عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Jan-2020

المسيحيون وأعياد الميلاد المجيدة في القدس.. صورة للتمسك بالهوية والنضال

 

عبدالله كنعان
 
الغد- تتشكل البنية الاجتماعية والثقافية والحضارية في فلسطين والقدس من المسلمين والمسيحيين، وقد جعلت هذه السمة والميزة من الأرض العربية المحتلة في فلسطين والقدس، نموذجا عالميا إنسانيا، للدلالة على الوحدة والنضال، من أجل الحفاظ على الهوية والتاريخ المشترك، والآمال والمصائر المنتظرة، ليبقى الإنسان والجغرافيا الفلسطينية والمقدسية، صامدا في وجه أبشع احتلال عرف في التاريخ الحديث.
تعتبر القدس مركزا دينيا مهما للمسلمين والمسيحيين، فهي قبلة الإسلام الأولى، واليها أسري النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها عرج للسموات العلى، وهي بالنسبة للمسيحيين قبلتهم الوحيدة، وفيها قبر المسيح عيسى عليه السلام، ومنها انتشرت المسيحية على ايدي الرسل والتلاميذ الى جميع أنحاء الارض، وتنتشر في القدس العديد من الطوائف المسيحية، منها بطريركية الروم الارثوذكس والأرمن الارثوذكس والسريان الارثوذكس والأقباط الارثوذكس والأحباش الارثوذكس والكنيسة المارونية واللاتين والروم الكاثوليك والسريان والارمن الكاثوليك وكنائس البروتستانت.
كما وتنتشر المقدسات المسيحية داخل البلدة القديمة وخارجها، مثل كنيسة القيامة ودرب الالام وأديرة العذراء والقديسة كاترين والسيدة والموارنة والحبش، وكنائس والمخلص والجثمانية ومريم المجدلية ونياحة العذراء وغيرها.
وفيما يتعلق باعداد المسيحيين في القدس، فنظرا للاحتلال الإسرائيلي للمدينة وسياسته التهويدية، القائمة على طرد أهلها، تعرضت اعداد المسيحيين للتناقص منذ العام 1967، والذين كانوا يقدرون بحوالي 28 ألف نسمة، ولكنهم اليوم يقدرون بما يتراوح بين 5000 الى 8000 نسمة، وفق تقديرات متفاوتة لعدة مصادر.
وعلى الرغم من سياسة التهجير الإسرائيلية المقترنة بمحاولة التسريع بهجرة الشباب المسيحيين، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية نتيجة للتضييق الإسرائيلي، لكن المسيحيين جزء ومكون رئيس من النسيج الاجتماعي في القدس وفلسطين، بل وفي عموم بلاد الشام والبلاد العربية والاسلامية، وهناك العديد من الشواهد على مشاركتهم الحضارة العربية انجازاتها العلمية والثقافية والإدارية والسياسية، بما في ذلك مشاركتهم المباشرة في جيوش الفتح الإسلامي.
ويرتبط المسيحيون في القدس وعموم الأراضي الفلسطينية بالأردن، بعلاقات اجتماعية وروحية وثيقة، فالحج المسيحي بين الأردن وفلسطين نشط، كذلك زاد الموقف الأردني ممثلاً بالوصاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، من متانة وأواصر العلاقة التاريخية، والتي برزت منذ فترة مبكرة، استمرارا للعهدة العمرية، والتي حددت جذور الوصاية الهاشمية على المقدسات المسيحية، باعتبارها منطلقا لتطبيق العهود والمواثيق عبر مشاريع الترميم والرعاية للمقدسات، ففي العام 1948، شارك الملك عبد الله الأول بن الحسين في اخماد حريق اشتعل في كنيسة القيامة، وفي العام 1951 في عهد الملك طلال بن عبد الله، طرح عطاء اعادة تصفيح قبة كنيسة القيامة، وفي عهد جلالة الملك الحسين بن طلال، رممت العديد من المقدسات المسيحية في القدس، وفي عهد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله، استمرت الرعاية الهاشمية، بحيث تم في العام 2016 ترميم القبر المقدس في كنيسة القيامة، وقد خصص جلالته جزءا كبيرا من جائزة تمبلتون التي تسلمها العام 2018، لتنفق على ترميم المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، الى جانب اهتمام جلالته بقضية الاوقاف المسيحية.
