة في إيجاد حلول لهؤلاء الطلبة، فهل ستأخذ المدرسة بعين الاعتبار الأضرار التعليمية والنفسية لهؤلاء الطلبة التي ستدفع بذويهم لدفع مبالغ إضافية خلال الفترات القادمة لمعالجة الضرر الذي ألحقة التعلم عن بعد.
وما يزيد الاضرار الاقتصادية التي ألحقتها كورونا بالدخل المالي لمعظم الأسر الأردنية؛ حرمان تلك الفئة من الطلاب من إمكانية دفع كلف اضافية على جلسات التحليل السمعي والقراءة، فلم يعد للعائلات القدرة على تجاوز هذه المحنة.
ينبغي على وزارة التربية والتعليم النظر بشكل مختلف اتجاه هذه الفئة من الطلبة، يقول خالد الحديدي والد أمجد الطالب في الصف الثالث، فالمعاناة لم تكن لدى آية فقط، بل هناك عشرات الطلبة ألحق التعلم عن بعد ضررا كبيرا بهم وأرجعهم مراحل للوراء بعد أن أحرزوا تقدما في تجاوز العسر القرائي.
يعاني أمجد من صعوبة القراءة أو ما يسمى العسر القرائي، الأمر الذي أربك أسرته التي لم تدخر جهدا في مساعدته لتجاوز هذه المرحلة، فهو بحاجة إلى قارئ وكاتب في اللغتين الإنجليزية والعربية، فضلا عن اضطراره لتسجيله في مدرسة خاصة لغياب برامج واضحة ومفعلة في المدارس الحكومية تستهدف هذه الفئة من الطلبة.
“التعلم عن بعد وإرسال الواجبات عبر واتس أب ألحق ضررا كبيرا بأمجد وما بناه الفصل الأول تلاشى أمام أعيننا”، لافتا إلى أنه وبالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها ووالدة أمجد إلا أن الأمر ليس سهلا ويحتاج إلى متخصصين، الأمر الذي يتطلب أن تكون هناك برامج واضحة وحقيقية على أرض الواقع للوقوف إلى جنب هذه الفئة من الطلبة.
التربوي الدكتور عايش نوايسة يبين أن الدسلكسيا أو العسر القرائي هو اضطراب نمائي يظهر لدى الأطفال الذين يتصفون بالفشل في اكتساب مهارات اللغة (القراءة، والكتاب والتهجي) رغم أن لديهم خبرات دراسية عادية، ويتصفون بذكاء عادي (يتراوح بين 95-110) لا يتناسب هذا الاضطراب مع مستوي قدراتهم الذهنية والفكرية.
وتظهر الصعوبات اللغوية( Language difficulties) بصورة واضحة وخاصة المرتبطة منها بالقراءة الجهرية بالمراحل التعليمية على اختلافها وفق النوايسة وفي المرحلة الأساسية على وجه الخصوص؛ كونها تمثل نقطة انطلاق المتعلم في اكتساب مهارات اللغة الأساسية، التي تعد القراءة أكثرها أهمية فهي بوابة اكتسابها للمعارف والعلوم المختلفة.
ومن أهم مظاهر هذه الصعوبات ما يتمثل في حذف بعض الكلمات في الجملة المقروءة أو حذف جزء من الكلمة المقروءة، وإضافة بعض الكلمات إلى الجملة المقروءة أو إضافة المقاطع أو الاحرف إلى الكلمة المقروءة، وإبدال بعض الكلمات المقروءة في الجملة، وإعادة قراءة بعض الكلمات أكثر من مرة، وقلب وتبديل الاحرف وقراءة الكلمة بطريقة عكسية، وصعوبة في التمييز بين الاحرف المتشابهة، وصعوبة في تتبع مكان الوصول في القراءة، والسرعة الكبيرة أو البطء المبالغ فيه في القراءة.
وتتطلب القراءة الجهرية بحسب النوايسة تعرفا بصريا للرموز المكتوبة، وإدراكا عقليا لمدلولاتها، إضافة إلى التعبير الشفوي عن هذه المدلولات والمعاني، بنطق الكلمات والجهر بها، كما تعد وسيلة لإتقان النطق، وإجادة الأداء، وتمثيل المعنى، وخصوصا في الصفوف الأولى، كما تعد وسيلة للكشف عن أخطاء التلاميذ في النطق فيتسنى للمعلم علاجها.
ويعاني العديد من الطلبة في المدرسة الابتدائية قصورا واضحا في مهارات القراءة، حسب النوايسة، مؤدية في النهاية الى الإخفاق الأكاديمى ليس في القراءة فحسب، وإنما يمتد ذلك الى انخفاض التحصيل الدراسى في اللغة العربية بفروعها المختلفة، ومن ثم بقية المواد الدراسية الأخرى، فالفشل والإخفاق في القراءة يمتدان للعديد من مجالات الدراسة التى تعتمد بصورة أساسية على إتقان الطفل لمهارات القراءة.
