عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Mar-2019

حماس تدیر حرب استنزاف في غزة - دافید حاخام
ھآرتس
 
بعد سنة تقریبا على بدایة المظاھرات على الحدود بین القطاع وإسرائیل، وعلى خلفیة الجھود
المصریة لترسیخ التھدئة، یطرح على جدول الاعمال سؤال أي طریق على إسرائیل أن تتبعھا
تجاه حماس. أرغب في مناقشة ھذا السؤال أیضا على قاعدة معرفتي القریبة والطویلة التي
امتدت لسنوات في إطار خدمتي العسكریة حول ما یحدث في القطاع ومعرفتي بشخصیات رفیعة المستوى من حماس.
تحلیل خطوط العمل التي على إسرائیل اتباعھا یقتضي معرفة استراتیجیة حماس، خاصة على المستوى السیاسي والایدیولوجي. یجدر التأكید على أن حماس التي انشئت بعد بضعة ایام على
اندلاع الانتفاضة الاولى (على اساس تنظیم ”المجمع الاسلامي“ الذي عمل في القطاع بمصادقة
إسرائیل منذ 1979 (عمل فعلیا كفرع لحركة الاخوان المسلمین التي انشئت في مصر في نھایة
العشرینیات، تأثر منھا ومثل مبادئھا في الساحة الفلسطینیة.
على المستوى الملموس یجب التعامل مع مستویین رئیسیین كقاعدة للتحلیل. الاول ھو السیاسي – الایدیولوجي، حماس تطرح فیھ نظریة منظمة ومفصلة لمواقفھا وآرائھا، ومصاغة بصورة قاطعة فیما یتعلق بإسرائیل والیھود. بالملخص، حماس ترفض وجود إسرائیل وھي لا تعترف بھا ككیان سیاسي شرعي وتدعو فعلیا إلى تصفیتھا واقامة دولة اسلامیة فلسطینیة على انقاضھا.
كل ذلك في حدود معینة، من البحر إلى النھر. وكمرحلة اولى تمھیدا لاحیاء الخلافة الاسلامیة في المستقبل.
المستوى الثاني ھو مستوى النشاط على الارض. بالملخص، في ھذا الشأن یمكن ملاحظة مقاربة براغماتیة من جانب حماس، التي یتم التعبیر عنھا كاستعداد للدفع قدما بتفاھمات مع إسرائیل على وقف اطلاق النار (تھدئة حسب وصفھا). ولكن دون الاعتراف بإسرائیل ومن خلال اجراء مفاوضات معھا بواسطة وسطاء.
قبل سنة تقریبا بدأت حماس بمظاھرات ومواجھات عنیفة على طول الحدود، من خلال تسمیتھا
”مسیرات العودة وكسر الحصار“، من خلال الشعور بالازمة التي وجدت نفسھا فیھا في اعقاب دفعھا إلى الزاویة سواء من قبل إسرائیل أو من قبل الانظمة العربیة، ھذا على خلفیة التطورات في المنطقة، قلة الاھتمام بالموضوع الفلسطیني، الوضع الاقتصادي الصعب الذي تغرق فیھ حماس، والانشغال المتزاید بمواضیع اقلیمیة اخرى، وفي مركزھا مشكلة ایران. في ھذه الظروف تعزز في حماس الخوف من تھدید متزاید على استقرار حكمھا وعلى استمرار سیطرتھا في القطاع. الاحداث العنیفة على الحدود تستھدف تغییر قوانین اللعب من ناحیتھا.
في الحقیقة، حماس تدیر ضد إسرائیل حرب استنزاف. التھدید الذي تضعھ حماس امام إسرائیل لیس بمستوى الخطر الوجودي، ومظاھر نشاطھا في السنة الاخیرة لا تشكل بالنسبة لھا ذریعة للحرب. ازاء ذلك على إسرائیل أن تظھر مقاربة تدمج التصمیم والصبر والصمود والعمل ضد حماس بخطوات محسوبة، من خلال الاعتراف بأن الامر لا یتعلق بصراع قصیر على نمط ”ضربة واحدة وانتھى الامر“، بل معركة طویلة ومتواصلة.
في سیناریو بحسبھ تقف إسرائیل امام ضرورة شن عملیة عسكریة شاملة علیھا أن توقع ضربات مؤلمة لاھداف حماس، ولكن لیس من خلال نیة احتلال المنطقة، ومن خلال التصرف بصورة لا تجرھا إلى التخبط ثانیة في وحل غزة.
إن اعطاء تفویض جدید للسلطة الفلسطینیة للعمل في القطاع یبدو لي في الظروف الحالیة سیناریو لا اساس لھ وغیر واقعي. حماس سیطرت في 2007 على القطاع لیس من اجل تحویل المنطقة على طبق من ذھب إلى أیدي محمود عباس. في أي سیناریو لا أرى كاحتمال معقول موافقة من جانب حماس على نزع سلاحھا واعطاء عباس المسؤولیة لادارة الشؤون بروح طلبھ المعروف وھو ”حكم واحد وقانون واحد وسلاح واحد“.
في ھذه الظروف على إسرائیل أن تواصل سیاستھا الحالیة، التي یتم التعبیر عنھا بجھد لتأسیس
تھدئة امنیة لفترة طویلة بقدر الامكان، مقابل ثمن بالحد الادنى من ناحیتھا یتمثل بتحویل مساعدات مدنیة انسانیة، ضخ الدعم المالي من مصادر خارجیة وتوسیع منطقة الصید. مع ذلك، على إسرائیل أن تقف بالمرصاد وأن تمنع تآكل مطالبھا الامنیة ومواصلة الاشراف الشدید كمحاولة لإحباط تعاظم قوة حماس العسكریة.
في ھذه الایام حیث إسرائیل تقف ازاء تحد مھدد تضعھ حماس، أنا أتذكر الاقوال التي قالھا لي رئیس البلدیة الاسطوري في غزة، رشاد الشوا، والتي تظھر كنبوءة تجسدت. لقد كان ذلك قبل فترة قصیرة من موتھ في ایلول 1988 ،قبل أقل من ساعة على اندلاع الانتفاضة. جلسنا على شرفة بیتھ الذي عاش فیھ في حي الرمال الفاخر، وحولنا سمعت اصوات المتظاھرین المحتجین ضد الاحتلال الإسرائیلي، وزجاجات حارقة ألقیت على الشارع، وسحب دخان كثیفة تصاعدت من الاطارات المشتعلة. نظر نحوي وسأل ”ما ھي غزة؟“، وبدون الانتظار سارع إلى الاجابة: ”غزة ھي مشكلة إسرائیل“. بالحسنى ستعیش معكم بسلام، وبالشر ستكون حجر رحى معلق على رقابكم