عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Nov-2024

إسرائيل: بداية النهاية‏

 الغد- ترجمة: علاء الدين أبو زينة

ستيفان مور* - (كونسورتيوم‏ نيوز) 21/11/2024
مثل كل حرب عصابات أخرى، من الجزائر إلى فيتنام، سوف ينتصر الفلسطينيون في النضال السياسي من أجل التحرير بينما تنفجر إسرائيل من الداخل. ‏‏قبل ‏‏عشرين عامًا‏‏، حذر رئيس الكنيست السابق، أفروم بورغ، بطريقة تنذر بالسوء، من حتمية هزيمة إسرائيل. ‏و‏قال بورغ: "اتضح أن النضال الذي دام 2000 عام من أجل بقاء اليهود ينحدر إلى دولة من المستوطنات، تديرها زمرة غير أخلاقية من منتهكي القانون الفاسدين الذين يصمون آذانهم عن سماع أصوات مواطنيهم وأعدائهم. لا يمكن لدولة تفتقر إلى العدالة أن تبقى". ‏
 
 
‏على النقيض من التبجح العدواني الذي أطلقه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في خطابه يوم 24 تموز (يوليو) أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي، الذي تعهد فيه بتحقيق "نصر كامل" على "حماس"، تتعرض إسرائيل إلى هزيمة حاسمة، عسكريًا واقتصاديًا ومجتمعيًا. ‏
‏في ساحة المعركة -على الرغم من حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية من القصف والتجويع الجماعي والاغتيالات- أصبح احتمال تحقيق النصر على "حماس" و"حزب الله" الآن موضع نقاش وشك جدّي بين العديد من المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الإسرائيليين السابقين والحاليين.‏
‏في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، كتب‏‏ الجنرال السابق، يتسحاق بريك:‏ ‏‏"البلد يركض حقًا نحو حافة الهاوية... ويفقد المزيد والمزيد من الجنود الذين يُقتلون أو يُجرحون".
وأضاف: "… مع كل يوم يمر يضعف جيش الدفاع الإسرائيلي أكثر ويرتفع عدد القتلى والجرحى في القتال بين جنودنا... إذا واصلنا القتال في غزة من خلال الإغارة على نفس الأهداف وإعادة الإغارة عليها مرة أخرى، فإن الأمر لن يقتصر على أننا لن نطيح بـ’حماس‘ فحسب، بل إننا سننهار نحن أنفسنا".‏
‏وثمة مسؤولون إسرائيليون آخرون يشاركون بريك تقييمه. قال نائب رئيس الموساد السابق، رام بن باراك، ‏‏للإذاعة‏‏ العامة الإسرائيلية: "من الواضح أننا نخسر (الحرب) بشكل لا لبس فيه. أروني شيئًا واحًدا نجحنا فيه؟‏".
‏وقال اللواء غادي شامني، القائد السابق لفرقة غزة في الجيش الإسرائيلي: "جنودنا يفوزون في كل مواجهة تكتيكية مع ’حماس‘، لكننا نخسر الحرب، وبطريقة كبيرة".‏
‏وحتى الدعاية العسكرية الإسرائيلية نفسها تتصدى لرواية حكومة نتنياهو وتنقضها: ‏
‏‏‏قال‏‏ المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأدميرال دانيال هاغاري: "فكرة أن من الممكن تدمير حماس؛ جعل حماس تختفي -هذا مجرد ذر للرمال في عيون الجمهور. ’حماس‘ هي فكرة، متجذرة بعمق في قلوب سكان غزة".‏
و‏يصف ضابط المخابرات السابق في مشاة البحرية الأميركية سكوت ريتر المعركة التي لا يمكن إدامتها على الأرض، فيقول: "الجيش (الإسرائيلي) منهك. دباباتهم معطلة، وقطع الغيار تنفد، والذخيرة تنفد... جيشهم محبط وفاقد للمعنويات... يتراوح معدل الفرار الآن بين 12 و24 في المائة".‏
‏كما بدأت الأرقام الرسمية للقتلى والجرحى الجنود في غزة (التي من شبه المؤكد أن الأعداد فيها أقل من الواقع) في التسرب. في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية، قال زعيم المعارضة ‏‏في الكنيست، يائير لابيد، إن‏‏ 890 جنديًا قتلوا وأصيب 11.000 آخرون في الأشهر الاثني عشر الأولى من الحرب. ‏
‏"حزب الله" المتمرس في القتال ‏
كما تتزايد الخسائر أيضًا في جنوب لبنان حيث يواجه الجنود الإسرائيليون عدوًا متمرسًا في القتال. ‏
