عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Jul-2020

“استدعاء الشخصيات التأريخية في الشعر العباسي”.. إصدار جديد لمحمد القاضي

 

عزيزة علي
 
عمان –الغد-  يرى الزميل محمد القاضي أن استدعاء الشخصيات في الشعر العربي، قديمه وحديثه، هي ظاهرة بارزة مهد لها الشعراء، وأوجدوا لها فضاء رحبا في قصائدهم، ذلك أن استدعاء الموروث يشكل في ذاته وعاء معرفيا وثقافيا ينهل منه الشاعر؛ ليوظفه في القصيدة فيبعث فيها الحيوية بربط الماضي وأحداثه وموافقه وشخصياته بالحاضر.
ويضيف القاضي، في كتابه الصادر عن دار الخليج للنشر والتوزيع بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، بعنوان “استدعاء الشخصيات التأريخية في الشعر العباسي حتى نهاية القرن الرابع الهجري”، “غالبا ما يحرص الشاعر على أن يزيد من تألق قصيدته وإثبات شاعريته بطرق متعددة، وقد كان استدعاء الشخصيات من التقانات الأسلوبية التي يعمد إليها الشعراء؛ لتيقنهم بأن استدعاء الموروث له قيمة جمالية وتأثير جلي في روح القصيدة، وتأثير على المتلقي”.
ويشير المؤلف إلى أنه اهتم في هذه الدراسة بأكثر العصور العربية تميّزاً، من حيث الثقافة وازدهارها، ونبوغ عدد من الأدباء الذين علا ذكرهم من ذوي الأصول العربية والأعجمية، لأن هذا العصر عصر حركة وتثاقف بين الأجناس، لذلك تحاول هذه الدراسة أن تكشف عن تجارب الشعراء ومدى تفاعلهم مع الدين والتاريخ، من حيث استدعاء شخصيات سبقت الإسلام، لافتا إلى أن المتتبع لدواوين شعراء العصر العباسي يلتفت لهذه الظاهرة، ومن هنا جاء اختيار القاضي لهذا العنوان لدراسته.
الكتاب جاء في ثلاثة فصول ومقدمة وخاتمة وتمهيد؛ حيث تناول مفهوم الاستدعاء وموقف القدماء والمحدثين منه، ودوافع الاستدعاء، وثقافة الشاعر وأهميتها، وعلاقة الشاعر بالمتلقي، فيما يشير الفصل الأول إلى استدعاء الشخصيات الدينية، وأثرها في موضوع القصيدة حينما يستدعيها الشعراء، وقد تم تقسيم هذا الفصل لثلاثة محاور، هي: شخصيات الرسل والأنبياء، شخصيات الصالحين، شخصيات الأشرار وأعداء الدين.
بينما يتحدث الفصل الثاني عن الشخصيات التاريخية، وكيف أن الشعراء كانوا ينتقون منها ما يلبي غرض القصيدة، وقسّم هذا الفصل إلى محورين هما: الشخصيات السياسية والاجتماعية وشمل: الملوك، والزعماء، والأجواد، والفرسان، والصعاليك، والشخصيات الأدبية والعلمية وشمل: الحكماء، والشعراء، والأطباء.
فيما تناول الفصل الثالث بعض القضايا الفنية للاستدعاء، وفيها تم التطرق إلى أنماط توظيف الشخصية المستدعاة من حيث علمية الاسم أو أقوال الشخصية أو أدوارها أي الأحداث التي ارتبطت بها، ودلالات الشخصية المستدعاة سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو دينية، والصورة الفنية، والتقييم الفني للاستدعاء وبه يتم الكشف عن مواطن القوة والضعف أثناء استدعاء الشعراء للشخصيات، وتضمنت الخاتمة النتائج التي توصل إليها