الدستور -
في حنانية الشوب. لا الغناء، ولا رندحة الميجنا، أو بحة العتابا، كانت كلها تكفي الحصادين؛ ليخففوا من وطأة العمل، تحت سياط الشمس ومخارزها. ولهذا كانوا يلجأون إلى تكتيك آخر، يخفف من حرهم، ويلطف جوهم.
هذا التكتيك كان (سواليف الحصيدة)، إي الكلام المبالغ فيه، الفنتازي، المضحك أحياناً، أو الأحلام الكبرى، الشهية، المفرحة، أو المشاريع العملاقة، التي لها في البال جذر صغير، أو الكذبة الباردة التي بحجم جبل الشيخ. فهل ما زال حرُّ هذا الزمان، يتبدد بالكذبات الجميلة وسرد الأمنيات؟!.
ذات تموز طويييييييل تمنيتُ أمنية عمانية لذيذة: تمنيت نهراً من الشنينة الباردة، يشق مدينتنا، ويلطف أجواءنا، ويخفف ثقل (غيمة التلوث)، التي تخنق سماءنا، وتكبت أنفاسنا، بسبب السيارات وتناسلها الرهيب. هذا النهر الشنيني سيكسر أسنان هذه موجة العنيدة، ويلوي عنقها، ويعيدها إلى صحرائها فارعة دارعة.
بعضنا يتحول إلى كائنات ليلية، لا تقوى على الخروج في وضح الشمس، أو إلى نباتات ورقية غافية، في وداعة مكيفات الهواء. ولكننا لا ننسى أن هناك من لا يأكل خبزه، إلا انتزاعاً من فم الشمس وعينها، دون القدرة حتى على ترف بوح الأمنيات، وسواليف الحصيدة، أو رندحة العتابا. لهؤلاء نقول: يعطيكم العافية. فالأوطان لا تبنى دائماً في مكاتب ناعسة بمكيفات الهواء، بل تحتاج رجالاً في عين الشمس.
يوم أمس ومع أوج الموجة الحارة دندنت بنصيحة شعبية، لكل الأصدقاء الذين كانوا لا يبدأون حديثهم إلا بالتشكي والتأفف من حر يجعلنا نحس أن قرص الشمس دخل بيوتنا، لهؤلاء كنت أغني: (من حم الشوب اشرب رايب، ويله الماله قرايب). وحين تحدثت لهم عن تكتيك سواليف الحصيدة، قال بعضهم حسناً لنبدد شوبنا بسواليف عابرة للأمنيات.
في زمن حصايد القمح، كانت السواليف تنفع الحصادين، وتسلي عنهم، وتجعلهم لا يشعرون بثقل التعب وحم الشوب، وتجعلهم يحلمون بحلم طري كخدة ريش. في حالتنا اليوم، فللأسف سواليف الشوب، لن تزيدنا إلا شوباً ولوباً ونزقاً. وحتى العرط الفيسبوكي السهل والتوترة المتعالية وقطع الرأس بفقوسة، كلها لن تفيدنا. العرط وسواليف حصيدته تجعلنا نحيا شوبين معاً: شوب براني، وشوب جواني.
فلا أسهل من خراريف وسواليف ننثرها تحت هدير المُكيفات ونبثها من وراء الهوتف والشاشات. والحكي ببلاش.