الغد
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
جوناثان كوك* - (كونسورتيوم نيوز) 7/3/2025
ثمة سبب ملح لإبقاء انتباهنا مركزًا على دور "توجيه هانيبال". إنه على صلة وثيقة بما يحدث في الوقت الراهن.
أولئك منا الذين يلحون في الحديث عن استخدام إسرائيل لما يسمى بـ"توجيه هانيبال" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 -الذي قتلَت فيه إسرائيل مواطنيها للحيلولة دون وقوعهم أسرى في يد حماس- يتعرضون للهجوم وتشويه السمعة على أساس أنهم يبررون جرائم "حماس" في ذلك اليوم.
ليس هذا هو السبب في أننا نلفت الانتباه إلى هذه القضية. إننا نفعل هذا، في جزء منه، لأن بعض الصور الأكثر رعبًا من 7 تشرين الأول (أكتوبر) للجثث المتفحمة والسيارات والمنازل المحطمة في إسرائيل -التي تم تقديمها كدليل على همجية خاصة يُفترض أنها نمطية في سلوك الفلسطينيين- كانت في الحقيقة ناجمة -بشكل شبه مؤكد- عن استحضار إسرائيل لتوجيهها القائم على فكرة الأرض المحروقة في ذلك اليوم.
وقد أصبحت هذه الصور مركزية في الحملة الدعائية التي أطلقتها إسرائيل والمدافعون عنها لتبرير المجزرة الجماعية التي نفذتها في حق أطفال غزة على مدى الأشهر السبعة عشر اللاحقة.
لكنّ هناك أيضًا سببًا أكثر ضغطًا وإلحاحًا لإبقاء اهتمامنا مركزًا على دور "توجيه هانيبال"، وهو يتصل بما يحدث الآن.
[أصدر الرئيس دونالد ترامب تهديدات عسكرية لغزة بشأن العواقب التي ستترتب على عدم تسليم الرهائن الإسرائيليين، والتي تقول "حماس" إنه إذا تم تنفيذها، فإنها ستقوض شروط وقف إطلاق النار].
ما تزال إسرائيل والولايات المتحدة تطبقان "توجيه هانيبال" -ضد الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
كان الهدف من التوجيه دائمًا هو منع العدو من استخدام الرهائن الإسرائيليين كوسيلة ضغط لإجبار إسرائيل على القدوم إلى طاولة المفاوضات -في المقام الأول للضغط عليها لتسليم أي من آلاف الرهائن الفلسطينيين الذين تحتجزهم في معسكرات التعذيب في سجونها، الذين لم يتم توجيه أي اتهامات إلى العديد منهم أو محاكمتهم.
تخبرنا إسرائيل والولايات المتحدة بأنه يجب عليها استهداف غزة بقصف سجّادي -في ما يرقى إلى ما "من المعقول اعتباره إبادة جماعية"، وفقًا لأعلى محكمة في العالم- من أجل إجبار "حماس" على إعادة الأسرى الإسرائيليين. لكنّ الواقع هو أن إسرائيل والولايات المتحدة تقومان بقتل هؤلاء الأسرى أنفسهم بتهور بأفعالهما.
لماذا تفعلان؟ حتى لا يتعين عليهما التفاوض على وقف لإطلاق النار. حتى تتمكنا من الاستمرار في الإبادة الجماعية من دون الضغط الذي ينطوي عليه التعامل مع مصير الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
كان هذا بالضبط النهج المتهور نفسه الذي اتُّبع في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، عندما أظهرت إسرائيل أنها غير مبالية بما إذا كان الإسرائيليون سيعيشون أو يموتون طالما أنه لا يتم أسرهم.
لهذا السبب -كما حدث في إحدى الحالات التي نعرفها- أطلق الجيش الإسرائيلي النار على منزل في كيبوتس بئيري، مع علمه بأن هناك عشرات الإسرائيليين أو أكثر في الداخل، بمن فيهم أطفال.
كان الجيش غير مبال على الإطلاق بما إذا كان هؤلاء الإسرائيليون سيُقتلون نتيجة لذلك. وقد فعلوا جميعًا باستثناء اثنين. وكان هذان الشاهدان هما السبب الرئيسي الذي يجعلنا نعرف ما حدث هناك حقًا.
لهذا السبب، أطلقَت مروحيات الأباتشي الإسرائيلية النار بلا تردد على مئات السيارات التي فرت من مهرجان نوفا الموسيقي، غير مبالية بما إذا كانت السيارات تحمل مقاتلين من "حماس" أو مواطنين إسرائيليين. ويعترف، حتى وزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، بأنه تم تفعيل التوجيه في ذلك اليوم. ولن نعرف أبدًا عدد الإسرائيليين الذين قتلوا -في ما يرجع جزئيًا إلى أن إسرائيل لن تخبرنا عن ذلك أبدًا. حتى أنها دفنت العديد من السيارات المدمرة لتحول دون إجراء تحقيق جنائي.
لكن ما نعرفه على وجه اليقين هو أن الجيش الإسرائيلي قتل الكثير من الإسرائيليين في 7 تشرين الأول (أكتوبر).