‏‏يقول ريتر‏‏: "كان أمام ’حزب الله‘ 18 عامًا للتحضير لهذا. لا شيء تفعله إسرائيل يفاجئ ’حزب الله‘. إنهم يعرفون نوع أنظمة الأسلحة التي لديهم وسوف يستدرجون الإسرائيليين ويقتلونهم... سوف تسير إسرائيل من فخ إلى آخر".‏
بالإضافة إلى ذلك، على نحو متزايد، يتآكل الدعم الشعبي داخل إسرائيل مع تدفق التقارير الإخبارية عن جنازات الجنود والعائلات المكلومة. ‏
‏‏كتب‏‏ عاموس هاريل في ‏‏صحيفة هآرتس: "تصور الحكومة سلسلة النجاحات العسكرية الأخيرة في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان كدليل على أن استراتيجيتها كانت صحيحة، وأن الحرب يجب أن تستمر على كل الجبهات. ولكن في الواقع، من المستحيل تجاهل الثمن الذي سيترتب على استمرار الحرب لفترة أطول".‏
‏وبالإضافة إلى الخسائر العسكرية المتزايدة، يشمل هذا الثمن الخسائر الاقتصادية الكارثية مع فرار الآلاف من منازلهم، وإغلاق الشركات أبوابها، وانكماش الاقتصاد الاستهلاكي.‏
‏أدى قصف "حماس" و"حزب الله" في الجنوب والشمال إلى ‏‏نزوح‏‏ ما يقدر بنحو 200.000 إسرائيلي عن منازلهم؛ والعمال الأجانب يغادرون البلاد، بينما أدى إلغاء 150.000 ‏‏تصريح عمل‏‏ فلسطيني‏‏ في الضفة الغربية إلى توقف أعمال البناء. ‏
كما توقفت ‏‏السياحة، ‏‏وهي الدعامة الأساسية‏‏ للاقتصاد الإسرائيلي، وانخفض الإنفاق على الترفيه والتسلية بنسبة 70 في المائة؛ ‏‏وأفلس ما يقدر بنحو‏‏ 60 ألف شركة إسرائيلية هذا العام، ‏‏وتم تخفيض ‏‏التصنيف الائتماني‏‏ لإسرائيل‏‏ مرات عدة، وتنتقل شركات التكنولوجيا الإسرائيلية إلى الخارج، كما غادر البلد ما يقرب من نصف مليون إسرائيلي (الكثير منهم من المهنيين المتعلمين في مجال التكنولوجيا العالية) ‏‏خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب. ‏
‏هذا الاتجاه ليس مجرد كارثة اقتصادية لإسرائيل -الهجرة الجماعية تشكل تهديدًا وجوديًا لبقاء الدولة الإسرائيلية التي بنيت على فكرة الحفاظ على أغلبية يهودية منذ تأسيسها.‏
كان هذا هو القصد من وراء نكبة العام 1948 التي طردت 750.000 عربي من فلسطين، وكذلك الهدف ‏‏الذي يتم الاعتراف به سرًا‏‏ المتمثل في شن حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة. والآن، بدأ الاتجاه الديموغرافي في التحول في الاتجاه الآخر.‏
‏داخليًا، في مواجهة الانهيار العسكري والاقتصادي الوشيك، تقف إسرائيل على شفا حرب أهلية. وحتى قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر)، كان مئات الآلاف من الإسرائيليين قد خرجوا ‏‏إلى الشوارع‏‏ للاحتجاج على محاولات ائتلاف نتنياهو اليميني إلغاء استقلال القضاء.
‏منذ بداية الحرب الحالية، هزت البلاد المظاهرات الحاشدة التي تنظمها عائلات الرهائن الغاضبة ومؤيدوها؛ والجنود الذين ‏‏ينشقون‏‏ أو يرفضون الخدمة؛ والأشخاص الذين تم إجلاؤهم من مناطق الحرب غير القادرين على العودة إلى ديارهم؛ والانقسام المتزايد بين الحكومة الإسرائيلية والجيش حول أهداف الحرب. ‏
‏‏كان‏‏ الصحفي في ‏‏صحيفة "هآرتس"، ‏‏أوري مسغاف، قد حذر ببصيرة نافذة‏‏ بعد بضعة أشهر من الحرب:‏ "تخيلوا ما الذي سيحدث عندما تنزل الجماهير إلى الشوارع".
‏وأضاف: "... سيتم تقديم المتظاهرين على أنهم خونة يطعنون الأمة وجنودها في الظهر... الشوارع سوف تشتعل. بعد كل شيء، أصبح البلد مغمورًا بالأسلحة الآلية والمسدسات ‏‏التي تم توزيعها على أسس سياسية‏‏ (في إشارة إلى قيام وزير الأمن، إيتمار بن غفير، بتوزيع آلاف قطع الأسلحة على المستوطنين اليهود غير الشرعيين في الضفة الغربية)... تقترب إسرائيل الديمقراطية من مواجهة اختبار حياتها. وإذا لم ننجح فيه، فإننا لن نكون موجودين، ببساطة".‏
