الدستور
وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ-التوبة 47
خلال الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939)، قال أحد الجنرالات إنه يملك أربعة طوابير عسكرية تتقدم نحو مدريد، ولكنه أشار إلى وجود «طابور خامس» داخل المدينة يعمل لصالحه. ومنذ ذلك الحين، أصبح مصطلح «الطابور الخامس» يُستخدم للإشارة إلى أية قوة أو جماعة تعمل من داخل البلد ضد مصالحه.
وهذا ينطبق تماماً على المجرم صاحب السوابق، متعاطي المخدرات وتاجرها، الذي أقدم على فعلته الجبانة باستهداف رجال الأمن في منطقة الرابية قرب السفارة الصهيونية. لكن رجال أمننا البواسل تصدوا له بشجاعة، وتمكنوا من القضاء عليه وإفشال مخططه الدنيء.
لا يساورني أدنى شك في أن هذا الشخص كان مندساً ومكلفاً بتنفيذ هذا العمل الدنيء، وذلك لعشرات الأسباب، من بينها:
1 - يعتبر الأردن الدولة الأكثر استقراراً في المنطقة، وأي اضطراب أمني قد يهدد موقعه كعامل توازن إقليمي.
2 - استهداف رجال الأمن البواسل، الذين يسهرون على حماية المتظاهرين وحفظ الممتلكات العامة والخاصة، يهدف إلى زعزعة الثقة بين الشعب وأجهزته الأمنية.
3 - الضغط على الأردن بسبب مواقفه السياسية الداعمة لغزة، بما يشمل إرسال المساعدات الإنسانية وحشد موقف دولي ضد الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال.
4 - إثارة الفوضى الأمنية لإجهاض الحراك الشعبي وإيقاف المظاهرات.
5 - إشعال فتنة داخلية تهدف إلى تقسيم المجتمع الأردني.
6 - إضعاف جهود الأردن في أداء دوره المحوري بالقضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
7 - استهداف استقرار الأردن من قبل جهات خارجية بهدف تمرير سياسات أو اتفاقيات تتعارض مع مصالحه الوطنية.
8 - تشويه صورة الحكومة وإظهارها بمظهر العاجزة عن حماية البلاد، مما يزيد الضغوط عليها لتغيير مواقفها.
9 - محاولة إظهار الأردن كدولة غير قادرة على حماية السفارات والمنظمات الأجنبية.
10 - تمهيد الطريق أمام المخططات الصهيونية، التي تهدف إلى دفع سكان الضفة الغربية نحو الأردن.
11 - تغيير أولويات الأردن، ودفعه إلى التركيز على القضايا الداخلية بدلاً من دوره الإقليمي والدولي.
ويُحسب لحكومتنا تعاملها مع هذه الحادثة بكل شفافية، مما يعكس نهجاً ذكياً ومدروساً في إدارة الأزمات والتواصل مع الشعب والمجتمع الدولي. فقد أظهرت احترامها لعقول المواطنين وحقهم في المعرفة والتعبير عن آرائهم، مما ساهم في الحد من انتشار الشائعات والمعلومات المضللة. كما بعثت رسائل واضحة للمجتمع الدولي بأن الأردن كيان قوي وقادر على إدارة الأزمات بعقلانية ومسؤولية. هذا النهج عزز الوحدة الوطنية والثقة بين الشعب وأجهزته الأمنية، وحصّن الجبهة الداخلية، وأظهر قوة واحترافية الأجهزة الأمنية في التعامل مع الاختراقات الأمنية مع الالتزام بسيادة القانون.
يجمع الأردنيون، بمختلف توجهاتهم السياسية والفكرية، على قدسية أجهزتنا الأمنية التي تُعد رمزاً للشجاعة والدفاع عن الوطن وقضاياه العادلة، ونموذجاً يُحتذى به في التضحية والبطولة.
أي مجنون أو خائن يمكن أن يوجّه سلاحه نحو رجال الأمن الذين يحمون المتظاهرين ويسهلون لهم التعبير عن آرائهم بحرية؟ بل، أي خائن يجرؤ على إطلاق النار على أحفاد أبطال معركة الكرامة ومعارك القدس واللطرون، أولئك الذين تشهد شواهد قبورهم في فلسطين على تضحياتهم وبطولاتهم الخالدة؟
وأي مجنون أو خائن يمكن أن يوجّه سلاحه نحو جنودنا الذين يمدون يد العون لإخوتهم في فلسطين، وينصبون مستشفياتهم الميدانية تحت القصف، تلك المستشفيات التي أصبحت قبلةً لأهلنا في غزة، شاهدةً على إنسانيتهم وشجاعتهم؟
نحمد الله تعالى ونشكر رجال أمننا البواسل على تصديهم لهذه العملية الجبانة، ونؤكد في الوقت نفسه ضرورة التحلي بوعيٍ عالٍ واليقظة التامة، لأن هناك بلا شك مخططات تُحاك ضد وطننا. وأولى خطوات التصدي لهذه المؤامرات هي تعزيز الوحدة الوطنية والالتفاف حول قيادتنا وأجهزتنا الأمنية وإعلامنا الوطني. نسأل الله تعالى الشفاء العاجل للمصابين من كوادر الأمن الأبطال، وأن يعودوا إلى أطفالهم وعائلاتهم معافين، يحملون النياشين على صدورهم فخراً بتضحياتهم وشجاعتهم.