"الموروث الشعبي الكركي".. الحدادين توثق مفردات الغناء والمهاهاة
الغد-عزيزة علي
تقول الباحثة المهندسة ميساء فرح الحدادين في كتابها "من جميل الموروث الشعبي الكركي- فلكلور كركي": "إن الموروث الشعبي يشكل إحدى ركائز الهوية الوطنية، حيث يعكس رؤية الشعوب لأصولها وأحداث تاريخها".
صدر الكتاب مؤخرا، عن وزارة الثقافة ضمن برامج مدن الثقافة الأردنية، وسلسلة "فكر ومعرفة".
يتناول الكتاب "البكائيات والموروث الشعبي، البكائيات بهوية كركية"، ومنها: بكائية (لا دنا القلم ولا أبيض القرطاسي)، بكاء شهداء الوطن، بكائية (شهداء قلعة الكرك)، بكائيات في رثاء أمي (سيدة في ذاكرة الكرك)، بكائية (يما ويا محلى قولة يمه)، بكائية (شديت انا قاف على قافي)، الأغنية الشعبية الخفيفة (المهاهاة)، الغناء الشعبي الأردني (المهاهاة) بهوية كركية، المهاهاة في الأفراح والأعراس، المهاهاة في المناسبات المختلفة، المهاهاة في المولود الجديد، قصيدة نثرية للحفيد (حب عقب شيب الخمسيني)، الأغنية الشعبية الكركية، أغنية (عشب الربيع)، أغنية (يا هبوب الشمال واستدر للجنوب)، أغنية (يا بنت يا شهية المرقاب)، أغنية (سليما لا يا سليما)".
وتذكر المؤلفة في مقدمة كتابها أن "الموروث أو التراث الشعبي مصطلح يعبر عن المفهوم الأجنبي "الفلكلور"، ويتضمن الجانبين المادي والمعنوي، حيث يمثل التاريخ الشفوي المتناقل بين الشعوب، ويتعلق بالعادات والتقاليد، والصناعات والحرف التقليدية، والفنون التشكيلية". موضحة، أن الموروث الشعبي يُعد "موروثا ثقافيا" ذا طابع مميز وفريد، حرصت الأجيال المتعاقبة على نقله والمحافظة عليه عبر العصور.
تقول الحدادين: "يعد الحفاظ على التراث الشعبي حفاظا على الهوية الحضارية التي تميز أي مجتمع عن غيره. ولا شك أن التراث يمثل الذاكرة الحية للفرد والمجتمع، ويترابط مفهوم التراث الشعبي لدى معظم المفكرين مع الثقافة الشعبية، التي تعتبره الأساس الراسخ لأي مجتمع، كونها المرآة التي تعكس سلوكياته وأسلوب حياته. فلكل أمة تراثها الخاص، الذي يؤرخ لماضيها، وتفخر به وتعتز، ويميزها عن غيرها من الأمم. ويعتبر هذا التراث إرثا ثمينا خلفه الأجداد ليحفظ كيان الأمة ووجودها واستمرارها. وتمسك الأمة به يعني تمسكها بهويتها الوطنية، كونه شاهدا على تاريخها.
وترى المؤلفة أن الأردن يعتبر بلدا غنيا بتراثه الثقافي، بشقيه المادي وغير المادي. فلكل منطقة جغرافية في الأردن خصوصيتها التراثية التي تميزها عن باقي المناطق، ولكل مجتمع من المجتمعات المحلية موروثه الشعبي الذي يعكس طبيعة ذلك المجتمع وأسلوب حياته، مما يجعله مميزا عن غيره من المجتمعات".
تقول الحدادين: "إن محافظة الكرك، كمجتمع محلي، تتمتع بهويتها الخاصة في العادات والتقاليد والموروثات المختلفة، إضافة إلى اللغة والطبيعة وغيرها من مكونات التراث غير المادي. وقد زخرت المحافظة عبر العصور بالموروث الشعبي الذي يحمل مكانة ودلالة تاريخية بارزة، إذ يعكس شموخ أصالته وجذوره العميقة القائمة على بناء راسخ من العادات والتقاليد والقيم الإنسانية. وظل هذا التراث حيا بين الناس، ليشكل جزءا مهما من حياتهم الثقافية والاجتماعية".
