الغد
حديث الرئيس الأميركي ترامب عن وقف الحرب في غزة أعطى انطباعًا بقرب الهدنة، إلا أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن وقف الحرب ممكن الآن إذا سلمت حركة حماس سلاحها، تشير إلى أن تعقيد المسألة يرتكز على شرطٍ واحد فقط. هذا ما يدركه نتنياهو جيدًا ويُتقن توظيفه، حيث يمكن تعطّيل أي اتفاق عبر نقطة خلاف واحدة، ولو تم التفاهم على بقية التفاصيل.
أما حديث وزير الدفاع الإسرائيلي اسرائيل كاتس عن إنشاء "مدينة إنسانية" على أنقاض مدينة رفح في جنوب غزة لنقل السكان إليها، فيؤكد أن المناورة الإسرائيلية ما تزال مستمرة، وأن مشروع التهجير السكاني هو جوهر التحرك بغض النظر عن التسميات، سواء أُطلق عليه اسم "ريفييرا" أو "مدينة إنسانية". هذا الطرح يتماشى مع ما صرّح به نتنياهو أمام ترامب، عندما قال إن سكان غزة يجب أن تُمنح لهم حرية البقاء أو الرحيل.
وفي الوقت الذي اختتم فيه نتنياهو زيارته إلى البيت الأبيض، وتزامنًا مع زيارة وزير الدفاع كاتس إلى واشنطن، قد نكون أمام مرحلة تصعيد جديدة في المنطقة، خصوصًا وأن إسرائيل أبقت معظم الجبهات مفتوحة وغير محسومة. فمنذ السابع من أكتوبر، بات خفض مستوى القتال في جبهة ما يعني رفعه في جبهة أخرى.
وقد يكون الوضع في لبنان مرشحًا للتصعيد، سواء من خلال التركيز المتزايد على مسألة نزع سلاح حزب الله، أو عبر الفشل المتوقع في هذا المسار، ما قد يؤدي إلى انفجار الوضع. إلى جانب ذلك، يشكل التصعيد القائم بين لبنان وسورية بُعدًا إضافيًا للأزمة، وهو تصعيد قد يذهب بالطرفين إلى حافة المواجهة، وهو ما لا يتحمّله لبنان اليوم بعد الحرب المدمّرة مع إسرائيل، ووسط تنامي خطر الإرهاب في الداخل، مع تزايد المؤشرات على وجود وانتشار خلايا تابعة لتنظيم داعش.
ورغم أن الحرب بين إيران وإسرائيل توقفت دون حسم، إلا أن جبهة المواجهة ما تزال مفتوحة. قد لا تكون الحرب حالياً مباشرة، لكن إسرائيل لن تتخلى عن العمل في سماء إيران أو على الأرض حتى تحقيق الحسم. تسريع عمليات إعادة التسلح، والتلويح الأميركي بتزويد إسرائيل بقنابل خارقة للتحصينات، يعكس أن خيار المواجهة ما يزال مطروحًا على الطاولة، وهو ما تدركه طهران جيدًا.
ويبدو أن الورقة المتبقية بيد إيران اليوم هي تفعيل وكلائها الإقليميين. الحوثي، على سبيل المثال، انتقل من استهداف إسرائيل بين الحين والآخر، إلى استهداف الملاحة الدولية بشكل مباشر، عبر ضرب السفن أو أسر طواقمها أو حتى إغراقها. هذا التحول النوعي في شكل العمليات الحوثية يهدف إلى تأزيم الوضع دوليًا، وإرسال رسائل مفادها أن ما يحدث هو نتيجة التوتر مع إيران، وليس مرتبطًا فقط بالحرب على غزة، كما كانت ادعاءاتهم سابقًا.
أما جبهة العراق، فقد تعود إلى واجهة التأزيم، خاصة مع التحركات الجديدة التي تستهدف كردستان العراق، والتي قد تمتد إلى المصالح الأميركية هناك، سواء كانت شركات أو وجودًا عسكريًا. وهو ما قد يتفاقم خلال الأيام المقبلة، الأمر الذي قد يُدخل جبهة العراق ضمن خريطة التصعيد المحتملة.
وفي الوقت الذي يُكثر فيه الحديث عن احتمال تحقيق هدنة في غزة، فإن الواقع على الأرض قد يشير إلى أن "العودة إلى الساحات المفتوحة" سيكون عنوان المرحلة المقبلة بالنسبة لإسرائيل، من لبنان إلى اليمن والعراق. لكن العنوان الأبرز ربما يكون العودة إلى جبهة إيران، في حال تعثرت العودة إلى طاولة المفاوضات.
هذه المواجهة القادمة قد تختلف عن نمط الحرب القصيرة السابقة التي دامت 12 يومًا. إذ تسعى إسرائيل إلى إشغال إيران من الداخل، وتجريدها من أي قدرة على توسيع رقعة المواجهة أو تفعيل أدواتها المتبقية. لذلك، فإن عامل المفاجأة والعمل الاستخباراتي قد يشكّل حجر الأساس في أي تحرك إسرائيلي مرتقب.