عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Dec-2019

“إلى سما”.. الأمومة في مواجهة الحياة بمدينة حلب

 

إسراء الردايدة
 
عمان–الغد-  في الفيلم الوثائقي “إلى سما” الذي يتناول الحرب في سورية وتحديدا في مدينة حلب بمشاهد القتل والعنف فيها، إذ يصور حالة الصدمة والذهول لمن عاش أهوالا بمشاهدة جثث الأطفال وأشلائهم تتناثر أمام عينيه.
بين بيوت مدمرة ودموع وصراخ كلها مشاهد اعتاد العالم مشاهدتها منذ انطلاقة الحرب في سورية، والتي جمعها المخرجان وعد الخطيب وإدوارد واتس في شريطهما الوثائقي الطويل الأول، بهدف خطف الأنفاس وترك من يشاهده في حالة تشوش عاطفي.
عرض الفيلم الذي ينافس على جائزة ريشة كرامة ضمن الدورة العاشرة لمهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان، ويقدم في 90 دقيقة توثيقا لأكثر من 300 ساعة صورتها الخطيب في مدينة حلب التي مزقتها الحرب، وحولتها لفيلم وثائقي مع المخرج إدوارد واتس.
جمعت الخطيب أرشيفها المذهل، وهي تعمل لصالح محطات إخبارية متعددة آخرها القناة الرابعة البريطانية، من خلال صور بدأت بتوثيقها منذ انطلاق الثورة في سورية من أجل التغيير في 2011، وتحولت مع الوقت لأرشيف ضخم، كي تحكي للعالم ما يدور هناك، فكيف الحال أن تعيش مع الحرب، ومن الداخل تصور الحياة اليومية تحت الحصار والحرب والدمار والموت.
خمسة أعوام وهي تصور وتوثق، وخلال تلك الأعوام تغير الكثير بين قتل وتهجير، بدأت بطالبة ثم صحفية وأم تعيش تحت تلك الظروف، تخاطب ابنتها الصغيرة في مشاهد مختلفة خلال الفيلم، وهي تحكي لها حكاية حلب التي كانت، وكيف أصبحت بعد أن أنجبت طفلتها من آخر الاطباء في المدينة، وهو حمزة الخطيب الذي أنشأ مستشفى سريا لرعاية الضحايا وتقديم العلاج لهم بمساعدة من بقي هناك.
“سما، أنت أجمل شيء في حياتنا، ولكن ما هي الحياة التي جلبتك إليها”.. تلك هي الرسالة التي ينطلق بها الفيلم من الأم الى ابنتها في غرفة صغيرة مكونة من سريرين، حيث لا يدخل نور الشمس إليها، بسبب تراكم أكياس الرمل حول النوافذ، لتوفير حماية من القنابل التي تتفجر في الخارج.
مأساة حقيقية
“إلى سما” للمخرجة وعد الخطيب والمخرج البريطاني إدوار واتس، نال أكثر من 20 جائزة دولية أبرزها جائزة “العين الذهبية” لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان “كان” السينمائي الدولي في دورته الثانية والسبعين، تضمن لقطات مصورة عن ضحايا الحرب، بما في ذلك العمليات الجراحية الطارئة لضحايا القصف والأطفال الذين يموتون.
من أجل خلق توازن دقيق للاختيار ما بين لحظات اللقطات المتوفرة التي كانت تؤثر بما يكفي لتذكير المشاهدين بالحروب دون استبعادهم، فأرادت الخطيب الخروج من الصورة النمطية للتقارير والأفلام التي تقع في مناطق النزاع بأن كل شيء مجرد أرقام وبيانات يتم التعامل معها على هذا الأساس. إذ سعت لتوثق أن هؤلاء ليسوا ليسوا أرقاما.. لا صورا.. فكل شخص منهم يملك قصة وأسرة، ولديه ذكريات ومستقبل يحلم بأن يعيشه.
