عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Nov-2024

التداعيات القانونية لمذكرة اعتقال نتنياهو*أ. د. ليث كمال نصراوين

 الراي 

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق كل من رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت، وذلك على خلفية جرائم الحرب التي يجري ارتكابها في قطاع غزة، حيث جاء هذا القرار القضائي في ضوء أدلة التوقيف التي قام مدعي عام المحكمة الدولية كريم خان بجمعها، والتي ربطت قادة العدو الصهيوني بارتكاب مجازر دموية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.
 
وقد أثارت هذه التطورات القضائية الدولية العديد من التساؤلات القانونية حول آلية تنفيذ مذكرات الاعتقال الصادرة، وما إذا كان هذا القرار يعني بالضرورة إدانة اسرائيل وقادتها بارتكاب جرائم حرب من قبل المحكمة الدولية.
 
إن المحكمة الجنائية الدولية تعد هيئة قضائية مستقلة عن الأمم المتحدة جرى إنشاؤها في عام 2002 ومقرها مدينة لاهاي، وتختص بملاحقة القادة والمسؤولين بصفاتهم الفردية عن جرائم أربع محددة على سبيل الحصر هي جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان. وتعتبر هذه المحكمة الدولية الملاذ الأخير للمتضررين من هذه الأفعال الجرمية؛ فهي لا تبسط سلطانها القضائي ما لم تمتنع السلطات الوطنية في الدولة عن التحقيق في الجرائم المرتكبة والتي تدخل ضمن اختصاصها.
 
وعلى الرغم من اختصاصها القضائي الواسع، إلا أن المحكمة الجنائية الدولية تفتقر إلى آليات تنفيذية مرتبطة بها، فهي تمارس عملها دون وجود جهاز أمني أو عسكري يقوم بتنفيذ قراراتها الصادرة عنها. بالتالي، فهي تعتمد على الدول الأعضاء في المحكمة للقبض على المشتبه بهم وتسليمهم إليها. فمذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الدولية بحق القادة الإسرائيليين سيكون تنفيذها من عدمه معلقا على تعاون الدول المصادقة على ميثاق روما الأساسي لعام 1998 المنشئ للمحكمة، وعددها (124) دولة.
 
لذا، فقد أصدر المدعي العام خان بيانا صحفيا دعا فيه جميع الدول الأعضاء إلى الوفاء بالتزاماتها بموجب نظام روما الأساسي من خلال احترام هذه الأوامر القضائية والامتثال لها. وقد تباينت المواقف الدولية من قرارات التوقيف التي صدرت، إذ أعلن عدد من دول العالم استعدادها الكامل لتنفيذ هذه القرارات القضائية والقاء القبض على المطلوبين حال دخولهم أراضيهم أو مجالهم الجوي، في حين سارعت دول أخرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية إلى الاستخفاف بهذا القرار، معتبرة أن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك اختصاصا على القادة الاسرائيليين، خاصة وأن دولة الكيان ليست من الدول المصادقة على ميثاق روما، بالتالي فهي لا تعترف بهذه المحكمة الدولية.
 
وتتمثل التبعات القانونية لأوامر الاعتقال الصادرة بأنها نهائية وغير قابلة للطعن بها عن طريق الاستئناف، وأنها تبقى سارية المفعول ولا تسقط بالتقادم ما لم يقرر قضاة المحكمة خلاف ذلك. كما أنه لا يُقبل التمسك بالحصانة الدولية المقررة لدول العالم للامتناع عن تنفيذ قرارت الاعتقال، والتي صدرت بمواجهة أشخاص عسكريين بصفاتهم الشخصية، وأن المعتقل الثاني هو وزير دفاع سابق ترك منصبه الحكومي.
 
في المقابل، فإن صدور هذه القرارات القضائية الأولية لا يعني بأي حال من الأحوال إدانة المسؤولين الإسرائيليين، فهي مجرد أوامر أصدرتها المحكمة الدولية لجلب رئيس وزراء دولة الاحتلال ووزير دفاعه السابق لكي تتم مواجهتهما بالتهم المسندة إليهما تمهيدا للبدء بمحاكمتهما، فلم يصدر بعد أي لائحة اتهام أو قرار إدانة بحق المسؤولين الإسرائيليين.
 
كما أن عدم تنفيذ أي دولة عضو لأمر الاعتقال الصادر لن يكون له تبعات قانونية جسيمة، فأقصى أشكال العقوبات التي يمكن أن تواجهها الدولة التي تمتنع عن تنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة لا تتعدى مجرد لفت النظر الدبلوماسي، أو إحالتها إلى جمعية الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية وفي نهاية المطاف إلى مجلس الأمن. وهناك ستكون الولايات المتحدة الأميركية جاهزة لاستخدام حق النقض «الفيتو» ضد أي قرار دولي قد يصدر بحق الدولة التي لم تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.
 
بدورها، تحاول كل من الولايات المتحدة الأميركية ودولة الكيان الصهيوني مواجهة هذه التطورات القضائية الدولية، حيث هاجمت الحكومة الإسرائيلية هذا القرار واعتبرته «معادياً للسامية». كما أنها قدمت طعنا بعدم اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على القادة العسكريين الإسرائيليين وفق أحكام المادة (19) من نظامها الأساسي، ذلك على الرغم من أن المادة (15) من نظام المحكمة تعطي المدعي العام الحق بأن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة، وذلك بصرف النظر عما إذا كانت الدولة التي ينتمي إليها الأشخاص المعنيون عضوا في المحكمة الدولية من عدمها.
 
كما تستند المحكمة الجنائية الدولية في ولايتها القضائية على المسؤولين الإسرائيليين إلى قبول الأراضي الفلسطينية كدولة عضو في نظام روما عام 2015، حيث أصبح بإمكان المحكمة الدولية البت في الجرائم المرتكبة بحق المواطنين الفلسطينيين بصرف النظر عن جنسية الجاني أو الفاعل، طالما أن هذه الجرائم قد ارتكبت على أراضي دولة عضو في نظام روما.
 
ولا تقل التبعات السياسية لأوامر الاعتقال أهمية عن التداعيات القانونية؛ فهذه التطورات القضائية الدولية ستسهم في زيادة حجم الضغوطات الدولية على حكومة الكيان خاصة مع إعلان عدد لا بأس به من الدول الأوروبية الحليفة للكيان ودول العالم احترامها لاستقلالية المحكمة الدولية واستعدادها لتنفيذ قرار التوقيف.
 
كما سيكون لقرارات التوقيف تبعات سياسية داخل دولة الكيان، حيث ستزيد من تفاقم الأزمة الداخلية للحكومة الحالية، ناهيك عن القيود التي ستفرض على حركة رئيس حكومة الاحتلال وسفره إلى الدول الموقعة على نظام روما الأساسي، فضلا عن أنها ستحرج نتنياهو على المستوى الدولي، وتضع مصداقية المجتمع الدولي على المحك مرة أخرى في حال عدم الالتزام بقرارات الاعتقال الأخيرة.