“التربية المثالية”.. هل تنمي حس المسؤولية لدى الطفل؟
ديما محبوبة
عمان –الغد- “مثاليات، خطوط رئيسية وفرعية، كتب في علوم التربية، تطبيق عملي لهذه النظريات، وكأن الأطفال جزء من فهارس تلك الكتب”، هذه هي بعض من تصرفات أسر تتعامل مع أبنائها وكأنهم “روبوتات”، من خلال التصرفات وفقا لطموح الأهل.
فأم عون على سبيل المثال، تسير وفق قاعدة “الممنوعات أكثر من المسموحات”، وتبرر ذلك بأنها أم لأربعة أطفال، أعمارهم متقاربة، من العامين إلى العشرة، يحتاجون منها رعاية كبرى، ولأن “حياتها صعبة” فهي أم عاملة، ولا يوجد أحد يساعدها، ربتهم بشكل حازم.
تقول، “الركض ممنوع داخل المنزل وخارجه، إذ أخاف عليهم من السقوط على طاولة أو الارتطام بجدران المنزل، وقد يؤدي إلى كسر أحد أطرافهم أو التعرض للنزيف، وخارج المنزل لا أستطيع السيطرة على أربعة أطفال وحدي، إلا إذا كانوا بالقرب مني وبعيدين عن التمرد واللعب والركض”.
وتؤكد أن الزمن الذي نعيش به، وكثرة الأخبار السيئة جعلت الخطف وسرقة الأطفال والتعرض للعنف وغيرها أمرا مرعبا للأهالي، مما يجعلهم أكثر خوفا وحرصا على أطفالهم فيحدون من حريتهم، وحتى يمنعون عنهم الكثير من الترفيه واللعب حتى لا يكون الضرر أكبر كفقدانهم، حسب تعبيرها.
تحاول أم عون الاسترخاء وعدم تقييد حركة أطفالها، وأدركت مؤخرا أيضا أهمية ألا تحمل الأخ الأكبر مسؤولية الأخ الأصغر خلال أوقات اللعب سواء داخل المنزل أو خارجه.
وفي هذا الصدد يؤكد التربوي د. محمد أبو السعود، أن تربية الطفل أمر في غاية الصعوبة، وعادة ما يقف الأهل حائرين بين حكمهم ومتطلبات واحتياجات الأطفال ورغباتهم، لذا غالبا يخطئون في هذه الأحكام.
أما الكارثة من وجهة نظره، في إلقاء المسؤولية على الأخ الكبير في الاعتناء بالأخ الصغير، خصوصا وقت اللعب، إذ يرى أن حياة الطفولة يتمناها الجميع، لأنها بلا مسؤولية ولا نزاعات والضحك فيها أكثر من الغضب واللعب والمرح أكثر من الالتزام والعمل والدراسة.
“لكن مع رؤية ما يعيشه الكثير من الأطفال في هذا العصر، ومع انشغال الأهالي في أعمالهم، نجد أنهم يعيشون عمرا أكبر من عمرهم، وحياة بائسة كلها مسؤوليات، يعيشها الطفل مبكرا.
أما سمر الفارس وهي أم لطفلة تبلغ من العمر خمسة أعوام، تسعى إلى الأفضل لأجل ابنتها، وتحاول إثبات سلطتها كأم ومربية جيدة، فالجميع كان يصفها بعدم المسؤولية، وبعد أن أصبحت أما أرادت إثبات العكس، لكنها اكتشفت أن ما اعتقدته الأفضل لطفلتها، هو الأسوأ لشخصيتها. وتذكر أنها كانت شديدة الحزم ولديها الكثير من القواعد التي تسنها على طفلتها رغم صغر سنها، وخصوصا عند الخروج من البيت وأهمها عدم اتساخ الملابس والمحافظة عليها نظيفة وبحلتها الجديدة، مما يحد من حركة ابنتها، ويبقيها في خوف دائم من الاتساخ، والعقاب على ذلك كحرمانها من اللعب أو مشاهدة برامج الأطفال.
وفي هذا الإطار يؤكد أبو السعود، أن إلزام الطفل بصورة الطفل الأنيق وذي الملابس العطرة النظيفة طوال الوقت، ما يعني أن عليه السير بحذر والتصرف بحذر، وبالتالي التفكير أكثر بطلبات أهله بالحفاظ على النظافة أكثر من الاستمتاع بوقته ومرحه خارج المنزل وداخله أيضا. وبالعودة إلى سمر، التي تؤكد أنها تسعى كثيرا لقضاء وقت جيد وممتع مع طفلتها، إلا أنها دائما تعود إلى المنزل بعكس ذلك، حيث تعود عصبية ومتضايقة وابنتها شديدة البكاء والغضب من تصرفات والدتها وكثرة القيود.
وهنا أدركت أن عليها تغيير طريقة التربية من جذورها، وأن تعطي ابنتها مساحة حرية أكبر، وشراء ملابس مخصصة لأوقات اللعب، تلبسها في حال الاستمتاع والخروج مع ابنتها، إلى الحدائق، لتقوم بما يحلو لها، لتعودا إلى لبيت بنفسية مختلفة ومريحة ومرضية للطرفين.
وتضيف أنها شعرت بتغير ابنتها تجاهها، وأنها باتت أقرب لها، وتشعر وكأنها صديقتها، وأكثر تفهما لطلب والدتها في أمور أخرى كالاهتمام عند تناول الطعام عند الأقارب، بالمقابل تجعلها تأكل براحتها في المنزل، ولا تشترط نظافة المكان كما كانت في السابق.
ويؤكد السعود أن العديد من الأهالي يمنعون أبناءهم من الجري واللعب خارج المنزل أو حتى داخله، والسبب الرئيسي هو الخوف عليهم، لكن هذا الفعل يحد من طبيعة الطفل في الجري واللعب والمرح، فالحياة السريعة والحديثة أحدثت التقوقع لعالم الطفل، فيذهب للمدرسة في السيارة ويعود كذلك، ومنع من الخروج إلى الحارات للعب مع أترابه، حتى أصبحت حياته بلا حركة وهذا يعني عدم إعطاء الطفل حريته والحد من عضلاته ونموه السليم.
ويضيف أن الطفل اليوم مسؤول عن ذاته وعليه أن يلعب وأن يكون أكثر وعيا بما يمكن أن يضره، لكن إن حدث ما يضره فعلى الأهالي أن يكونوا أكثر تفهما ووعيا، وان الاحتضان في لحظتها هو المطلوب، حتى أن التوعية وإعطاء النصائح يمكن تأجيلها إلى وقت آخر.
ويؤكد أبو السعود أن بعض الأهالي يطلبون من أطفالهم إنهاء اللعب فورا أو حتى إنهاء مشاهدة التلفزيون وبرامج الكارتون، أو النوم فورا جميعها أوامر لا يستقبلها عقل الطفل فورا، فهو بحاجة إلى الحديث والطلب بمراحل فعلى سبيل المثال علينا إنهاء ما نقوم به خلال وقت كاف، قبل ربع ساعة مثلا، وبعد مضي نصف الوقت يتم التذكير، وقبل انتهاء الوقت يتم التذكير وتعريفهم بأن الوقت شارف على الانتهاء، فيصل الأهل لمرادهم بلا معارك ولا صراخ ولا بكاء، والجميع يكون راضيا عن النتيجة.