الصمت المجتمعي حيال "العنف الأسري".. هل ينذر بتفاقم الجرائم؟
الغد-هديل غبون
أعادت جريمة مقتل طفلين (5 أعوام و8 أشهر) على يد والدهما بعد رميهما في سيل الزرقاء أول من أمس، فتح ملف جرائم القتل الأسرية ومدى فاعلية منظومة الحماية، والتأثير الحقيقي للتوعية بشأن رفض التسامح بالمطلق مع العنف الأسري والتستر عليه في المجتمع، وسط تصاعد المخاوف من تسجيل مزيد من جرائم القتل الأسرية، بما في ذلك الجرائم التي "تتخذ طابعا مركبّا" في طريقة ارتكابها وغير مسبوقة في الوقت ذاته.
وترتكز اتجاهات الدراسة المحلية، والقراءات السابقة بشأن العنف الأسري، إلى أن ارتكاب جريمة قتل عائلية أو أسرية، تسبقه دوامة من العنف المسكوت عنه، فيما تتعالى اليوم دعوات المختصين لضرورة إجراء فحوصات تتعلق بالسلامة النفسية لمرتكبي جرائم العنف والقتل الأسرية، وكذلك فحوصات تعاطي المخدرّات، للتوصل لمؤشرات "أكثر حسما" في قضية العنف الأسري وجرائم القتل داخل العائلة تحديدا ضد الضحايا الأطفال والنساء.
ولا يعد تزايد "تسجيل" قضايا عنف أسري لدى جهات الإحصاء أو إدارة حماية الأسرة والأحداث مؤشرا على زيادة العنف المرتكب في المجتمع بحسب خبراء، بقدر ما هو مؤشر على تزايد الوعي بالتبليغ عنه، إلا أن تزايد ارتكاب الجرائم الأسرية بحد ذاتها، قد يعتبر مؤشرا شديد الخطورة على تنامي الحالات رغم التقدم الذي حققته المملكة على مستوى منظومة تقديم خدمات الحماية وعلى مستوى التشريعات.
يقول الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة د.محمد مقدادي، إن حادثة سيل الزرقاء من الحوادث الأكثر بشاعة وأكثرها خطورة لارتكابها من أحد أفراد العائلية المسؤول بالدرجة عن حمايتها، منوها لضرورة التمييز بين مسارين بتحليل مؤشرات قضايا القتل الأسرية، الأول مرتبط بوجود سجل سابق من العنف لدى العائلة أو الجاني لدى الجهات المختصة وكيف تم التعامل معه، والمسار الثاني المرتبط بوجود مشاكل أو خلافات لم يبلغ عنها، ولم تقم العائلة بتقديم الدعم والعون أو التدخل وتم السكوت عنه.
وشدد على أهمية الوقاية من وقوع هذا النوع من الجرائم مرتبط بهذين المسارين، في الوقت الذي تتوفر فيه تشريعات جيدة لمواجهة العنف وكذلك بالنسبة للعاملين في مجال الحماية ومقدمي الخدمات.
وأضاف" لدينا تشريع جيد وإجراءات مكتوبة ومنهجية إدارة حالة للعنف الأسري، ومقدمو خدمة تم تدريبهم طوال السنوات الماضية، لو تم التبليغ عن العنف سابقا واتباع جميع الإجراءات كان من الممكن الوقاية من هذه الجرائم خاصة إذا كان هناك فرد أو شخص داخل العائلة يشكّل خطورة عالية على أفراد العائلة خاصة إذا كانوا أطفالا، كان من الممكن سحبهم وإيداعهم في مكان آمن".
وأكد مقدادي الذي يرأس الفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف، أن الفريق يتابع عبر الجهات المختصة والمعنية، كيفية التعامل مع الحالة وتفاصيلها ومدى الاستجابة لها وفيما إذا تمت دراسة عوامل الخطورة أم لا.
وأكد على أن كل الأدبيات السابقة حول جرائم القتل الأسرية، اتجهت لمؤشرات وجود اضطرابات لدى الجناة ومرتكبي العنف الأسري، سواء جراء عوامل اجتماعية أم اقتصادية أو اجتماعية أو مشاكل تعاطي مخدرات، بحسبه.