المؤلف. ويقول القاضي إنه اعتمد في كتابه على المناهج الآتية “التاريخي، الوصفي، التحليلي، النفسي”، مشيرا الى أن أهمية طرح هذا الموضوع تكمن في أنه يحاول أن يلتئم مع غيره من الدراسات التي تناولت الموضوع سواء أكان تناولها له صلة بالموضوع من قريب أو بعيد، فهذه الدراسة انفردت عن غيرها من الدراسات حينما اختصت في تناول شخصيات عاشت قبل الإسلام ومدى تجاوب الشعراء معها في أشعارهم، فاستدعاؤهم لها يعني أن الشعراء يحاولون صهر التاريخ ومحاكاته لتدعيم العمل الأدبي.
ويشير المؤلف الى المصادر التي اعتمد عليها في كتابه، من مصادر حديثة وقديمة، من أبرزها: دواوين الشعراء، وكتب الأدب والأخبار، من مثل كتاب الأغاني للأصفهاني، والعقد الفريد لابن عبد ربه، وتاريخ الطبري، وقصص الأنبياء لابن كثير، فضلاً عن مراجع ودراسات حديثة لها صلة بموضوع الدراسة.
ويبين القاضي أنه كشف في هذا الكتاب عن العلاقة الوثيقة بين شعراء العصر العباسي وموروثهم الثقافي؛ إذ أكثروا من الاتكاء عليه من خلال استدعائهم الشخصيات التاريخية في زمن ما قبل الإسلام.
ويرى المؤلف أن هناك تفاوتاً بين الشعراء العباسيين في التعاطي مع ظاهرة الاستدعاء؛ إذ تبين أن شعراء ما سموا بالمحدثين أمثال أبي تمام والمتنبي وابن الرومي والبحتري وأبي نواس هم من أكثر الشعراء تناولاً لهذه الظاهرة، لافتا الى أن أبو تمام يعد من أكثر الشعراء استدعاء لشخصيات ما قبل الإسلام في شعره، نتيجة الثقافة الواسعة التي اتصف بها، كما أنه كان مميزاً في استدعاءاته؛ إذ كان يولد صوراً وأخيلة من استدعاء الشخصيات في شعره.
ويتحدث القاضي عن صفات كل شعرا وميوله في الشعرية مثل: الشعراء الذين كان لديهم ميول ديني، أمثال أبي العتاهية ومحمود الوراق، لم يكونوا من الذين استهوتهم ظاهرة الاستدعاء، لاسيما استدعاء الشخصيات الدينية؛ حيث لم نلحظ اهتماماً في استدعائها، ويعتقد أن مرد ذلك يعود إلى الرقابة الدينية التي تفرضها على الشعراء وتنزيه شخصيات كتاب الله خصوصاً الرسل والأنبياء كي تكون مدار تشبيه أو موازنة، بينما الشعراء المجون أمثال أبي نواس كانوا أكثر من استدعاء شخصيات مختلفة وخاصة الدينية، إضافة إلى اعتمادهم على التاريخ بقصد رفد أشعارهم وإظهار القدرة الثقافية التي بالفعل كانا يتمتعان بها.
وخلص المؤلف الى أن المديح يعد من أبرز الأغراض الشعرية التي تقصد شعراء العصر العباسي أن يرفدوه باستدعاء شخصيات مختلفة، في حين حظي الغزل استدعاء شخصيات الشعراء لأن هذه الشخصيات هي الأقرب إلى شخصية الشاعر والأقدر في التواصل والتعبير، بينما لم يبتعد الشعر الساخر عن ظاهرة الاستدعاء؛ إذ إن شعراء استفادوا من استدعاء شخصيات في قصائدهم للتأثير والتقليل بحق من يسخر به، أمثال دعبل الخزاعي وأبي تمام وابن الرومي والمتنبي في قلب نمطية الشخصية المستدعاة في الشعر وملامحها، على عكس بعض الشعراء الذين اكتفوا بالإطار العام للشخصية المستدعاة.