عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Sep-2023

العلاقات الأردنية الأميركية.. تاريخ عميق*محمد يونس العبادي

 الراي 

إنّ البحث في العلاقات الأردنية الأميركية، هو أمر مطلوب اليوم، إذ ربط البلدان علاقات عمرها يتجاوز تاريخ التمثيل الدبلوماسي الرسمي، فإذا ما كان أول سفير أميركي في عمّان، رسمياً، قد عين في الثاني من فبراير شباط عام 1950م، فإنّ تاريخ العلاقات أبعد من ذلك.
 
إذ تشير الوثائق إلى أن الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، أرسل ببرقيات عدة لرؤساء أميركيين، وكان موضوع هذه البرقيات يتمحور حول فلسطين وقضيتها، ومن بينها، برقية أرسلها الملك المؤسس إلى الرئيس فرانكلين روزفلت، في 3 أذار 1944م، وعبر فيها عن قلقه بشأن مباحثات الكونغرس حول فلسطين ومصيرها.
 
 
 
ومما جاء فيها قول الملك المؤسس: «وإنه بناء على ما أكنه لبلادكم وللشعب الأميركي من الاحترام والإعجاب، فإني أصرح أنه في الوقت الذي تحاربون فيه مع الأمم المتحدة، في سبيل حريات الأمم والقضاء على الظلم، فإني أشعر بأن هذه المذكرات (أيّ المباحثات في الكونغرس) في الوقت المغاير مغايرة لذلك المبدأ»، في إشارة إلى مبدأ حق تقرير المصير، الذي نادى به روزفلت حينها.
 
وقد تلقى الملك المؤسس ردًا على هذه البرقية، حمل التأكيد على أن «حكومة الولايات المتحدة لن تأخذ أيّ قرارٍ يغير الوضع الأساسي في فلسطين، ما لم تأخذ مشورة العرب واليهود».
 
كما سجل للملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين (طيب الله ثراه)، بأنه أول زعيمٍ عربيٍ ومسلمٍ خاطب الرأي العام الأميركي، وذلك بعد عامٍ من نيل المملكة استقلالها، عام 1947م، في رسالةٍ نشرتها الصحافة الأمريكية، وكان موضوعها فلسطين.
 
إنّ أهمية هذه الرسالة، التي خاطبت الرأي العام الأمريكي، تجيء من محاورها التي ألقت الضوء، على ما يجري في فلسطين، وبأنها حاولت إيضاح ما يجري في فلسطين آنذاك، إذ يقول جلالة الملك المؤسس، في مطلعها: «يسرني أنّ أخاطب الشعب الأمريكي حيث إنّ مشكلة فلسطين المأساوية، والتي لن تحل أبداً دون تفهم وتعاطف والتأييد الأمريكي، ولقد كتبت ملايين من الكلمات عن فلسطين، أكثر من أيّ موضوع آخر، وإنني لن أتردد لإضافة شيئاً عليها، ولكنني أجد نفسي مضطراً ومن واجبي القيام بذلك».
 
ويواصل القول: «وإنني إذ مقتنع ولو بتردد أنّ العالم عامة وأمريكا بخاصة لا تعرف شيئاً عن قضية العرب الحقيقية في فلسطين».
 
ويؤكد الملك المؤسس، على متابعته لما تكتبه الصحافة الأمريكية، بقوله: «نحن العرب نتابع الصحافة الأمريكية أكثر مما تتخيلوا، وما تكتبه الصحافة عن القضية الفلسطينية، ولك، وبصراحة نحن منزعجين أنّ نجد أن لكل كلمة تكتب بخصوص الجانب العربي، يقابل ذلك ألف كلمة تكتب لصالح الجانب الآخر».
 
ويشرح جلالة الملك المؤسس، قائلاً: «إنّ قضيتنا بسيطة للفهم فمنذ حوالي ألفي عام وفلسطين عربية مائة بالمائة، ولا زالت عربية إلى يومنا هذا على الرغم من الهجرات اليهودية الكثيفة والمتتالية، ولكن مع استمرار هذه الهجرات سنجد أنفسنا كعرب أصبحنا أقلية في بلادنا فلسطين».
 
ويذكر الملك المؤسس بأنّ عدد اليهود في فلسطين آنذاك، بقوله إنه بلغ نحو 600 ألف يهودي، فيما عدد السكان العرب حوالي مليون ومائة ألف نسمة، ويحاول تبسيط الموضوع للقارئ الأمريكي، بقوله: «إنّ فلسطين بلد صغير، وتقارب مساحته بمساحة ولاية «فرمونت».
 
ويوضح الملك المؤسس بالقول: «إنني أدعوكم للتفكير، ولو للحظة، ففي خلال الـ 25 سنة الماضية، أصبح ثلث سكان فلسطين مفروضين علينا».
 
كما جاء في مخاطبة الملك المؤسس للرأي العام الأمريكي: «نحن في حيرة منذ فترة طويلة تجاه المعتقد القديم المتأصل في المجتمع الأمريكي، بأنّ فلسطين على الدوام هي أرض يهودية..».
 
لقد دعا الملك المؤسس، إلى قراءة التاريخ الحقيقي لفلسطين، شارحاً ما مرت به من فترات تاريخية على مدار ألفي عام.
 
ومما جاء فيها: «واسمحوا لي أنّ أبين أنّ القدس، تأتي بعد مكة والمدينة في قدستها الإسلامية، والحقيقة أنّه وفي الأيام الأولى للإسلام كان المسلمون يصلون باتجاه القدس».
 
ويؤكد الملك المؤسس، بأنّ الاضطهاد الذي حصل لليهود، لم يكن من صنع العرب، «نحن شعب كريم، ونفتخر بكرمنا.. نحن إنسانيون، ولم يتعجب أحد أكثر منا من ذلك الإرهاب الذي قام به الهتلريون».
 
ويؤكد الملك المؤسس، بأنّ «فلسطين، لا تستطيع أنّ تقبل أكثر مما قبلت من اليهود»، آنذاك.
 
لقد حاول الملك المؤسس، بأنّ يؤكد على عدالة قضية فلسطين، وعدم منطقية، ما يجري من دعمٍ للمنظمات الصهيونية على حساب سكانها العرب، وختم بالقول: «ماذا سيكون جوابكم، لو طلبت منكم منظمة من الخارج أنّ تقبلوا في وسطكم ملايين من الأغراب، كي يسطيروا على بلادكم، وذلك فقط لأنهم أصروا أن ياتوا إلى أميركا، ولأنّ أجدادهم قد عاشوا قبل ألفي سنة، إنّ جوابنا هو مثل جوابكم، وماذا ستفعلون إذا أصرت المنظمة الخارجية، على إحضارهم رغماً عنكم، إنّ ما سنفعله، هو تمام ما ستفعلونه».
 
وقد تعززت هذه العلاقة على مدار نحو نصف قرن، في عهد الملك الحسين بن طلال، حيث مر العالم بظروف استقطاب متقلبة بين شرق وغرب، إلى أن انتهى بعالم القطبية الواحدة.
 
واليوم، وفي عهد الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، فإن هذه العلاقة استراتيجية، فواشنطن من أكبر الدول المانحة للأردن، ورغم التباين السياسي إلا أن الحنكة الملكية تحاول التأثير في صنع القرار بواشنطن لأجل خدمة مبادئ وطنية وقومية.
 
إنّ العلاقات الأردنية الأميركية اليوم، هي استراتيجية، ولكنها في بعدها التاريخي عميقة، وهي تعبير عن دبلوماسية الأردن التي أرساها ملوك بني هاشم لصالح الأردن، والأمة ومبادئها.