وأضاف" من الصعب القول بأن ارتكاب مثل هذه الجريمة البشعة قد تتم على يد شخص طبيعي أو ليس لديه ممارسات سابقة للعنف داخل الأسرة".
وفي الوقت الذي لم تتضح فيه حقيقة تسجيل شكاوى سابقة في سجل عائلة الضحايا رسميا لدى الجهات المختصة، إلا أن المقدادي يرى ضرورة كبيرة بإخضاع مرتكبي الجنايات والقتل لفحوصات تعاطي المخدرات للاستدلال على مؤشرات حاسمة في هذا السياق، وإن كان هناك دلائل تشير إلى عامل مشترك من هذا النوع بين الجناة.
وكانت "الغد" قد نشرت في وقت سابق أبرز نتائج الإحصاءات التي وردت في تقرير الفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف لسنة 2023، وقد أظهرت تسجيل قرابة 19 ألف قضية عنف لدى سجلات إدارة حماية الأسرة، فيما بلغ عدد القضايا من كل جهات الرصد والمؤسسات، قرابة 58 ألف قضية مع وجود عامل التكرار فيها.
وتشير دراسات سابقة مثل مسح السكان والصحة الأسرية لسنة 2023 المتعلق بالعنف الأسري، أن 61 % من الضحايا من النساء مثلا ممن سبق لهم الزواج والتعرض للعنف "الجسدي"، لم يبحثن عن مساعدة ولم يخبرن أحدا، وأن 3 من كل 5 من ضحايا العنف الزوجي لم يخبرن أحدا عن تعرضهن له، ولم يسعين للحصول على مساعدة.
وفي أحدث رصد لجمعية تضامن النساء، فقد أشار لارتفاع عدد قضايا القتل الأسرية العام الماضي، حيث بلغت 25 قضية قتل أسرية مروعة، وبواقع قتل 18 أنثى على يد أقاربهن بينهن 4 طفلات، وبزيادة تقدر بما نسبته 18.5 % عن العام 2023.
وفي هذا السياق، تقول الباحثة زهور غرايبة من جمعية تضامن النساء لـ"الغد"، إن الحديث عن جرائم القتل الأسرية يعني وقوع كارثة داخل كيان الأسرة، حيث يمتد أثر وتداعيات الجريمة ليس على الجاني أو الضحية فقط بل إلى كل أفراد الأسرة.
وتشير غرايبة إلى خطورة هذا النوع من الجرائم لارتكابها ضد أكثر الفئات هشاشة مثل النساء والأطفال، قائلة إن التحليلات لبعض الجرائم المرتكبة مثلا العام الماضي، للنساء اللواتي أنهيت حياتهن، قد تبين بأنهن مررن بدائرة وسلسلة متواصلة من العنف الأسري وأنهن صمتن على هذه الجرائم، كما في إحدى الجرائم التي وقعت في منطقة عين الباشا وقتلت فيها فتاة على يد شقيقها بسبب الضرب المبرح، وحادثة قتل أخرى مشابهة في عمّان.
وتنتقد الغرايبة، العديد من التبريرات المجتمعية حيال جرائم العنف الأسرية واعتبارها ليست ظاهرة، وقال "هل سننتظر أن تصبح ظاهرة حتى يتم التحرك؟، ورأت بأن هناك قصورا مجتمعيا حيال مفهوم العنف الأسري وإدانته، وأوضحت بالقول" العنف الأسري دائما المجتمع يبرره ويعتبره شأنا خاصا، هذه نظرة قاصرة.
وتعتقد الغرايبة بأن الحديث عن وجود اعتلالات نفسية عند مرتكبي جرائم القتل الأسرية لا يعني تبريرها بالمطلق، بل إن الخطورة تكمن في السكوت عن هذه الحالات مجتمعيا وعائليا والخوف من وصمات العار واللجوء إلى الزواج وتكوين عائلة بدلا من معالجة هذه الاعتلالات، حيث تدفع العائلة الثمن.