القمة المقبلة.. هل توحد العرب بشأن فلسطين؟*د. عبير مصلح
الغد
تعيش غزة تحت وطأة الركام والدمار المستمر الذي خلفته الحروب المتتالية، حيث باتت شوارعها تعج بالأنقاض والمباني المدمرة التي أصبحت شاهدًا على مآسي الحرب المستمرة. بعد كل عدوان، يُعاد بناء بعض الأحياء ثم يعيدها الهجوم إلى الصفر. هذه الدائرة المفرغة تجعل من الصعب على السكان العيش حياة كريمة. ولا تقتصر المعاناة على الدمار المادي فقط، بل تمتد إلى تقييد وصول المساعدات الإنسانية الضرورية. إذ يتحكم الكيان بشكل صارم في شحنات المساعدات التي تدخل إلى القطاع، مما يؤدي إلى تأخير وصول المواد الأساسية مثل الأدوية والغذاء والمياه. هذا التحكم في الحدود يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية، ويجعل من الصعب على المنظمات الإنسانية أداء دورها بشكل فعال.
في الوقت ذاته، تتزامن هذه السياسة مع خطة الاحتلال للتهجير القسري عبر الضغط من خلال منع وصول المساعدات اللازمة لإعادة إعمار القطاع، بهدف جعل الحياة مستحيلة، فغزة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة: المدارس المغلقة، المستشفيات المدمرة، الطرق المتهالكة، وخدمات المياه والصرف الصحي شبه المنعدمة.
في ظل هذا الواقع المؤلم، طرحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطة للسلام في الشرق الأوسط، تحمل العديد من النقاط المثيرة للجدل، وتثير شكوكًا كبيرة لدى الفلسطينيين والعديد من الدول العربية. تهدف الخطة بشكل أساسي إلى تقليص الأراضي الفلسطينية وتعديل الحدود بما يتناسب مع المطالب الإسرائيلية، وهو ما يهدد بإنهاء أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. في هذا السياق، تم اقتراح أن يتم فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، مع تخفيض حجم الأراضي الفلسطينية بشكل حاد، بينما يظل القطاع تحت السيطرة الإسرائيلية بشكل غير مباشر.
ما أثار القلق أكبر هو المقترحات المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك فكرة تهجيرهم إلى دول أخرى في المنطقة أو فرض سياسات توطينهم بعيدًا عن فلسطين. هذه السياسات، التي كانت تعتبر سابقة خطيرة، استهدفت ما يُسمى «إعادة التوطين»، وهو ما يراه الفلسطينيون محاولات للتهرب من مسؤولية إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وفقًا لقرارات الأمم المتحدة.
في الضفة الغربية أيضا يسعى الاحتلال من خلال هدم المخيمات الفلسطينية، إلى القضاء على أي شاهد حي على النكبة الفلسطينية وحق العودة للاجئين. هذه السياسات تهدف إلى محو ذاكرة اللجوء الفلسطيني، ما يهدد بطمس الهوية الوطنية الفلسطينية وإلغاء حق العودة الذي تكفله القوانين والمواثيق الدولية. في الوقت ذاته، أغلقت إسرائيل مكاتب (الأونروا) في القدس، وهدمت مكتب الأونروا في مخيم نور شمس شرق طولكرم بالضفة الغربية، مما يعكس تصعيدًا في استهداف المؤسسات الإنسانية التي تقدم الدعم للاجئين الفلسطينيين. هذه السياسات الإسرائيلية تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وتزيد من تعقيد الوضع الإنساني للاجئين الفلسطينيين.
خطة ترامب السابقة، والمعروفة بـ»صفقة القرن»، كانت واجهت رفضًا واسعًا من الحكومات العربية، التي رأت فيها تهديدًا خطيرًا للحقوق الفلسطينية وتصفية للقضية الفلسطينية. ورغم التفاوت في الأسلوب والحدة بين مواقف بعض الدول، إلا أن الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني، أكد مرارًا رفضه الكامل لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين من غزة، معتبرا أن ذلك يشكل انتهاكًا لحقوق الشعب الفلسطيني وتهديدًا للهوية الوطنية الفلسطينية. الأردن يعتبر أن أي خطوة تهدف إلى إبعاد الفلسطينيين عن أرضهم تشكل تهديدًا للسلام والاستقرار في المنطقة. كما يرفض أي محاولات للتوطين أو نقل الفلسطينيين إلى أراضٍ غير أراضيهم التاريخية، ويؤكد ضرورة احترام قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالحقوق الفلسطينية، وعلى رأسها حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
مع تزايد التعقيدات في الوضع الفلسطيني، تأتي القمة العربية في نهاية الشهر الحالي في القاهرة. ستكون القمة اختبارًا حقيقيًا للدور الذي يمكن أن تلعبه الدول العربية في الأزمة الفلسطينية. هل ستتوحد في دعم حقوق الفلسطينيين؟
التحدي الأكبر في القمة القادمة هي عودة القضية الفلسطينية إلى المربع الأول بعد فترة طويلة من التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة، حيث كانت تعرف في البداية بـ»الصراع العربي الإسرائيلي». في ذلك الوقت، كان الدعم العربي مشتركًا ومكثفًا، واعتُبرت القضية الفلسطينية جزءًا من الأمن القومي العربي، وكانت معظم الدول العربية في حالة تضامن شامل مع الفلسطينيين في نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي. لكن مع مرور الزمن، تحول المسمّى من «الصراع العربي الإسرائيلي» إلى «الصراع الفلسطيني الإسرائيلي»، والذي لم يعنِ فقط تغييرًا في المسمّى، بل في إستراتيجيات التحرك أيضًا. فبمجرد أن أصبح الصراع محصورًا بين الفلسطينيين وإسرائيل، بدأ دعم الدول العربية يتفاوت. كان هذا التحول بمثابة تهميش للقضية من حيث الصفة الإقليمية، حيث بدأ العالم العربي يعاني من انقسامات داخلية وأولويات مختلفة، ما أثر في قدرة الدول العربية على تقديم دعم فعال وشامل لفلسطين.
القمّة العربية قد تمثل فرصة للضغط على المجتمع الدولي لتغيير السياسات القائمة، حيث يمكن للدول العربية استخدام قوتها السياسية والاقتصادية لتحقيق نتائج ملموسة، حيث تمتلك الدول العربية مقومات متعددة لدعم فلسطين؛ من الموارد والدعم الدبلوماسي والسياسي. إذا ما تم توظيف هذه الإمكانيات بشكل منسق، فقد تكون عاملًا رئيسا في الضغط على المجتمع الدولي بالإضافة إلى تحسين الوضع الفلسطيني ومساندة الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل حقوقه المشروعة.
في هذه اللحظات الحرجة، يظل الأمل معقودًا على القمة العربية التي ستكون بمثابة اختبار حقيقي لقدرتها على تجاوز الانقسامات وتوحيد الصفوف لدعم القضية الفلسطينية، وقد تكون القمة نقطة تحول نحو تحقيق العدالة والسلام في المنطقة، فهل ستتمكن الدول العربية من ذلك؟