عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Nov-2025

فـــي حضـــرة الكاتــب عامـــر طهبـــوب

 الدستور-نضال برقان

رحلتان استثنائيتان إلى بلد استثنائي، تمّ تدوينهما بكلّ ما فيهما من ألقٍ ومتعةٍ وتحدٍّ، بقلم استثنائي كذلك. مغامرتان لا يجرؤ على خوضهما إلا كاتبٌ مغامر، أضفى على أدب الرحلة بريقًا خاصًا، وأعادنا إلى روّاده ورموزه في التاريخ العربي، مستعيدًا ذلك الشغف القديم بالترحال، وباكتشاف الذات في مرآة المكان.
أما الرحلتان فقد صدرتا في كتابين كبيرين وأنيقين عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر»، تحت عنواني: «أرض الحرية: رحلة الصيف إلى الجزائر» و«أرض الحرية: رحلة الشتاء إلى الجزائر».
وقد وقّعهما الكاتب عامر طهبوب في أمسية مهيبة أقيمت في المركز الثقافي الملكي يوم الخميس الأخير من تشرين الأول الماضي، بتنظيم من منتدى الفكر العربي وجمعية الحوار الديمقراطي الوطني، بالتعاون مع وزارة الثقافة، وبمشاركة نخبة من الأكاديميين والمبدعين، وحضور حاشد من روّاد المشهد الثقافي الأردني والعربي.
وكانت صاحبة السمو الملكي الأميرة ريم علي المعظمة قد استقبلت الكاتب عامر طهبوب في مكتبها، قبل يومٍ من حفل التوقيع، بحضور الأستاذ الدكتور زياد الرفاعي، والرئيسة التنفيذية لمعهد الإعلام الأردني الدكتورة دانا سعيد شقم، والأستاذ فيصل الشياب.
يبدو أن الكاتب، في هاتين الرحلتين، يستعيد تقاليد راسخة في أدب الرحلة العربي، من ابن بطوطة إلى شكيب أرسلان، لكنه يفعل ذلك بروحٍ معاصرة، تستثمر لغة الصحافة الحديثة ووعي الروائي بالمكان والحدث. هكذا يقدّم طهبوب نصًّا غنيّ الطبقات، يتكئ على المتعة الفنية مثلما يستند إلى الدراسة الثقافية، جامعًا بين الرؤية والدهشة.
ومن أبرز ما يميز «أرض الحرية» في جزأيها، ذلك الحضور الإنساني الطاغي؛ حضور الإنسان الجزائري في تفاصيل الحياة اليومية: في الأسواق والمقاهي، في الجبال والمدن، حيث تنبض الروح الشعبية بجمالها وكرامتها. فالكاتب لا يكتفي بوصف الأمكنة، بل يرسم ملامح الناس وأصواتهم وأحلامهم، وكأنه يؤلف سيمفونية عربية مشتركة، عنوانها الحرية والكرامة.
تشكل الرحلتان منجزًا أردنيًا وعربيًا فريدًا على الصعيد الثقافي، إذ تغطيان كامل التراب الجزائري، في رحلةٍ تبدو كأنها سَفرٌ في الذات الجمعية العربية، قام بها أحد أبنائها، ليكتب سرديتنا الخاصة عن أنفسنا، وعن أوطاننا، وعن مستقبلنا أيضًا.
وقد جمع عامر طهبوب في هذين العملين بين فنون أدبية متعددة؛ فالأفق الروائي والسردي يحضر بقوة، إلى جانب البعد البحثي الرصين، وجرأة الصحفي الذي لا يكتفي بالمشاهدة، بل يقتحم الحدث ويعيد صياغته بلغةٍ حيّة. وإذا كان العملان يُدرجان في باب أدب الرحلة، فإنهما يقتربان من أجناس أخرى، تتوافق مع جوهر الرحلة ذاتها: فعل حريةٍ ومغامرةٍ، ومحاولة جسورة لكسر القوالب الجاهزة.
لقد شكّل صدور «أرض الحرية» في جزأيها إضافة نوعية للمكتبة العربية، وأعادا تسليط الضوء على أدب الرحلة بوصفه جنسًا أدبيًا قادرًا على الجمع بين الفكر والجمال، بين الرؤية والدهشة. ومن خلالهما يرسّخ عامر طهبوب حضوره كصوتٍ أدبيّ يسعى إلى بناء جسورٍ ثقافية بين المشرق والمغرب، بين الأردن والجزائر، في زمنٍ أحوج ما نكون فيه إلى مثل هذه الجسور.
إن تجربة عامر طهبوب في «أرض الحرية» ليست مجرّد تدوينٍ لرحلتين، بل شهادة جمالية على قدرة الأدب العربي على استعادة روحه الجامعة، وتأكيدٍ على أن الكلمة ما تزال قادرة على فتح نوافذ جديدة للأمل والمعرفة والانتماء.
وانطلاقًا من انحيازها لهذه التجربة الأدبية المميزة، فإن «الدستور» تفرد ملحقها الثقافي احتفاءً بها، وبصاحبها، الكاتب والروائي عامر طهبوب.