عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Sep-2025

حرب لم يعرفها الإسرائيليون من قبل، وخيانة غير مسبوقة من نتنياهو

 الغد

غاري كوهين* - (الإندبندنت) 2025/8/27
 
 
يقود رئيس الوزراء اليوم ائتلافا من الجبناء والمجرمين والمجانين، عاجزاً عن خدمة الإسرائيليين، بينما تتسع الدعوات إلى الاحتجاج في تل أبيب ويتزايد فقدان الثقة بحكومته وقراراتها. وقد خرج مئات الآلاف من الإسرائيليين في احتجاجات حاشدة نظمتها عائلات الرهائن، متهمين حكومة نتنياهو بخيانة أبنائهم والانشغال بحسابات سياسية على حساب عودتهم. ووسط صمود المجتمع وتضحيات الجيش، يتعمق الغضب من حكومة متطرفة تتجاهل المسؤولية، وتعطل الديمقراطية، وتتمسك بالسلطة فيما الحرب بلا نهاية.
 
 
يوم الأحد الماضي، توقفت الحياة في إسرائيل. فقد نظم منتدى عائلات الرهائن والمفقودين إضراباً وطنياً واحتجاجات حاشدة، استقطبت أكثر من مليون شخص في مختلف أنحاء البلاد، منهم 500 ألف تجمعوا في "ساحة الرهائن" وسط تل أبيب، واتهمت عائلات المفقودين الحكومة بأنها تخلت عن أحبائها لصالح حسابات سياسية.
وقال عوفير براسلافسكي، والد روم الذي ظهر هزيلاً ويائساً في مقطع فيديو بثته حركة "حماس"، خلال كلمته في التجمع: "إن ابني روم ليس لديه وقت، والرهائن ليس لديهم وقت". وكانت الرسالة واضحة: أعيدوهم إلى ديارهم، أوقفوا الحرب، الآن!
هذه المناشدات اليائسة من العائلات مفهومة، لكنها لا تحظى بإجماع داخل إسرائيل. بعض أسر الرهائن، إلى جانب بعض عائلات ضحايا هجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، ترفض الاحتجاجات والجهود المبذولة لوقف الحرب. وترى أن "الانتصار الكامل" أمر حاسم، وهو السبيل الوحيد لعودة الرهائن، مهما كانت الأخطار.
لست خبيراً عسكرياً، ولا أستطيع الجزم بما إذا كان اجتياح مدينة غزة واحتلال القطاع بأكمله قراراً صائباً أم خاطئاً. وأثق شخصياً بأن الجيش الإسرائيلي سيتصرف بمسؤولية، لكنّ ما يثير شكوكي هو ما يسمى بـ"الانتصار الكامل"، الذي يؤكد بنيامين نتنياهو منذ 18 شهراً على أنه على بعد أسابيع فقط، كما يكرر حتى اليوم.
يستحق الإسرائيليون حكومة يمكن الوثوق بها لاتخاذ القرارات الصعبة بما يخدم مصالحهم، لكننا لا نملك -للأسف- مثل هذه الحكومة اليوم.
هذه الحرب لا سابقة لها، لا في حجمها، ولا في هولها، ولا في فداحة إخفاقات قادتها. وقد فقد كثير من الإسرائيليين ثقتهم في قدرة ائتلاف بنيامين نتنياهو على تغليب مصلحة البلاد على بقائه السياسي، فلم يعودوا يثقون بدوافعه، ولا بحكمه، ولا بقراراته.
في الساعات الأولى عقب هجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، اختفت حكومة "سيد الأمن" عن المشهد. ولم يكن المسؤولون مختبئين من الإرهابيين المتقدمين، بل من شعبهم، وكأن وطأة اللحظة فاقت قدرتهم على المواجهة، فغابوا. وهكذا، في أحلك ساعات البلاد، بدت إسرائيل بلا دفة ولا قيادة.
حتى اليوم، لم يجرؤ أي وزير على تحمل المسؤولية عما حدث بوضوح. لم يقف واحد منهم ليقول: لقد حدث هذا في عهدنا. لكن الإسرائيليين العاديين هم الذين ارتقوا إلى مستوى اللحظة. في يوم هجوم "حماس"، اندفع رجال ونساء شجعان إلى الجنوب للقتال والإنقاذ وتقديم العون بكل ما استطاعوا. ولبى جنود الاحتياط الدعوة بأعداد قياسية. وفي الأيام التالية، نظم مواطنون عاديون عمليات إجلاء، ووفروا المأوى، وأطعموا الجنود، ورعوا الناجين، وتولوا الخدمات اللوجستية، بل وشاركوا في تحديد هوية الضحايا، وصانوا تماسك البلاد بإرادتهم الصلبة.
