الرأي العام في عصر العولمة.. طفل بلا قيود - فادي ابو بكر
الدستور- تزداد وسائل التواصل الاجتماعي خطورةً على الحرية والديمقراطية في ظل محاولة العديد من الأطراف الاستفادة من الانتشار الكبير لمواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها الكبير على متابعيها من كامل أنحاء العالم، من خلال توظيفها لخدمة مصالحها بهدف دفع المستخدمين لتبني مواقف سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية معينة، لا سيما وأن هذه المواقع مثّلت نقلة هامة في صناعة الإعلام زادت من حجم مساحة حرية التعبير في الكثير من الدول.
ترتبط هذه المواقع (فيسبوك وتويتر) بالكثير من المشكلات، لعل أبرزها وجود وابل متواصل من المعلومات والأخبار والتقارير والتحليلات التي تُمرر عبر هذه المواقع دون أن تخضع لأي تدقيق أو فحص. وما يزيد من قوة مواقع التواصل الاجتماعي أنها تقوم على آلية جذب انتباه المستخدم بشتى الطرق، ثم إعطاء مساحة أكبر للمواد التي تحظى بالقدر الأكبر من الانتباه، لدرجة أصبح فيها الخبر الذي يُنشر على الفيسبوك أو التويتر الأكثر وثوقاً بالنسبة للمستخدم!.
أصبح الرأي العام في عصر العولمة شيء مضحك بالفعل، فحتى لو كان من يحكم الدولة «أفلاطونياً»، ويحاول أن يفعل ما هو صحيح للشعب، إلا أنه لا يمكنه إرضاء الجميع أبداً، فكل جانب يكره الآخر، وكل طرف مقتنع بأن الآخر هو متستر خلف الأنانية والجشع والفساد.. كل طرف مقتنع بأي شيء إلا الحقيقة.
إن أصوات الحقيقة ليست هي الأعلى، بل صوت الرأي العام هو الأعلى، فهو يصرخ، ويصيح، ويهدد، ويتصرف وكأنه طفل بلا قيود، ويطالب بكل ما يشعر به بغضّ النظر عن المنطق. ومن هنا إن استجابت السلطة لهذا الصوت، حال كان غير منطقياً ولا يعبرّ عن الحقيقة، فإن هذا سيُدخل البلاد في مشكلات ومصيبات أكبر فأكبر. أما إذا كانت قيادة الدولة مستبدة وديكتاتورية، فإن الرأي العام بالتأكيد هو الصوت والسلاح الأقوى في وجه الطواغيت.
في ضوء اتجاهات وإشكالات الرأي العام في عصر العولمة، يمكن القول أن الشفافية وحدها لا تستطيع تجاوز العقبات، وأن الدولة أحياناً تكون مُجبرة على اتّباع تدابير أكثر صرامة وحزم لمحاربة (الجريمة) التي خلقت رأياً عاماً مضللاً.
* كاتب وباحث فلسطيني