عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Sep-2020

فارس النابلسي.. في رحاب الله وفي ضمير الشعب*د. صالح ارشيدات

 الراي

شيع الأردنيون من محبي (أبو سليمان) قبل أيام وبهدوء غير مسبوق بسبب تداعيات الجائحة، القامة الوطنية الكبيرة، المرحوم فارس سليمان النابلسي، إلى بيت الحق وذاكرة الوطن التاريخية. وبرحيله يفقد الأردن فارسا من فرسانه الأبرار وبرحيله يطوي الاردن صفحة ناصعة اخرى من تاريخ رجالاته المشرق، ويبقى (أبو سليمان) رمزا وطنيا حيا في عقول وقلوب كل الشرفاء والمخلصين الاوفياء لقضاياهم الوطنية والقومية في ارجاء هذا الوطن الواسع.
 
لقد عرفت المرحوم فارس عن قرب وكنت قريبا منه في بعض مراحل حياته المهمة وخصوصا بعد عودة الديمقراطية عام 1989 والانفراج السياسي الذي خطه المرحوم الملك حسين والغاء الاحكام العرفية وعودة الانتخابات النيابية واشهار الميثاق الوطني.
 
فقد جمعتني بفارس النابلسي ومروان الحمود ورجائي المعشر ومنذ سنوات طويلة عدة ظروف مشتركة جمعت بيننا في فترات محددة، منها علاقة المرحومين آبائنا النضالية والسياسية الطويلة المتنوعة المرة والحلوة والتي توجت جهودهم الوطنية بتشكيل حكومة النابلسي البرلمانية الاولى في تاريخ الاردن عام 1956.
 
شكل رحيل والده المفاجئ عام 76 وبعده بفترة سنتين، رحيل صديقه والدي، شكل صدمة لأصدقاء العمل الوطني والجبهة الوطنية التي تراسها سليمان لسنوات طويلة في ظروف محلية وعربية صعبة وضمت الجبهة مختلف الاطياف السياسية حيث اوجد رحيل والد فارس فراغا ملحوظا على الساحة الاردنية حيث توسم رفاق فارس بالعمل العام وتوسمت مكونات الجبهة الوطنية الاردنية بفارس النابلسي استلام القيادة وطلبت منه بسبب قوة شخصيته وتضحياته ونزاهته المميزة متابعة مسيرة والده وحمل ارثها الثقيل وهو ما قام واسهم به المرحوم فارس بكل جدية وشغف واستمرار واصبح صالونه السياسي الدائم وحتى يوم رحيله محطة ومحج للقاءات السياسية والاجتماعية لكل اطياف التعددية السياسية المتفاعلة وطنيا وايجابيا.
 
استمرت محاولات فارس النابلسي مع رفاقه العمل لأحياء الجبهة الوطنية ووضع اطار تنظيمي لها منذ نهاية السبعينات، تخللها محاولات لم تكتمل لتشكيل نواة احزاب مع اخرين وخصوصا حمد الفرحان وجمال الشاعر وابراهيم بكر، والقيام بأنشطة سياسية حيث لعب فارس دورا فاعلا في الانتخابات النقابية وخصوصا نقابة المحامين ونقيبها السياسي الكبير المحامي ابراهيم بكر، وقام بزيارات ومشاركات سياسية متنوعة اذكر منها مساهمته بتشكيل وفد شعبي اردني الى لقاء الرئيس السوري برئاسة المرحومين حمد الفرحان وابراهيم بكر وياسر عمر ومحمود المعايطة وحسين مجلي وسليمان الحديدي واخرين اذكر منهم بالإضافة لاسمي مروان الحمود اطال الله في عمره وهدف اللقاء مع الرئيس السوري كان انقاذ حياة القائم بالأعمال الاردني المخطوف في لبنان هشام المحيسن الذي عاد الى اهله سالما بعد اسابيع.
 
جاءت احداث معان عام 989 وقرارات الملك حسين الجريئة بالمقاربة منها، لتشكل منعطفا تاريخيا جديدا للتغيير وللعمل السياسي والبرلماني والحزبي والجبهوي، حيث نشط رواد وسياسيو صالون فارس النابلسي السياسي اليومي من مختلف الاطياف الفكرية اليسارية والمستقلين من خلالها، في خلق توافقات وطنية وسياسية كثيرة وردت في وثيقة الميثاق الوطني التي ضمت اصدقاء العمل العام، وعلى مجموعة من الانشطة السياسية اليومية التي تماشت مع التعبير عن سياسة الانفراج الوطني توجت بالطلب الجماعي لكل القوى ترشيح فارس النابلسي لمجلس النواب فتم انتخابه نائبا عن دائرة عمان الثالثة مع صديقه طاهر المصري بعد ما سمي بأعظم حملة انتخابية شعبية ونخبوية عبرت عن وحدة وطنية اردنية حقيقية شاركت بها كل الاطياف الوطنية النخبوية والشعبية واصبح المرحوم فارس قطبا برلمانيا بارزا يجمع حوله اقطاب الحركة الوطنية التي شكلت برلمان 89 وهم كثر نعتز بهم وبإنجازاتهم والذي عبر عن ارادة الشعب بصدق واصبح رمزا ومثالا لقوة البرلمان المنشود.
 
كما ساهم فارس النابلسي والسياسي الكبير ابراهيم بكر وممدوح العبادي وعلي ابو الراغب وصالح ارشيدات ومشهور حديثة وحسن خريس ويعقوب زيادين وسالم النحاس ووليد عبد الهادي وطاهر العدوان واخرين من رؤساء النقابات والشخصيات الوطنية ابان حرب الخليج الثانية عام 1990 في انشاء وتأسيس التجمع القومي الديمقراطي المكون من 40 شخصية وطنية برئاسة المرحوم ابراهيم بكر الذي لعب دورا سياسيا هاما ابان احداث حرب الخليج وفي دعم حكومة السيد طاهر المصري التي جاءت بعد اقرار الميثاق الوطني حيث طلب المصري مشاركة التجمع الديمقراطي في الحكومة ونسب التجمع الديمقراطي اسم النائب فارس للوزارة واعتذر فارس النابلسي عن المشاركة فيها ودعم وصول أصدقائه الى الوزارة.
 
في عام 2000 تزاملت والمرحوم فارس لمدة عام في الفريق الوزاري في حكومة الصديق دولة علي ابو الراغب خرجت بعدها للعمل الخاص، وبقي فارس وزيرا متميزا واستمر تقريبا لنهاية عام 2003 في حكومة صديقه ابي الراغب.
 
لم يمهل المرض ابا سليمان فهاجمه وهو في اوج عطائه في مكتبه للمحاماة ولكن ارادة الرجال ودعم زوجته الفاضلة (ام سليمان) وانجاله المحترمين سليمان ومحمد وبناته تهامة ونجد قاومت المرض لسنوات طويلة ابعدته عن العمل العام المباشر ولكنه لم يفقد خلالها حبه للوطن والناس ولعائلته ولأخته رباب فظل بيته صالونا سياسيا مفتوحا لكل الناس.
 
رحمة الله عليك يا صديقي وتعازينا أيها الوطن..