"إضاءات على فلسطين في النثر العربي".. النجاب يحاضر في رابطة الكتاب
الغد-عزيزة علي
نظم مركز "تعلم واعلم" للأبحاث والدراسات، أول من أمس، محاضرة للكاتب رشيد النجاب حول كتابه "إضاءات على فلسطين في النثر العربي الحديث".
وأدار المحاضرة، التي أقيمت في مقر رابطة الكتاب الأردنيين، الدكتور أحمد ماضي.
جاءت المحاضرة احتفاءً بالأدب الذي يوثق الوجع الفلسطيني بلغة العاطفة لا البيان السياسي، وبالكلمة التي تصوغ الحكاية الإنسانية في مواجهة التهجير والاحتلال.
تحدث النجاب عن رحلته مع الكتابة التي بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي، وعن إيمانه بأن فلسطين ليست مكانا فحسب، بل ذاكرة ووجدانا، وأن الأدب هو أصدق الأشكال لتوثيقها في وجه النسيان.
الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون". يضم، وفق المؤلف، أربعة وعشرين مقالا تتناول موضوعات متنوعة بين السيرة الذاتية والمهنية، والرواية والقصة، جميعها تتمحور حول الشأن الفلسطيني، بما في ذلك أعمال من أدب الحرية. كما يتضمن دراسات عن عدد من الكتاب، منهم: حنا أبو حنا، محمود شقير، نجاتي صدقي، محمود المغربي وعبد المجيد حمدان.
إضافة إلى قراءات في روايات وقصص لكتاب مثل: حنا مينه، محمود شقير، صافي صافي، فاروق وادي، سعاد العامري، إبراهيم الغبيش، قاسم توفيق، إيمان يحيى، سمير أديب، وباسم خندقجي.
تحدث المحاضر عن الفكرة التي انطلق منها في مراجعاته وقراءاته للكتب منذ العام 1983، قائلا "لو أردت أن أقول للناس عن هذا الكتاب، فماذا يمكن أن أقول؟ لقد توالت الكتب والمقالات، لكن النشر تأخر حتى العام 2020، خلال فترة الحظر أثناء جائحة "كورونا"، وكان الفضل في ذلك للدكتور سميح مسعود الذي شجعني على التواصل مع الصحف والبدء بنشر المقالات".
ووجه النجاب تحية إلى القاص الفلسطيني محمود شقير الذي دعم تجربته الإبداعية منذ بداياتها، وساهم في انتقاله من كتابة المقالة إلى تأليف الكتب، لتكون رواية "الخروبة"، ثم الكتاب موضوع الندوة ثمرتين لهذا التحول.
وعن كتابه "فلسطين في النثر العربي الحديث"، أوضح النجاب أن الأدب شكل من أشكال توثيق التاريخ، نابض بالمشاعر الإنسانية وبعيد عن الخطاب الرسمي، مضيفا أن الكتاب والأدباء على مدى نحو قرن من القتل والتهجير والتطهير العرقي في فلسطين، سعوا إلى تجسيد تلك المآسي في أعمالهم نثرا وشعرا، وهو ما ركز عليه في قراءاته النقدية.
وأوضح النجاب أن فلسطين هي أم البدايات وأم النهايات كما قال محمود درويش، ولها مكانة راسخة في الوجدان العربي، مشيرا إلى أنه كان من الطبيعي، في ظل ما تتعرض له غزة والضفة الغربية من هجمة بربرية، أن تتصدر الكتابات المعنية بالشأن الفلسطيني اهتمامه، وأن تجمع بعض مقالاته في كتاب واحد يوثق هذه التجارب.
ثم قرأ الكاتب نماذجا من المقالات التي ضمها الكتاب، منها مقال بعنوان "أنا والكتابة من ألف باء اللغة إلى بحر الكلمات: سيرة مهنية – محمود شقير"، وجاء فيه: "للمكان في كتابات محمود شقير اهتمام لا يتزحزح، ولا ينتقص منه شيء؛ كيف لا، والقدس مدينته وعنوان دهشته الأولى التي يشعر بالتقصير بحقها مهما كتب عنها.