كما تسلم جلالته نظير سعيه، نشر فكر السلام والوئام بين الاديان، العديد من الجوائز العالمية، منها جوائز: تمبلتون ومصباح السلام ورجل الدولة الباحث.
كذلك جرى تبني فكرة اسبوع الوئام بين الاديان التي طرحها جلالة الملك العام 2010، بعد أقل من شهر من طرح هيئة الأمم المتحدة لها، ومؤخراً واستمراراً لجهود سابقة لسمو الامير الحسن بن طلال بالاهتمام بالاوقاف الاسلامية والمسيحية، أنشئ مركز الحسن للدراسات المقدسية بجامعة القدس للعناية بدراسات الاوقاف وغيرها.
كما يولي سمو الأمير غازي بن محمد رئيس مجلس أمناء الصندوق الهاشمي، لاعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة عناية بالاوقاف أيضاً.
يقف المسيحيون المقدسيون الى جانب اخوتهم واهلهم المسلمين في القدس في وجه سياسة التهويد الاسرائيلية الممنهجة في القدس وفلسطين، وقد قدموا العديد من الشهداء والاسرى والجرحى والمعتقلين، وهجرت العديد من قراهم وحاراتهم ودمرت منازلهم، ومع ذلك فقد عبروا باستمرار عن رفضهم للاحتلال الاسرائيلي وسياسته القائمة على محاولة تمزيق المجتمع المقدسي الموحد المتجانس مسلمين ومسيحيين.
فقد رفض المسيحيون العام 2014 محاولة الاحتلال تجنيد المسيحيين الفلسطينيين في الجيش الإسرائيلي، وفي العام 2016، رفضوا قرار إسرائيل منع رفع الاذان لانهم يرون ذلك تعدياً على مشاعر اخوانهم واهلهم المسلمين.
ويحضرني هنا قول المؤرخ الأرمني جورج هنتليان “صحيح اننا أرمن من نواح اثنية، ولكن أمام اسرائيل انت فلسطيني، فلا فرق ان كنت تتكلم الارمنية او العربية، ففي الحالتين ستحظى بالمعاملة ذاتها”.هو وعي ونضوج فكري، بأن الخطر يداهم الجميع، لذلك لا بد من وحدة الجميع لقهره.
ومما يعبر عن التماسك الاسلامي المسيحي في القدس وفلسطين، وجود الهيئات والجمعيات التي تعبر شخصيتها ونشاطاتها عن هذا التكوين الاجتماعي، ومنها الهيئة الاسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، والتي يرأسها الصديق الاخ الدكتور حنا عيسى، ولها نشاط وجهد يقدر.
وعلى الصعيد الشبابي، فانني اجد نشاط وفعالية الكشافة في القدس وفرقهم المشتركة، نموذجا شبابيا طموحا، يحيي في النفس الطمأنية، بأن هذا الجيل ابدا لن ينسى وسيبقى يهتف بالحرية لفلسطين، ويغرد بالهوية الراسخة مهما طال الاحتلال.
وتحرص اللجنة الملكية لشؤون القدس، وهي ترصد أخبار وواقع القدس في تقريرها اليومي الذي يوزع منه حوالي 250 ألف نسخة الكترونية محليا ودوليا، على التنبه للاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية تجاه اهلنا المسيحيين في القدس، بالإضافة إلى الاشارة للمكون المسيحي المقدسي الاصيل في جميع اصداراتها، ونرفض جملة وتفصيلا، اعتبار اخواننا المسيحيون في القدس وغيرها، على انهم اقلية، بل هم مكون اساسي في مجتمعنا العربي من محيطه الى خليجه.
ان اللجنة الملكية، وبمناسبة الاحتفالات بعيد الميلاد المجيد، تؤكد ان اهلنا في فلسطين والقدس، مسلمين ومسيحيين، يحتاجون لتوعية الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية العربية والاسلامية والعالمية، بخطورة الاوضاع التي يعيشها أهل فلسطين والقدس مسلمين ومسيحيين، فهم يقبعون تحت سياسة تهويد اسرائيلية عنجهية، لا تعترف بالشرائع الدينية والدولية، ولا ترى الا قانون وشريعة الغاب عنواناً لها في تصرفاتها ضد غيرهم من اهل فلسطين والقدس الشرعيين.
فكل عام والقدس، من مسلمين ومسيحيين، عنوانا للوحدة والنضال في وجه طاغوت العصر، وكل عام واجراس الكنائس ومآذن المساجد، هي الصوت الذي يقهر الظلم في سماء القدس وفلسطين، وكل عام والامل يحدونا بأن يصحو ضمير العالم الحر، ويقول لاسرائيل: كفى ظلما وتهجيرا واحتلالا لا بد له أن يزول.
 
أمين عـام اللجنة الملكية لشؤون القدس