عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Dec-2021

“الضرب المفضي للموت”.. النساء بلا حماية قانونية (انفوجرافيك)

 الغد-نادين النمري

“حيث ألغى القانون الجديد المعدل، ظرف التشديد المتعلق بوقوع الجريمة على أنثى مهما بلغ عمرها، والذي كان موجوداً في القانون السابق. وحيث إن المغدورة بوقت وفاتها، كانت في الثامنة والعشرين من عمرها (…) لم يعد ظرف التشديد الذي كان منصوصاً عليه في القانون السابق ينطبق عليها. ويكون القانون الجديد أصلح للمتهم”.
أعلاه نص مقتبس من قرار محكمة التمييز الصادر في شباط 2019 بالسجن لمدة 7 سنوات لرجل ادين بجناية الضرب المفضي الى الموت ذهبت ضحيته زوجته العشرينية “وردة”، استفاد الزوج من تعديلات قانون العقوبات للعام 2017 لجهة تخفيض العقوبة بعد أن نصت التعديلات على الغاء ظرف التشديد في جرائم الضرب المفضي الى موت انثى لينخفض الحد الادنى للعقوبة من 12 عاما في النص السابق الى 7 سنوات في التعديلات السارية حاليا.
في العام 2017 طال قانون العقوبات تعديلات عدة رأى فيها قانونيون أنها تشكل حماية اكبر للفئات الاكثر ضعفا كالنساء والاطفال وذوي الإعاقة، ابرز تلك التعديلات الغاء المادة 308 والتي كانت تعفي الجاني من العقوبة في حال زواجه من ضحيته في جرائم الاغتصاب، طالت التعديلات كذلك المادة 98 وذلك حرمان الجاني من “العذر المخفف” في جرائم القتل في حال كانت الضحية أنثى، اضافة الى تعديل المادة 330 من قانون العقوبات والخاصة بجرائم الضرب المفضي الى موت بإضافة ظرف مشدد في حال كان الضحية شخصا من ذوي الاعاقة.
وسط تلك التعديلات التي اعتبرت “انتصارا” للفئات الاكثر ضعفا، طال المادة 330 تعديلا آخرا نص على إلغاء ظرف التشديد في حال كانت الضحية أنثى، اذ كانت تنص المادة في الفقرة 2 منها قبل التعديل على “من ضرب أو جرح أحدا بأداة حادة ليس من شأنها أن تفضي الى الموت او اعطاه مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلا قط ولكن المعتدى عليه توفي متأثرا بما وقع عليه عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن سبع سنوات، ويكون الحد الادنى للعقوبة 12 سنة، واذا وقع على من لم يكمل 15 من عمره او انثى مهما كان عمرها”.
لكن في العام 2017 عدل نص المادة ليضيف الموظف العام وذوي الاعاقة ويسقط الأنثى ليصبح النص “يكون الحد الادنى للعقوبة اثني عشر سنة اذا وقع الفعل المنصوص عليه في هذه المادة على موظف عام اثناء ممارسته وظيفته او من اجل ما اجراه من اجل الوظيفة او على من لم يكمل الخامسة عشرة من عمره أو على شخص من الأشخاص ذوي الاعاقة مهما بلغ عمره”.
ويبدو أن الصمت كان سيد الموقف تجاه اسقاط الحماية عن النساء في جرائم الضرب المفضي الى موت، فلم تخرج الحكومة أو المشرع في حينه بأي موقف لتبرير أو شرح الاسباب الموجبة لنزع كلمة “انثى” من النص القانوني، كما لم تتنبه مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية لهذا التعديل وسط تركيز كبير طال المادتين 308 و98 من ذات القانون.
في مقابل ذلك، يرى حقوقيون ان هذا التعديل انما يشكل “رفعا للحماية عن النساء المعنفات وضحايا العنف الاسري” خصوصا وان غالبية الضحايا من النساء في هذه الجرائم هن ضحايا لجرائم عنف أسري كما أن التعديل جاء مخالفا لروح وجوهر التعديلات القانونية التي شهدتها باقي المواد في ذات القانون والتي توفر حماية اكبر للنساء ما يعكس حالة من “التناقض”.