يعلن شقير وفاءه لها، ويشعر في الوقت ذاته بشيء من العجز أمام القصة القصيرة، بعد أن غادرها منفًى لثمانية عشر عامًا. لم يتعامل مع القصص القصيرة خلال تلك الفترة، لكنه تعامل مع مدن مثل بيروت، عمّان، براغ، وهونغ كونغ، وساهمت كل منها في تشكيل جزء من مسيرته الأدبية وخبرته الحياتية".
وأوضح النجاب أن المكان لا يكتمل بلا إنسانه، والزمان لا يكتمل بلا تفاعله معه، مشيرًا إلى أن القاص محمود شقير منح هذا الجانب حقه في أعماله الأدبية، من خلال تناول شخصيات متعددة ومن زوايا مختلفة. فقد كتب عن إميل حبيبي، توفيق زياد، محمود درويش، فاروق وادي، مؤنس الرزاز، ومؤيد العتيلي في سياق الأدب والكتابة، وانتقل إلى عالم الصحافة والسياسة متناولًا شخصيات مثل بشير البرغوثي وسليمان النجاب وغيرهما.
ثم قرأ النجاب مقطعًا من مقال بعنوان "بيت رحيم"، عن رواية الدكتور إبراهيم الغبيش، أشار فيه إلى أن الكاتب وسم فصول روايته بعناوين ذات دلالات عميقة مثل: "خريف، مأوى، بيت آخر، جواز سفر، المزرعة – خالد حنا نجار"، ساهمت في بناء الرواية وربط أحداثها بخيط سردي متماسك، حيث يستطيع القارئ، بقليل من التركيز، استيعاب مفاهيمها ورسالتها.
وأضاف أن الرواية تجمع قصصا قصيرة وموضوعات مترابطة تشكل في مجموعها رواية قصيرة عن البيت والمخيم والغربة، عن نكسة تتبع نكبة، وتصميم لا يلين على العودة إلى الأرض مهما كانت التضحيات. فهي حكاية عن الأرض والزراعة والشهادة، عن أبٍ أراد ابنه ذئبًا فكان كذلك، وأمٍّ أرادته رحيمًا، لكن الاحتلال لم يمارس أيا من أشكال الرحمة معه.
تحدث النجاب أيضًا عن مقاله "ظل الغيمة"، وهو قراءة في "السيرة الذاتية للشاعر حنا أبو حنا، زيتونة الجليل"، مشيرًا إلى أن أبو حنا يقول "إن الذاكرة مسرح كبير معتم، تسلط عليه دوائر ضوئية متفرقة تجلو مشهدًا، أو موقعًا، أو شخصًا، أو حدثًا، أو صوتًا، أو رائحة...".
وفي حديثه عن "ذاكرة العين"، يستعيد أبو حنا ملامح فلسطين بتفاصيلها الحسية الدقيقة، فيقول "إن للعين ذاكرة تحفظ السفوح المطرزة بكروم اللوز والتين والزيتون في الطريق إلى القدس، والقمم الشامخة وراء سورها، وكروم العنب والأجاص في رام الله وجفنة، وهيبة الجميز الوارف، وتراقص النخيل في أسدود ونجد في غزة، ولهفة جبل الكرمل وهو ينحدر لعناق شاطئ حيفا، واحتضان الخضرة لبحيرة طبرية، وخرير القنوات بين بيوت بيسان، والحجل الذي يكرج على سفوح الجرمق، وأمواج المتوسط المتلاطمة عند رأس الناقورة".
ثم أشار النجاب، إلى أن الشاعر حيث يصف ذاكرة الحواس الأخرى، "التذوق، والشم، والسمع"، عبر صور شعرية آسرة، منها وصفه لصوت الدلو في نزوله وصعوده في البئر: "صوت الدلو يهبط خاليا يترنح على جوانب البئر، وصوت جدار البئر يحتضن الدلو المليء ويشرب من كفيه".
واختتم النجاب حديثه بالوقوف عند رواية "قناع بلون السماء" للأسير المحرر باسم خندقجي، مؤكدًا أنها تنتمي إلى ما يُعرف بـ "أدب الحرية"، إذ تتناول آثار الكولونيالية على الأرض الفلسطينية، من خلال إشارات الكاتب إلى رموزها ومفاهيمها وتجلياتها المختلفة في النص.