الغد
زرت مؤخرًا الأعجوبة الخالدة مدينة البترا الوردية بعد غياب عنها ناهز 30 عاما، فيما كانت زيارتي لوادي رم هي الأولى، لا شك أن الدهشة توفرت والإعجاب حضر ولكن كان لا بد من تسجيل ملاحظات سجلتها كمواطن أردني يحمل همّ هذا الوطن، وينظر إلى هذه الكنوز بعيون الغيرة قبل الإعجاب، ومحاولات الرقي والاكتمال قبل الثناء، فلذا كان لا بد أن الكتابة والإشارة إلى بعض الملاحظات لعل الأمر يجد آذانا صاغية قبل الاتهام بمحاولات التشويش وخلافه من تهمٍ لكي تجبرنا على مواصلة الصمت، فالصمت تواطؤ غير مقبول.
بداية علينا الاعتراف والتأشير أن الأردن يملك من المقومات السياحية ما يجعله على خريطة العالم كوجهة فريدة، لا سيما في وادي رم والبترا، وهما موقعان استثنائيان بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لكن السؤال الذي لا بد أن يُطرح بصدق وجرأة: هل مستوى الإدارة والخدمات في هذه المواقع يعكس فعلاً هذه القيمة الاستثنائية؟
في وادي رم فعلا أحسست بقرب حقيقي من الطبيعة والبساطة البدوية، وكان التفاعل مع السكان المحليين دافئًا وأصيلًا، لكن من ناحية البنية التحتية، هناك فجوة واضحة في التنظيم. بعض المخيمات، خاصة تلك الأقل شهرة، تعاني ضعفا في الخدمات الأساسية، والطرق المؤدية إليها تفتقر إلى الصيانة اللازمة ورغم أن غالبية من يأتون للعيش تجربة (العودة إلى الطبيعة)، إلا أن الحد الأدنى من الراحة ضروري، للحق فإن في وادي رم، كل شيء ينطق بالعظمة، أفق مفتوح، سكون بديع، تاريخ يختبئ خلف كل صخرة. لكن مع هذا الجمال الخالص، تُفاجأ بأن أبسط متطلبات الزائر غير متوفرة.
أما البترا، فهي أعجوبة إنسانية لا شك في ذلك، صنعها الإنسان وسكنت آلاف السنين في هذا المكان المهيب، وحتى تصل البتراء يأسرك المكان والإنسان، ولظروف المنطقة السياسية فقد عاينت خلو الفنادق من السياح أو تكاد، وشكاوى الناس التي لا تنتهي مما يجري، لكن الأدهى هو ملاحظة بعض القضايا التي أعتقد أنها تحتاج لمعالجة بالسرعة الممكنة، فقد لاحظت غياب المياه تمامًا داخل السيق المؤدي إلى الحزنة، هذا الممر الطويل الذي يمتد لأكثر من كيلومترين، والذي يسلكه الزائر تحت شمس قاسية في معظم أيام السنة، تغيب عنه المياه ولا تتوفر، لا برادات مياه، لا صنابير للشرب، لا محطات صغيرة في ظل حرارة قد تتجاوز الأربعين، ما الرسالة التي نبعثها للزائر وخاصة ذاك الذي يدفع كما أعتقد 50 دينارا رسم دخول، ألا نستطيع توفير مياه لا يتعدى ثمنها دينارا، لماذا نجعل السائح يسير هذه المسافة دون نقطة ارتواء واحدة؟، لا لوحات إرشادية كافية، لا مظلات، لا مقاعد للاستراحة، ولا حتى طاقم واضح يمكن الرجوع إليه عند الحاجة، وكذلك لاحظت ارتفاع أسعار ما يمكن تسميته سيارات النقل التي خصصت للنقل من أمام الخزنة إلى أول السيق، وهو أمر يتوجب ملاحظته والإسراع في حله، فنحن زرنا مناطق سياحية في الجوار كطابا وشرم الشيخ، والحق فإن الأسعار عندنا مرتفعة أضعاف ما هي عندهم.
أيها السادة ليس مطلوبا من الزائر أو السائح الذي يرغب بزيارة البترا أن يأتي محملاً بالماء والمظلات والخريطة وغيرها؟ فهذا الأمر يتوجب الانتباه إليه من قبل وزارة السياحة وسلطة إقليم البترا وغيرهما من الأطراف المعنية وتوفير خدمات لوجستية ضرورية.
حتى لا يعتقد البعض أنني لم أشاهد إلا السلبيات فإنه يتوجب الإشادة بالتطور الذي شاهدته سواء في المتحف وبعض الخدمات ولكنني كإعلامي وصحفي وجب علي الإشارة لتلك الأمور حتى يتم معالجتها وعدم الارتكان لما تحقق، نحن نريد الارتقاء بالمنطقة ونريد أيضا أن يشعر السائح، وقد صادفت سياحا عربا من سورية ولبنان وفلسطين المحتلة فأولئك علينا تقديم أفضل ما لدينا لهم حتى يعودوا لاحقا وحتى يخبروا إيجابا ما رأوا وشاهدوا.