والآن، تتكشف نبوءة مسغاف الديستوبية. إسرائيل تنهار من الداخل بينما أصبحت خارجيًا دولة منبوذة في نظر العالم. ‏
‏لقد انفجرت المظاهرات الحاشدة ضد حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل في جميع أنحاء الجنوب العالمي وفي المدن الكبرى في الغرب، حيث يشاهد المجتمع الدولي بأسره في رعب قصف الإبادة الجماعية الإسرائيلي والتجويع الجماعي للسكان المدنيين في غزة. ‏
‏وقطعت 28 دولة في أفريقيا وأميركا اللاتينية جميع العلاقات مع إسرائيل، وصوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرًا بأغلبية 170 صوتًا مقابل ستة أصوات لصالح قرار وضعته من تلقاء نفسها.‏
والآن، أمرت "المحكمة الجنائية الدولية"، التي تعترف بها 124 دولة، بإصدار مذكرات اعتقال يوم الخميس بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية".‏
‏وعلى الرغم من أن إسرائيل والولايات المتحدة ترفضان مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الدولية، إلا أن الدعم غير المشروط الذي تتلقاه إسرائيل من أقوى حلفائها لم يعد مؤكدًا، وفقًا لسكوت ريتر، الذي كتب في "كونسورتيوم نيوز" مؤخرًا: "‏إن ‏ما جعل إسرائيل جذابة للولايات المتحدة -الميزة الاستراتيجية لجيب يهودي موالٍ لأميركا في بحر من عدم اليقين العربي- لم يعد صامدًا وبالصلابة التي كان عليها في السابق".
ويضيف ريتر: "لقد ولت حقبة الحرب الباردة منذ فترة طويلة، ولم تعد الفوائد الجيوسياسية المتراكمة في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل‏‏ واضحة... الولايات المتحدة، في النهاية، لن تنتحر نيابة عن دولة إسرائيلية فقدت كل شرعية أخلاقية في نظر معظم العالم". ‏
‏قبل ‏‏عشرين عامًا‏‏، كان رئيس الكنيست السابق، أفروم بورغ، قد حذر بطريقة منذرة بالسوء‏‏ من حتمية هزيمة إسرائيل. ‏
‏قال بورغ: "اتضح أن النضال الذي دام 2000 عام من أجل بقاء اليهود أصبح ينحدر إلى دولة من المستوطنات، تديرها زمرة غير أخلاقية من منتهكي القانون الفاسدين الذين يصمون آذانهم عن سماع أصوات مواطنيهم وأعدائهم. لا يمكن لدولة تفتقر إلى العدالة أن تبقى". ‏
‏وكما حذر بورغ، فإننا نشهد بداية نهاية إسرائيل -دولة أنشئت منذ ما يقرب من ثمانية عقود في أعقاب قرار غير ملزم للأمم المتحدة. وقد تأتي الهزيمة في غضون أشهر أو قد تستغرق سنوات، وبحلول ذلك الوقت، سيكون الجيل القادم من مقاتلي المقاومة الفلسطينية قد أصبح أكبر وأقوى وأكثر ضراوة. ‏
مثل كل حرب عصابات أخرى، من الجزائر إلى فيتنام، سوف ينتصر الفلسطينيون في نضالهم ‏‏السياسي من أجل التحرر ‏‏بينما تنفجر إسرائيل من الداخل.‏
اليوم، قد يُطيل دونالد ترامب وتعييناته الوزارية ذات التوجه الصهيوني المتطرف أمد الهجوم الإسرائيلي، لكنهم لن يغيروا المعادلة الأساسية. في المستقبل المنظور، ستتوقف إسرائيل عن الوجود كأمة، على أمل أن تحل محلها دولة علمانية ديمقراطية يستطيع فيها المواطنون الفلسطينيون واليهود العيش جنبًا إلى جنب في سلام.
 
‏*ستيفان مور Stefan Moore: مخرج أفلام وثائقية أميركي أسترالي حصلت أفلامه على أربع جوائز إيمي والعديد من الجوائز الأخرى. في نيويورك كان منتج مسلسلات لشركة WNET ومنتجًا لبرنامج في CBS News يذاع في وقت الذروة "48 ساعة"، 48 HOURS. وفي المملكة المتحدة عمل كمنتج مسلسلات في هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي). وفي أستراليا كان منتجًا تنفيذيًا لشركة الأفلام الوطنية Film Australia وABC-TV.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel: Beginning of the End