عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Nov-2025

في يوم التسامح.. كيف نربي جيلا يعرف حقوقه دون أن يتنازل عنها؟

 الغد-تغريد السعايدة

 التسامح ليس تساهلا أو شعور باللامبالاة، بل هو احترام وتقدير للتنوع الغني لثقافات عالمنا، ولأشكال تعبيرنا، ولطبيعتنا الإنسانية. هكذا كان الهدف من إعلان الأمم المتحدة العام 1996 تخصيص يوم 16 من (تشرين الثاني) يوما للتسامح العالمي.
 
 
هذا التسامح لا يلغي أهمية الاعتراف، في الوقت ذاته، بالحقوق والواجبات؛ إذ يرى القائمون على هذا اليوم أن "التسامح هو ما يمكن أن يضمن بقاء المجتمعات المختلطة في عالم يضم أجناسا وأعراقا وطباعا مختلفة".
وقد يكون البدء عبر العلاقات الشخصية في تحديد مفهوم التسامح داخل مجتمع أكثر رحمة ومرونة، بالتوازي مع إعطاء كل ذي حق حقه، لتكون تلك المنظومة الاجتماعية الحافظة لهذا النسيج، بدءًا من السنوات الأولى من عمر الإنسان.
 الفرق بين التسامح وحفظ الحقوق
"أخاف أن أعلمه التسامح فيصبح ضعيف الشخصية ويتنازل عن حقوقه"، هذا هو معتقد العديد من أولياء الأمور، في ظل مجتمع يعيش فيه الطفل اليوم ظروفا معيشية مختلفة عن الأجيال السابقة، وأجواء جعلته "قوي الشخصية، مستعدا للحوار والشجار في الوقت ذاته".
في المقابل، تعمدت إحدى رياض الأطفال تقديم انطباع مختلف عن هذا المنطق، عبر دروس قصيرة ومعبرة للأطفال حول أهمية التسامح في الحياة. حيث قامت معلمات الروضة، وسط أنشطة ترفيهية وتوعية بهذه المناسبة، بتعليم أطفال مرحلة ما قبل المدرسة أن التسامح يبدأ من "أن نبتسم لبعضنا حتى بعد الخصام، أن نحترم أفكار وطريقة لعب كل صديق، وأن ننسى الأخطاء الصغيرة ونركز على المحبة".
وتحدثت المربيات للأطفال عن أن التسامح يجعل قلوبنا بيضاء وضحكتنا قريبة، وأن كونك شخصا متسامحا يعني أنك تسعد نفسك ومن حولك. وأن "التسامح هو أفضل نتيجة للتربية؛ نتعلم ونعلم أن قوة الشخصية تكمن في العفو والمسامحة، وأن الاختلاف سر جمال الحياة".
 متى يجب أن يكون الانسان متسامحا؟
وعن ثقافة التسامح في مراحل معينة من حياة الفرد، تقول اختصاصية علم النفس والنمو الدكتورة خولة السعايدة إن هذه التفاعلات التي تصدر عن الإنسان تبدأ من التنشئة الاجتماعية، ومن طريقة تعامل الفرد مع من يسيء إليه في مواقف مختلفة. وتشير إلى أن على الأهل أن يكونوا داعمين لأبنائهم، وأن يوضحوا لهم متى يجب أن يكون الإنسان متسامحا من دون الانتقاص من حقوقه.
من جانبه، يرى الاستشاري الأسري والاجتماعي مفيد سرحان أن التسامح من القيم السامية التي تساهم بشكل كبير في بناء علاقة أسرية مستقرة، وتعزز من التواصل الفعّال بين أفراد الأسرة وتشجع على التفاهم والتعاون. وهذا يساعد في الحفاظ على جو أسري يسوده الاحترام والمحبة، حيث تلعب الأسرة دورا كبيرا في تعزيز ثقافة التسامح من خلال توفير بيئة تشجع على احترام وقبول الرأي الآخر والتجاوز عن زلات الآخرين سواء من أفراد الأسرة أو غيرهم.
كما ترى السعايدة أن علاقة الفرد بالآخرين من عائلة وأقارب وأصدقاء وغرباء، وبخاصة الصغار منهم، هي ما تحدد طبيعة تعاملهم وتقبلهم لفكرة مسامحة الآخرين، سواء كانوا كبارا أو صغارا. وتشير إلى أن هناك اشخاصا قد يتولد لديهم الشعور بالندم احيانا عند مسامحة الآخرين في ظروف معينة، وهذا ما يجب على الأهل تعليمه لأبنائهم، وهو أن التسامح قيمة سامية تحتاج إلى قوة وليس ضعفا.
 التسامح فيه نقاء للروح وصفاء القلب
"لو عاد بي الزمن لما سامحت شخصا على أي خطأ في حقي"، هذا ما تراه سحر العزام الآن بعد سنوات طويلة من الخبرة في الحياة، على حد تعبيرها. إذ تشير إلى أن ما كانت تسامح به في حياتها اكتشفت أنه كان عبارة عن تنازلات عن حقوقها التي لم تعد الآن قادرة على استرجاعها.
وتعتقد سحر أن الناس من حولنا عندما يدركون أنك شخص متسامح ومتساهل، فإن ذلك يفتح المجال لدى البعض للتمادي وعدم احترام الشخص المقابل والاستهانة بحقوقه، كما تقول. وهذا يؤثر بشكل كبير على نفسية الفرد على المدى القريب والبعيد، وقد يضطر الشخص فيه إلى "التقوقع" وتجنب الاختلاط.