وتضيف المؤلفة أنه إذا اتفقنا جميعا على تعريف التراث كونه حضورا للماضي، بما يحمله من عبق وألق وذكريات جميلة تمس شغاف القلب وتعكس الأصالة، ونظرنا بتعمق إلى مكونات تراثنا الشعبي الجميل من أشعار وقصص، عادات وتقاليد، حرف تقليدية، وفلكلور، مأكولات وأزياء وألعاب شعبية، فإننا حتما نتطلع جميعا بشغف إلى الاستمرار في إحياء هذا التراث الشعبي والحفاظ على ذلك الماضي الجميل. كيف لا، ولكل منا ذكريات رافقت طفولته في أزقة وحارات مدننا وقرانا، التي كانت تتسم بالأصالة والعراقة، رغم بساطتها.
وخلصت الحدادين إلى أن وزارة الثقافة أخذت مشكورة، على عاتقها رعاية وصون التراث الثقافي غير المادي من خلال مديرية التراث. وتتمثل هذه الرعاية في إعادة حفظ هذا التراث وأرشفته ونقله للأجيال القادمة. وتشير المؤلفة إلى أنه لطالما راودتها فكرة الحفظ والتوثيق امتثالًا لرغبة والدتها، رحمها الله، ومعلمتها وعرابتها، الداية أسمى حدادين "جدة العيال"، التي كانت تحثها دائما على كتابة وحفظ وتوثيق المادة الشعبية الشفوية التي كانت ترددها وتجيد ارتجالها. وتعترف المؤلفة، بأسف وندم، بأنها تأخرت كثيرا في تنفيذ رغبة والدتها، لكنها تواسي نفسها دائما بالقول: "أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل أبدا".
من ضمن ما ورد في الكتاب، "الغناء الشعبي الأردني (المهاهاة)- بهوية كركية"، جاء فيه: "لقد كان الحس والانتماء الوطني هو الهاجس الذي دفع الكثيرين من أبناء الكرك المخلصين إلى الاستلهام دائما من التراث والفلكلور الأردني، من خلال إعادة ارتجال الغناء التراثي الشعبي كما أسلفت سابقا. ومن ذلك الغناء التراثي الشعبي الخفيف (المهاهاة)، الذي ارتجلته النساء بلغتهن العامية البسيطة الخالية من التكلف، إلى جانب غيره من ألوان الغناء الشعبي الذي يجسد تاريخ الكرك كجزء لا يتجزأ من تاريخ الأردن بهوية كركية مميزة. إنه تعبير فطري صادق يهدف إلى الحفاظ على هوية الكرك وأهلها، اعتمادا على ذاكرة وتاريخ وتراث الكرك بما يحتويه من أصالة وعراقة، توارثه الأجيال جيلا بعد جيل.
وتقول المؤلفة: "لقد وثقت بعض تلك الارتجالات في كتابي السابق "سيدة في ذاكرة الكرك"، حيث جسد الغناء التراثي الشعبي (المهاهاة) تاريخ الكرك الوطني المشرف، بدءا من الزعيم الكركي الشيخ إبراهيم الضمور ورجالات "الهية" الأشاوس، وانتهاء بالمشير حابس المجالي، قائد معركتي اللطرون وباب الواد.
ولم يكن دور النساء الكركيات أقل من دور الرجال، فمسيرة الكرك حافلة بأجمل الرموز الوطنية الأردنية التي تنحني لها الهامات إجلالا وإكبارا. من بين هؤلاء الشامخات "مشخص ويندر المجالي"، رائدات العمل النضالي الأردني، ومن قبلهن الشامخة "عليا الضمور"، التي سجلت أروع موقف تاريخي بطولي يمكن أن تسجله امرأة.
ومن أمثلة (المهاهاة) الواردة في كتاب الباحثة الحدادين:
آااههييا يا كرك الهية والنعم زغردي يا نشمية.
آااههييا من يومها على عهد بني هاشم أصيلة ووفية.
آااههييا من يومها الكرك تامر والكل فدوى ترابها.
آااههييا من يومها ترخص ما تغلي دم رجالها.
آااههييا يا كرك الهية يا عز الاوطاني.
آااههييا ما تنزانين بصاع ذهب ولا بقنطاري.