عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Dec-2019

الأمن أم الاقتصاد.. كيف يمكن تعزيز الثقة في العملات الرقمية؟ - جورجيوس ديميتروبولوس

 

الجزيرة - خلال الأزمة المالية التي اجتاحت العالم في العام 2008، ظهرت العملات المشفرة لأول مرة على الإنترنت وفي الأسواق المالية العالمية. وتتمتع العملات المشفرة بقيمة نقدية افتراضية، وهي تعتمد على تقنية التشفير التي تسعى إلى التحقق من صحة التحويلات المالية. ويعود للمستخدمين الفضل في تحديد قيمة العملات المشفرة، بينما يجري تداول المبادلات المالية بشكل لا مركزي باستخدام برمجيات مصادر مفتوحة ومتاحة يمكن تحميلها على أي جهاز كمبيوتر. وتعد عملات البيتكوين والإيثيريوم المشفرة الأكثر شهرة ومعرفة، على الرغم من أن العالم يعرف حاليًا أكثر من 600,1 نوع من العملات الافتراضية.
 
البيتكوين وضرورة وضع ضوابط تشريعية لتداولها
يعود ابتكار البيتكوين إلى ساتوشي ناكاموتو، وهو اسم مستعار للرجل الذي ابتكرها برؤية تسعى لإنشاء عملة يمكنها تجاوز البنوك وغيرها من الوسطاء الماليين. إلا أن تجاوز الأطراف الثالثة التي تتسم بالموثوقية المعهودة يُثير العديد من المخاطر التقنية والاقتصادية الكبيرة والدقيقة، مثل التهديدات التي تواجه المستهلكين، الذين لا يألفون مخاطر تقلب أوضاع الأصول المالية المشفرة، واحتمالات تعرضها للهجمات السيبرانية، وعدم الاستقرار النقدي والمالي المحتمل لبعض الاقتصاديات الوطنية، والفقدان المستتر للثقة الاجتماعية في المال. علاوة على ذلك، كانت هناك حالات استخدمت فيها العملات المشفرة لأغراض التهرب الضريبي غير المشروع. وقد أدى ذلك إلى ردود فعل تشريعية من قبل العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم.
 
وتبنت الحكومات في جميع أنحاء العالم واحدًا من نوعين من ردود الفعل لمواجهة المخاطر الناجمة عن تداول البيتكوين. يتضمن رد الفعل الأول حظر استخدامات معينة للعملات المشفرة، من خلال منع البنوك من استخدامها. ففي دولة قطر، صدرت تعليمات من قبل سعادة الشيخ عبد الله بن سعود آل ثاني، محافظ مصرف قطر المركزي، للبنوك العاملة في قطر، من خلال التعميم رقم 2018/6 بتاريخ 7/2/2018، بعدم التعامل بعملة البيتكوين أو تداولها. وقد يُفسر التعميم على نطاق واسع بأنه يشمل العملات المشفرة الأخرى غير البيتكوين. ويمكن ملاحظة رد فعل بديل حدث في البلدان التي تبنت منهجيات أكثر ليونة، مثل إصدار تحذيرات موجهة للمستهلكين، الذين يتعاملون بالعملات المشفرة، أو إخضاع العملات المشفرة للوائح تنظيمية وتشريعية أخرى، بما في ذلك تشريعات مكافحة غسيل الأموال، أو فرض ضرائب على استخدام العملات المشفرة وتداولها.
 
وعلى الجانب الآخر، بدأت العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة وأستراليا، في وضع قوانين وتشريعات لتعزيز عملية تطوير واستخدام التكنولوجيا الأساسية التي تخدم العملات المشفرة، مثل: تقنية سلاسل البيانات، وهي عبارة عن تسلسل آمن ("سلسلة") من مجموعات البيانات، التي يمكنها تسجيل المعاملات بين الأطراف بطريقة محمية ودائمة باستخدام تكنولوجيا الدفاتر الموزعة. وتوفر تكنولوجيا سلاسل البيانات وسيلة آمنة لرقمنة هذه الدفاتر، وتسهيل إدارتها بطريقة لامركزية. وقد استخدم المشرعون طريقتين هما الأكثر شيوعًا؛ لتسهيل تطوير التكنولوجيا ذات الصلة، وهما مراكز الابتكار والصناديق التنظيمية، وكلاهما يسمح ببعض التجاوز للاشتراطات التنظيمية المالية الرئيسية لشركات التقنيات المالية.
 