وحاولت الخطيب خلال 5 أعوام حماية نفسها وهويتها والتستر عليها، وهي التي كانت تنشر بين الفينة والأخرى بعضا مما التقطته عدستها، خشية توقيفها، حيث سيطر الجيش على الاحياء الشرقية لحلب بعد هجوم عسكري واسع وإجلاء عشرات الآلاف من المدنيين ومقاتلي المعارضة، وهو الوقت الذي اضطرت فيه الأسرة الصغيرة لمغادرة حلب برفقة صغيرتهما “سما”.
وهنالك أدلة كثيرة ومشاهد تتوالى ولا تتوقف، كيف باتت الحياة في حلب المحاصرة والمدمرة، ومشاهد تظهر أطفالا وكبارا يرتدون الأقنعة والكمامات في هجوم حلب العام 2016 الذي شبه بأنه هجوم “الأسحلة الكيماوية”، وقالت الأمم المتحدة بأنه تم استخدام غاز الكلورين السام حينذاك.
كما أن “إلى سما”، يضم كثيرا من اللقطات التي تدمع القلب وتترك المشاهد مذهولا من هول ما تنقله الكاميرا فهو ليس مجرد صورة، بل توثيق حي ومباشر يعلق بالذاكرة عما هي الحياة تحت الحصار المغلفة بالرعب والامل. فبين أعقاب غارة جوية وأخرى يظهر مشهد لامرأة حامل أطرافها مكسورة وشظايا في بطنها، وهي في موقع المستشفى المؤقت، لتنجب طفلا ولادة قيصرية طارئة، وتبقى هي تواجه الخطر، ولادة بين الموت، وآمال كبيرة بأن ينجو ذلك الصغير الذي ولد تحت النيران المتطايرة وسط المذابح في مشهد مروع يرثى له .
طيلة الفيلم لا يمكن النظر مباشرة إلى الشاشة، فكثير من الضحايا كانت تصور لأطفال يتم سحب جثثهم من مبان مدمرة أو توضع في طوابق مستشفى القدس السري المكون من خمسة طوابق.
وهؤلاء الأطفال كبروا وسط أصوات انفجارات تصم الآذان، وربما فقدت قدرتها على السماع بشكل سليم. أطفال يلعبون وسط حطام حافلات محترقة وآخرون انتظروا وحدهم بعد أن غادر الأغلب خارجا بحثا عن ملجأ آمن، خلال عدسة جالت بين جثث الأطفال، آخرون أحياء، ولكن مشوهون خائفون، وأيضا صمود الأطفال الذين ما يزالون يبتسمون ويلعبون حتى مع تعرض حياتهم للتهديد. في مشهد واحد، يتدفق الفرح على نحو غير متوقع.
تجرد من العاطفة
على الرغم من كون وعد الخطيب أما وزوجة، لكنها حاولت قدر الامكان أن تبقى على علاقتها بزوجها خارج إطار الصورة، فهما اللذان تزوجا وسط الحرب تتشارك مع المسعف الطبيب حمزة الرغبة في التغيير.
الزوجان يقدمان مثالا حيا لمن يعيش في مناطق النزاع، وامتلاكهما الشجاعة للعيش كأسرة، بين التنظيف والطهي، في المستشفى التي عاش بها كل من تبقى من أصحابهم الناشطين والفريق الطبي.
فالعاطفة لا مكان لها في مثل هذه الظروف، ولكن لا تخلو اللقطات من المحبة والانسجام بينهما، وقدرة الخطيب على فصل مشاعرها وأفكارها وتجاربها. ولا تنكر أمومتها، وهي تشاهد طفلتها التي ولدت خلال الأشهر الأخيرة لوالديها في حلب، على صوت القنابل والقصف.
مما لا شك فيه أن عمل “إلى سما”، فيلم لا يمكن نسيان أي من مشاهده، وأيضا درس في قيمة الحياة والاصرار على إحداث التغيير وعدم التخلي حتى النفس الأخير وشاهد حي على فظاعة الحرب ووحشية البشر في صراع من أجل فرض السيطرة التي تخلف وراءها ضحايا أبرياء يدفعون الثمن لرغبتهم بالعيش بكرامة.