وفي ذات السياق، يقول سرحان أن التسامح فيه نقاء للروح وصفاء القلب، وهو درجة من درجات الإحسان، وهو صفة نبيلة تتسم بها النفس الإنسانية، وبالتسامح نتغاضى عن أخطاء الآخرين تجاهنا، ونخلق لهم الأعذار؛ والتسامح أيضا هو الترفع عن الصغائر وعدم مقابلة الإساءة بإساءة مثلها وله آثار إيجابية كبيرة على النفس البشرية، ودور كبير في تماسك الاسر والمجتمعات ونشر المحبة بين الناس.
تجاوز الأخطاء الصغيرة 
كما ان التسامح يساهم في تجاوز الأخطاء الصغيرة أو الاختلافات الشخصية بين أفراد الأسرة، مما يقلل من التوترات والمشكلات الاستقرار الاسري، وعندما يشعر أفراد الاسرة بأنهم في بيئة متسامحة، يصبحون أكثر استعدادا للتعبير عن أنفسهم دون خوف من اوتأنيب أو لوم، وكل فرد من أفراد الاسرة أكثر استعدادا لتحمل المسؤولية عن أخطائه بحسب سرحان، ما يعزز الثقة المتبادلة بين أفراد الأسرة ويساهم في حل المشاكل بشكل سريع وفعال.
ويشدد سرحان على أهمية ان تسود أجواء التسامج الأسرة، بشكل خاص، ذلك من شأنه أن يحسن العلاقات الأسرية من خلال الحرص المتبادل على تصحيح الأخطاء وتفادي الوقوع في المشكلات، وتعزيز العلاقة العاطفية بين الزوجين وبين الأهل والأبناء، وتعميق مشاعر الالفة والمحبة بين الجميع مما يقوي الروابط الأسرية. لذا، تؤكد السعايدة أيضا على ان الصفات المحببة بين أفراد الأسرة يمكن ان تستمر، وتسود أجوائها الطمأنينة والسعادة في حال بدأ الأهل مبكراً في تعزيزها لديهم، وان تسود هذه الصفة داخل الأسرة أولاً، ومن ثم في المجتمع، والحرص على تطوير تلك الصفات بطريقة تأمن لهم حياة متوازنة يكون في الابن قادر على معرفة حقوقه وواجبته اتجاه الآخرين.
 نمو الأطفال في بيئة متسامحة
وهو ما يؤكد عليه سرحان، فعندما ينمو الأطفال في بيئة متسامحة، فهم يتعلمون القيم الاجتماعية المهمة مثل التفهم، والاحترام، والتعاون، وهذه القيم لا تساهم فقط في تحسين علاقاتهم داخل الأسرة بل تمنحهم القدرة على بناء علاقات سليمة مع الآخرين.
ويمكن للأهل تعزيز قيم التسامح داخل الاسرة، كما يبين سرحان، من خلال "الاستماع إلى جميع الآراء دون إصدار أحكام مسبقة، لتعزيز التسامح خلال النقاشات ويشجع على الحوار والتعبيرعن آرائهم بحرية، والاهتمام بالأنشطة الاسرية المشتركة مثل اللعب أو الرحلات العائلية أو القراءة للأطفال، وتخصيص وقت للحوار والنقاش في الموضوعات التي تهم الاسرة والمجتمع". 
كما يلفت لأهمية المشاركة في الأنشطة التطوعية والخيرية لجميع أفراد الاسرة، وادراك أن التسامح في العلاقات الأسرية ليس مجرد قيمة أخلاقية بل اساس لبناء أسرة مستقرة تسودها المحبة والاحترم المتبادل، بحسب سرحان، بما يقلل من الخلافات بين أفراد الاسرة وتعزيز الثقة المتبادلة، وتحقيق التفاهم بين الجميع، كأحد روافد تعزيز العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وتقوية الثقة المتبادلة كقوة إنسانية تنمي الأفكار البناءة في النفس والمجتمع. 
الآثار الاجتماعية والنفسية للتسامح
كما أن للتسامح آثارا اجتماعية ونفسية إيجابية تعود بالفائدة على الصحة النفسية للفرد والمجتمع، كونه قيمة تساعد على الشعور بالراحة النفسية، وتعمق مشاعر الحب بين الناس، وشعور الشخص بالسعادة والراحة والانسجام، وهي من الفوائد التي يؤكد عليها سرحان لهذه الصفة الإنسانية.  كما ان التسامح يكسب الإنسان التصالح مع النفس، ويبعده عن التوتر والغضب الذي يعرضه للأمراض النفسية والجسدية، بينما التسامح يجعل النفس هادئة وبعيدة عن التوتر، ويحسن صحته، وعندما يعم التسامح فإن ذلك يؤدي إلى انتشار المحبة والألفة والقدرة على تجاوز الأخطاء، بل ويكون الشخص "قدوة" للآخر.
 طبيعة الأشخاص في المجتمع مختلفة، فمنهم السيء، ومنهم الجيد؛ ومنهم من يحفظ الود والصداقة، ومنهم من لا يفعل ذلك؛ ولكن من واجبهم أن يكونوا قادرين على التسامح والنسيان، وعلى رد الإساءة بحسن الخلق والعفو لا بإساءة مثلها.