سلاسل البيانات: ما وراء العملات المشفرة والقيود الناجمة
تتجاوز استخدامات تكنولوجيا سلاسل البيانات مجرد دعم العملات المشفرة، حيث أنها تتيح العديد من التطبيقات المستحدثة، التي لها تأثير ضار ومحتمل على الحياة الاجتماعية، والتي يشمل بعضها العقود الذكية، وإدارة سجلات الأصول، وتشغيل بعض المنتجات ذاتية التشغيل، مثل المركبات بدون سائق. وقد أسست بعض الدول مثل إستونيا بالفعل لعمليات حكومية أساسية بناء على تكنولوجيا سلاسل البيانات. وحتى لو فشلت البيتكوين بصفتها عملة افتراضية، يتوقع البعض أن المنهاج الإلكتروني الأساسي والتكنولوجيا ذات الصلة سوف يستمران؛ لتسهيل المعاملات الرقمية للعملات التقليدية. وفي مناطق أخرى حول العالم، درست البنوك المركزية في السويد والصين سُبل تطوير العملات الرقمية في البنوك المركزية، وهي العملات الورقية الرقمية ذات الوضع القانوني.
 
وبينما تخضع تكنولوجيا سلاسل البيانات أيضًا لقيود قانونية محددة، فقد ظهرت قوانين حماية البيانات في هذه الآونة في العديد من الأنظمة القضائية. وأصبحت قطر أول دولة عضو في مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تتبنى قانونًا لحماية البيانات العامة. إنه القانون رقم 13 لسنة 2016، بشأن الخصوصية وحماية البيانات الشخصية، وهو قانون يضمن حماية واسعة وشاملة للحقوق الرقمية المتعلقة بالبيانات في دولة قطر. ويُعد النظام الأوروبي العام لحماية البيانات للاتحاد الأوروبي بمثابة مصدر إلهام للعديد من الجهود التشريعية الأحدث على مستوى العالم، وهو نظام يحمي مجموعة من الحقوق الرقمية الجديدة، مثل الحق في تقليل البيانات، وحق سحب موافقة معالجة البيانات، فضلاً عما يُعرف جيدًا بـ"الحق في أن نُنسى".
 
ويتضمن النظام الأوروبي العام لحماية البيانات أيضًا تطبيقًا يُنفذ خارج الحدود الإقليمية، ويجري استخدامه في ظل ظروف معينة حتى على شركات تقع خارج نطاق الاتحاد الأوروبي. وبينما تتضمن هذه الجهود التشريعية تطورات مهمة للغاية، فيما يتعلق بحق الخصوصية وحماية البيانات، فإنها تفرض أيضًا تحديات تتعلق بتطوير التكنولوجيات الجديدة واستخداماتها على نطاق واسع، مثل تكنولوجيا سلاسل البيانات، والمعالجة القانونية للبيانات ضمن هذه السلاسل. وقد جرى سن معظم قوانين حماية البيانات لتأمين الأفراد من عمليات التجميع والتخزين ومعالجة البيانات المركزية من قبل الشركات الكبرى، مثل الشركات التي تدير محركات البحث. وبالتالي يصعب التوفيق بين أنظمة حماية البيانات والدفاتر الرقمية اللامركزية. وقد يعني تطبيقها الصارم أن تكنولوجيا سلاسل البيانات يمكن اعتبارها غير قانونية عندما يتعلق الأمر بأغراض حماية البيانات.
 
تنظيم التداول دون وضع عراقيل أمام مساعي الابتكار
تكمن القضية الكبرى التي ستواجه الحكومات على مدار الأعوام القادمة في إيجاد سُبل لحماية الاقتصاديات الوطنية ومواطني هذه الدول، دون عرقلة موجة التطوير والابتكار التكنولوجي التي تصل إلينا وتتاح لنا. قد تكون إحدى الطرق لتحقيق ذلك هي التدخل في الأسواق الوسيطة التي بدأ تطويرها في وجود العملات المشفرة وتكنولوجيا سلاسل البيانات. وربما تكون هناك طريقة أخرى لإنشاء أدوات تشريعية منفصلة وخاصة بالتقنيات الجديدة، مثل قانون سلاسل البيانات كمثال على وجه التحديد. جدير بالذكر أن التوفيق بين الحماية الفردية والاجتماعية من ناحية، ومساعي الابتكار من ناحية أخرى، هو أحد أعظم التحديات التي تواجه الحكومات في عصرنا الحالي.