وعندما عاد وزراء الحكومة إلى الواجهة أخيراً، كان المشهد مخزياً. لا تواضُع، ولا تغيير. فقط لعبة تبادل اللوم خدمة لمصالحهم الشخصية، ومنذ البداية كانت أولويتهم البقاء في السلطة.
لقد فعل الإسرائيليون كل ما طلب منهم، بل وأكثر. فقد جرى إرسال الجنود النظاميين والاحتياط مراراً إلى ساحات القتال حتى بلغوا حد الإرهاق. وتحملت العائلات والعلاقات والأعمال التجارية والمجتمعات بأكملها العبء القاسي لهذه الحرب التي تبدو بلا نهاية.
وقد أظهرت عائلات الرهائن قوة وصموداً استثنائيين، فيما أحباؤهم ما يزالون يقبعون في أنفاق "حماس". الآباء الثكالى، والناجون، والمجتمعات النازحة، وأبناء الشعب من مختلف أطياف المجتمع في إسرائيل -يهوداً وغير يهود- حملوا الأمة على أكتافهم.
ومع ذلك، تمعن حكومتهم في خيانتهم. على الرغم من إعلان الجيش الإسرائيلي نقصاً في عديد قواته يصل إلى 20 ألف جندي، يسعى الائتلاف الحاكم إلى تمرير مشروع قانون يعفي عشرات الآلاف من الرجال الحريديم الأصحاء من الخدمة العسكرية، فقط لاسترضاء الأحزاب الدينية والحفاظ على بقاء الائتلاف. وهذا عار وطني، وطعنة في ظهر من يضحون بكل شيء دفاعاً عن البلاد. وتدرك عائلات الرهائن أنه بالنسبة لهذه الحكومة لم يعد أحباؤهم أولوية، ولم تعد عودتهم الهدف الأساس للحرب، مهما ادعى نتنياهو عكس ذلك.
فما الذي يوجه عملية صنع القرار اليوم، التي أذهلت العالم وكثيراً من الإسرائيليين؟ يطالب المتطرفون في الحكومة، بقيادة بتسلئيل سموتريتش (وزير المالية) وإيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي)، بالغزو الشامل لغزة وإعادة التوطين فيها. بالنسبة لهم، يشكل ملف الرهائن مجرد عبء، ولا حاجة لإعادتهم إذا كان ذلك سيعني إنهاء الحرب. ولا يتردد بنيامين نتنياهو، الذي اشتهر بقدرته على المناورة السياسية، في مجاراتهم. ما دام بقاء الائتلاف مضموناً، فإن الثمن -مهما كان- بلا قيمة. لقد باع بالفعل روحه، ومعها روح البلاد.
يفترض بإسرائيل أن تتحرك وفق مصالحها الأمنية الذاتية، لا بدافع الضغوط الدولية أو البحث عن الشرعية الخارجية. غير أن نتنياهو، بانصياعه للمتطرفين، يخاطر بتحويل الانتصارات والتضحيات إلى انتكاسات دبلوماسية وعزلة دولية. وهو يبدو منفصلاً تماماً عن الواقع: يتحدث عن "نصر كامل" من دون أن يكلف نفسه عناء تحديد معناه، ويرفض تحمل المسؤولية عن أعظم إخفاق أمني في تاريخ إسرائيل، بينما يسارع إلى نسبة كل نجاح عسكري لنفسه.
لكن هذه النجاحات تُنسب بالدرجة الأولى إلى "الجيش الإسرائيلي" والأجهزة الأمنية الأخرى، التي اعترف قادتها علناً بأن إخفاقاتهم هي التي مهدت الطريق لهجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، فقبلوا تحمل المسؤولية وتعهدوا بالإصلاح ثم الاستقالة. وقد استقال بالفعل كل من رئيس الأركان ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك).
لا يمكن لنتنياهو أن يجمع بين الأمرين: إذا كان قد نال الفضل عندما سارت الأمور على ما يرام، فعليه أيضاً أن يتحمل المسؤولية عند الفشل. كانت هناك إخفاقات كارثية قادت إلى هذه الحرب. ولكن، كما هو الحال دائماً، لدى نتنياهو خطة: شن حملة لإسكات المعارضة والنأي بنفسه عن كارثة تشرين الأول (أكتوبر).