مع ذلك، رفضت وسائل الإعلام الغربية، بإصرار، النشر عن "توجيه هانيبال"، على الرغم من أن الحديث عنه منتشر في كل أنحاء وسائل الإعلام الإسرائيلية. وهذا بالتأكيد أكثر من مجرد فشل لوسائل الإعلام الغربية؛ إنه جريمة في حق الصحافة -إن لم يكن تواطؤًا في الإبادة الجماعية نفسها.
تحتاج الجماهير الغربية إلى معرفة أنه تم استحضار "توجيه هانيبال" لسبب بسيط للغاية: لأنه معلومة حاسمة لتقييم مصداقية ادعاءات إسرائيل والولايات المتحدة بأنهما تحاولان إعادة الأسرى الإسرائيليين أحياء، ولتقييم دوافع إسرائيل للعودة إلى استئناف الإبادة الجماعية في غزة.
لاحظوا كيف أن ترامب، في تغريدته الأخيرة المشوشة، يتهم حماس بـ"قتل" الإسرائيليين المحتجزين في غزة. وهذا تضليل صرف مستلهَم من إسرائيل.
من الواضح أن معظم الأسرى القتلى، إن لم يكن جميعهم، لم يُقتلوا على يد خاطفيهم من "حماس"، وإنما نتيجة للقصف الإسرائيلي الهائل والمتهور الذي استمر على مدى 15 شهرًا لمنطقة غزة الصغيرة. هذا القصف نفسه، الذي يعادل في حجمه وتدميره ستة من القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما، دمر غزة وقتل عشرات الآلاف -وربما مئات الآلاف- من الفلسطينيين.
لماذا يبدو ترامب حريصًا جدًا على تضليلنا؟ لأنه يريد أن يكسب دعمنا لاستمرار إسرائيل في ذبحها لشعب غزة، وتبرير قراره بتزويدها بالأسلحة اللازمة لمواصلة تلك الإبادة الجماعية، كما فعل سلفه.
بعد كل شيء، يعلن ترامب نيته الإبادية الخاصة صراحة في مخاطبته "سكان غزة" وإخبارهم بأنهم سيكونون جميعًا "موتى" إذا لم يتم تسليم الأسرى الإسرائيليين. ومع ذلك، ليست لدى "سكان غزة" أي سيطرة على إطلاق سراح الأسرى.
لاحظوا أيضًا أن ترامب يصف "حماس" بأنها "مريضة ومنحرفة" لاحتفاظها بجثث الأسرى الإسرائيليين القتلى، على الرغم من أن إسرائيل هي التي تنتهك اتفاق وقف إطلاق النار الذي يفترض أن يشهد إعادة تلك الجثث. وقد أصبح هذا مبررًا إضافيًا تستخدمه إسرائيل والولايات المتحدة لقتل "سكان غزة". لكن "حماس" تعلمت قيمة استخدام الجثث كورقة مساومة، مباشرة من إسرائيل.
لسنوات، كانت الحكومة الإسرائيلية ترفض إعادة جثث الفلسطينيين الذين قتلتهم إلى عائلاتهم، بما في ذلك الذين قتلتهم أثناء وجودهم في معسكرات التعذيب. ويسبق هذا الانتهاك للقانون الدولي أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) بوقت طويل. وقد صادقت المحاكم الإسرائيلية مرارًا وتكرارًا على هذه السياسة، وقبلت وجهة نظر الحكومة القائلة بأنه يجب اعتبار الجثث "ورقة مساومة". وقدمت دعمها لهذه السياسة مرة أخرى في كانون الثاني (يناير).
وهكذا، إذا كانت حماس "مريضة ومنحرفة"، فذلك فقط لأن إسرائيل أكثر مرضًا وانحرافًا. وإذا كان ترامب يعتقد أن شعب غزة يستحق الإبادة الجماعية بسبب قرارات قادته "المريضة والمنحرفة"، أفلا يجب أن يكون متساوقًا مع نفسه ويجادل بأن شعب إسرائيل يستحق مصيرًا مماثلاً بسبب قرارات قادته "المريضة والمنحرفة"؟
لقد ساعدت حملة من الأكاذيب والتضليل على تمزيق القانون الدولي على مدار العام ونصف العام الماضيين. وكانت إحدى أكبر الأكاذيب هي التظاهر بأن إسرائيل، بذبحها أطفال غزة، كانت تتصرف لصالح الإسرائيليين المحتجَزين في الجيب الساحلي.
*جوناثان كوك Jonathan Cook: صحفي بريطاني حائز على جوائز. كان مقيمًا في الناصرة لمدة 20 عاما. عاد إلى المملكة المتحدة في العام 2021، وهو مؤلف لثلاثة كتب عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: "الدم والدين: كشف القناع عن الدولة اليهودية" Blood and Religion: The Unmasking of the Jewish State (2006)؛ "إسرائيل وصراع الحضارات: العراق وإيران وخطة إعادة تشكيل الشرق الأوسط" Israel and the Clash of Civilisations: Iraq, Iran and the Plan to Remake the Middle East (2008)؛ "فلسطين المتلاشية: تجارب إسرائيل في اليأس البشري" Disappearing Palestine: Israel’s Experiments in Human Despair (2008).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israeli Hostages & the Ceasefire