الغد
أفضل ما كان في قمة الملك عبدالله الثاني والرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنها بين زعيم يحمل موقفا موحدا للعرب والعالم ضد مشروع لا يدافع عنه سوى شخصين في العالم؛ ترامب ونتنياهو. والقمة جرت في مناخات مغايرة تماما لما كان سائدا إبان صفقة القرن في عهد ترامب الأول، حيث الانقسام والتباين في المواقف العربية والدولية حيالها.
هذه المرة كان الملك مسلحا بموقف عربي موحد، وموقف دولي رافض بقوة لطرح ترامب بلغ حد السخرية منه. أردنيا كان جلالة الملك وفيا لموقف شعبه المجمع على رفض منطق التهجير والاستيطان الأميركي لقطاع غزة والضم الإسرائيلي للضفة الغربية.
في العرض العلني لوسائل الاعلام- غير المتفق عليه مسبقا- قبل بدء الاجتماع الموسع في البيت الأبيض، حرص الملك على تقديم العناوين العريضة للموقف الأردني والعربي، وملخصها أن هناك خطة عربية لإعمار غزة دون تهجير سكانها سيقدمها العرب للإدارة الأميركية، وهى خطة مصرية في الجوهر. والأمر الثاني المهم أن مصلحة الأردن وشعبه هي فوق كل اعتبار بالنسبة للملك. والنقطة الثالثة أن الأردن سيواصل دوره الإنساني والعروبي في مساعدة الأشقاء في غزة، حيث سيتم استقبال نحو ألفي طفل من أبناء غزة لتقديم العلاج لهم في الأردن وفي دول غربية أبدت استعدادها للمشاركة في هذا الجهد، هذا إلى جانب جسر المساعدات الذي لا يتوقف.
بعض العبارات التي أدلى بها الملك في الحديث مع الصحفيين تم ترجمتها بطريقة خاطئة في البداية بسبب تسابق وسائل الاعلام على نقل الاخبار، ثم جرى لاحقا تصويبها. وفي خطوة موفقة وفي التوقيت الصحيح قدم الملك موقف الأردن الواضح والصريح والجريء في سلسلة من التغريدات على موقع "إكس" فور انتهاء الاجتماع مع ترامب وفريقه، وضعت النقاط على حروف الموقف الأردني. تبعتها مقابلة صحفية لوزير الخارجية أيمن الصفدي مع قناة المملكة ومع قنوات أخرى شرح فيها بالتفصيل ثوابت الموقف الأردني وما تم مناقشته في الاجتماع الموسع. وأود هنا أن أشير إلى أن إدارة الفريق السياسي والاعلامي في الديوان الملكي لحدث بهذا الحجم كانت مثالية حقا.
لم يتناول الملك في حديثه مع الصحفيين ملف المساعدات الأميركية للأردن. ترامب هو من علق على الأمر ردا على سؤال صحفي.
الملك قاد أول اشتباك سياسي ودبلوماسي عربي مع إدارة ترامب وليس في ذهنه سوى مواجهة خطة التهجير الخطيرة وتحطيم سرديتها بالمنطق والحجة وليس مساومة واشنطن على المساعدات، كما توهم البعض.
الأهم في القمة الأردنية الأميركية، ليس ما حصل أمام وسائل الاعلام من استعراض اعتدنا عليه يوميا من ترامب، بل المناقشات في الاجتماع الموسع والمغلق.
استطيع القول إن الملك مع فريقه السياسي تمكنا من تقديم رواية متماسكة تبين مخاطر خطة التهجير على المنطقة والشعب الفلسطيني، وعدم عقلانيتها واستحالة تطبيقها، بالأدلة والبراهين المستندة للواقع. وأمام هذا العرض المتماسك بدا للجانب الآخر أن خطة التهجير فكرة خيالية غير قابلة للتطبيق.
القمة تؤسس لتحرك عربي منسق وتمهد الأرضية لتقديم الخطة العربية لإعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، والمتوقع تبنيها في القمة العربية، وفي اجتماع عربي مصغر يسبق القمة سيعقد في الرياض. وهي خطة مدعومة أوروبيا ومن أطراف أخرى.
اعتقد أن القمة الأردنية الأميركية هي بداية موفقة لتحرك عربي ودولي يحفر قبر خطة التهجير الترامبية. المهم أن يمسك العرب زمام المبادرة ويمضوا في تطبيق مشروعهم، حتى لا يقال إن لا خطة على الطاولة غير خطة ترامب.