قبل الحرب، كان وزير الدفاع آنذاك، يوآف غالانت، قد حذر من أن "الإصلاح القضائي" يقوض الأمن، ولم يمنع نتنياهو من إقالته حينها إلا الضغط الشعبي. ولكن لاحقاً، عندما عارض غالانت إعفاء الحريديم، خصوصاً أثناء الحرب، أقاله نتنياهو، واستبدله بشخص ضعيف الكفاءة ومتبجح ومقرب منه.
ربما كان يمكن لطوني سوبرانو، زعيم المافيا في المسلسل الأميركي "ذا سوبرانوز"، أن يتعلم درساً أو اثنين من بنيامين نتنياهو: السلطة بأي ثمن، والقسوة، وقمع المعارضة، ومكافأة الطاعة، وتقديم السلطة على المبادئ، والسياسة على الناس.
كان رئيس الأركان السابق، هيرتسي هاليفي، قد عارض قانون الإعفاء، فدفع ثمن موقفه بخسارة منصبه. ورفض مدير جهاز "شين بيت"، رونين بار، الانصياع للأوامر، وكان في ذلك الوقت يجري أيضاً تحقيقاً مع الدائرة المقربة من نتنياهو بشأن مدفوعات غير قانونية من الخارج. لكن بار لم ينج من حملة التطهير، بينما يستمر التحقيق مع مستشاري نتنياهو.
ويولي إدلشتاين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، رفض بإصرار دعم مشروع قانون التهرب من الخدمة العسكرية، ليتم استبداله بشخص موال لنتنياهو كُلف بتمرير القانون عبر اللجنة.
وعندما تُسند مهمة الإشراف على الشرطة إلى متطرف يميني مدان في قضايا جنائية عدة مثل إيتمار بن غفير، فلا عجب أن تسود الفوضى. والآن، أصبحت الجريمة في ارتفاع، والثقة في تراجع، والجهاز الشرطي يُسيَّس ويُطهر من كل من يجرؤ على تحدي السلطة أو التصرف بنزاهة. والنتيجة أن البلاد بأكملها أصبحت أقل أمناً.
في الوقت نفسه، يقوم مستوطنون متطرفون بأعمال شغب في "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية)، ويهاجمون الجيش والشرطة في اعتداء صارخ على القانون والنظام. ومع ذلك، تُمنع أجهزة الأمن من التدخل. والمفارقة أن هذه الحكومة، على الرغم من استمرار الحرب ووجود نحو 50 رهينة في غزة، تمضي قدماً في انقلابها القضائي.
إنها تسعى إلى تقويض ركائز الديمقراطية الإسرائيلية نفسها: القضاء، والشرطة، والصحافة الحرة، وتهدم بذلك كل ضمانة وحد ورادع يقيد سلطتها.
إنها حكومة من المجرمين والمجانين، وتحالف من المحتالين، والمتعصبين، والجبناء، والمتملقين. إنها لا تخدم البلاد، ولا تخدم الشعب، بل تتغذى عليهم.
هذه الحرب لا تشبه أي حرب عرفناها من قبل، وكذلك الخيانة. إنها خيانة للصهيونية، ولليهودية، ولما تمثله إسرائيل، وللإنجازات التي تحققت على مدى 77 عاماً. لقد واجه الإسرائيليون أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) وما تلاها بشجاعة وصمود وتصميم استثنائي. وكنت أتمنى أن أضيف كلمة "الوحدة"، ولكن بينما ترفع حكومتنا شعار الوحدة علناً، فإنها -ولعارها- تعمل بلا كلل على سياسة "فرق تسد".
لقد طالب نحو مليون إسرائيلي بقيادة حقيقية، وناشدوا حكومتهم أن تضع مصلحة البلاد والشعب أولاً. لكن الرهائن ما يزالون يقبعون في زنازين "حماس"، والجنود ما يزالون يُستدعون إلى القتال والموت، والعائلات تعيش حالة توتر، والإسرائيليون يعانون صدمة جماعية ستستمر لأجيال.
ومع ذلك، تواصل هذه الحكومة ألعاب السياسة، تتقوقع، وتناور، وتتشبث بالسلطة بيأس.
*غاري كوهين: مخرج إسرائيلي مقيم في تل أبيب