ويلفت النوايسة إلى العديد من الطرق التي أوجدها الخبراء للتعامل مع هذه المشكلة عند الطفل منها طريقة فيرنالد والتي بموجبها يستعين أسلوب فيرنالد بحواس متعددة القراءة والكتابة.
وقد شاع أن يعرف هذا الأسلوب بالمختصرات VAKT إشارة إلى أربع حواس يستعين بها الأسلوب هي حواس البصر والسمع والحركة واللمس، وطريقة جلنغهام – سلمان والتي يمكن تصنيفها كأسلوب منهجي في تعليم القراءة وفق الطرق التي تأخذ بتعددية الحواس، وقد غلب عليه أن يعرف بالمختصرات VAKT ويمكن النظر إلى هذا الأسلوب كأسلوب يستخدم الطريقة الصوتية في تعرف الكلمات في البداية ثم يستخدم الطريقة الكلية كوسيلة لدعم قيمة تعرف المعنى في القراءة وكوسيلة لتعلم نعرف الكلمة كذلك.
طريقة مونرو وهذه الطريقة اعتمدت بشكل أساسي على التركيز الصوتي والتدريب المتأتي المتكرر والمتنوع، وهذه الطريقة من أشهر الطرق التي استخدمت كأسلوب علاجي في تعليم الطلاب الذين يعانون من صعوبات قرائية لأن بعض الطلاب من يخطئ في نطق الحروف المتحركة والساكنة، وهناك من يعاني من صعوبة في الربط بين المكتوب والصوت المنطوق للحرف، ومنهم من يعاني من صعوبة في تتابع أصوات الحروف واتجاه الرمز المكتوب لها من اليمين إلى اليسار، وطريقة طريقة جلنغهام وهي طريقة تعتمد على استخدام أكثر من حاسة أثناء التعلم وقد تم التطرق إليها مسبقا.
ويؤكد النوايسة على دور المعلمين المختصين في صعوبات التعلم العديد من الطرق والإستراتيجيات التي يحتاج نجاح تنفيذها إلى تعاون المدرسة والأسرة.
التربوية والشريك المؤسس ومدير تطوير المحتوى في شركة الهدهد للمحتوى الإبداعي للأطفال شيماء البشتاوي، توضح بدورها أن التعليم عن بعد قد أثر بشكل واضح وملحوظ على الطلبة الذين يواجهون صعوبة في القراءة وذلك لعدة أسباب منها عدم جاهزية المنظومة التعليمية للتعلم عن بعد نقص أجهزة التعلم ومع نقص خبرات الوالدين في التعامل مع الظرف المستجد ومع حلول الوزارة التعليمية الطارئة التي اتخذت أسلوب المشاهدة عن بعد للتعلم الذي ينبغي أن يكون تواصليا وفعالًا.
وتتوقف البشتاوي عند مجموعة من التساؤلات حول إن كانت هناك حلول وأدوات تقنية تساعد الطلبة الذين يعانون من عسر في القراءة، وهل كان للمعلم الذي أدار مشهدًا صفيًا عن بعد يد في المتابعة الفردية للطلبة الذين يحتاجون متابعة وقراءة وتصويبًا للنطق وتمرينًا على التهجئة.
وفيما يتعلق بدور أولياء الامور، ينبغي مساعدة أبنائهم على تجاوز صعوبات القراءة
عبر توفير الكتب الورقية والرقمية إلى خلق جو من المرح في مطالعتها وقراءتها كمهمة يومية لا تقل عن 10 دقائق يوميًا إلى الانخراط معًا في جملة من ألعاب التفكير اللغوي المرتبطة بالحروف والكلمات والأرقام إلى الاشتراك في منصات القراءة واللغة العربية المتوافرة.
لقد كان للهدهد دور كبير في هذه الجائحة عبر إتاحة منصتها (الهدهد في منزلي) بشكل مجاني لـ 110.000 طالب في المدارس لمساعدتهم في مهارات القراءة ورفع مستوى الأداء الأكاديمي لمساق اللغة العربية.
وتضمنت الدراسة الإستطلاعية قياس أثر المنصة التي شملت أكثر من 3000 ولي أمر من مختلف مناطق المملكة وساعدت بنسبة 94 % على قراءة نص الدرس وساعدت بنسبة 90 % على قراءة وفهم نص إضافي جديدة كما أن نسبة 96 % من الطلبة قد أحبوا التعلم من خلال منصة الهدهد.