يقول نائب رئيس محكمة التمييز القاضي الدكتور محمد الطراونة إن تعديل المادة 330 في العام 2017 اضاف المشرع عبارة “اذ ارتكب فعل الضرب أو الجرح ضد موظف عام أو شخص من ذوي الاعاقة”.
ويضيف “وان كنا مع حماية الموظف العام والاشخاص ذوي الاعاقة فإن لغة الارقام والاحصائيات تقول أن الانثى تتعرض لهذه الأفعال وتحديدا داخل الاسرة ربما أكثر من غيرها من الفئات فكان على المشرع أن يبقى على مضاعفة العقوبة في الفقرة الثانية ذات المادة لتشمل النساء”، معتبرا ان “النص الحالي فيه نوع من التمييز ضد الانثى لا سيما مع شيوع حالات العنف الجسدي ضد النساء”.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة…
تتبعت كاتبة التحقيق نحو 50 قرارا لمحكمة التمييز بخصوص جناية الضرب المفضي الى موت بعد دخول تعديلات العقوبات حيز التنفيذ في الفترة من 2018 -2021 منشورة على موقع التشريعات الجديد الخاص بنقابة المحامين “قرارك” رصدت “الغد” 14 جناية ضرب مفضي الى موت واقعة على أطفال ونساء وذوي اعاقة، اما 36 جريمة الأخرى فهي واقعة على ذكور بالغين.
ومن اصل 36 جريمة واقعة على ذكور بالغين فإن 3 جرائم منها تم ارتكابها من قبل أقرباء الدرجة الاولى، اثنان كان الجاني شقيق الضحية، وجريمة واحدة اشتراك بين أب وشقيق لقتل الابن.
اما جرائم الضرب المفضي الى الموت الواقعة على أنثى فوق السن 15 عاما، رصدت كاتبة التحقيق 6 جرائم، منها 5 جرائم اقترفها اقرباء من الدرجة الاولى، 3 منها اقترفها الأزواج، واثنتان من قبل الشقيق، وجريمة واحدة ضرب مفضي الى موت لعاملة وافدة على يد زميلتها في السكن.
كما تم رصد 7 جرائم الضرب المفضي الى موت على الاطفال منهم 5 اطفال دون سن 15 عاما، أصغرهم كان رضيعا يبلغ من العمر اسبوعين قتل ضربا على يد والده الذي استاء من بكاء الطفل المتكرر، من بين الاطفال الضحايا 3 اناث وذكرين جميعهم قضوا على يد الأب أو الأم، وجريمتان لطفلين ذكرين فوق سن 15 احدهم توفي بالضرب المفضي الى موت من قبل والده الذي اراد تأديبه والآخر قضى على يد صاحب العمل الذي كان يعمل لديه.
كما رصد البحث حالة واحدة لضرب مفضي الى الموت وقعت على شاب من ذوي الاعاقة الذهنية على يد مشرف في الدار الايوائية التي يقيم بها الشاب، ولم يخضع الجاني في الجريمة للظرف المشدد كون الجناية وقعت قبل تعديل القانون.
“دوخة.. دوخة يا رأفت”…
بالعودة الى ملف الضحية “وردة” المذكورة في مقدمة التحقيق ووقعت احداثها قبل تعديل القانون، تظهر الوقائع أن الحادثة التي تسببت بوفاتها لم تكن واقعة العنف الوحيدة التي تعرضت لها “وردة” خلال عام ونصف هي مدة زواجها من الجاني، بل وبحسب ملف القضية فإن الزوج “معتاد ومنذ زواجهما على ضربها وإهانتها بشكل متكرر وأنها كانت تخبر والدتها وشقيقتها عن سلوك زوجها العدواني معها وكانت تحجم عن الشكوى لتدخل ذويها في إنهاء تلك المشاكل”.
تفيد الوقائع انه وبتاريخ الجريمة قام الجاني بضرب المغدورة بواسطة قبضة يده بقوة على رأسها من الأمام كانت الضربة من الشدة بأن تسبب بحدوث نزيف دموي وتكدم بالدماغ، لم تظهر الآثار الشديدة للإصابة بشكل فوري طلبت “وردة” استدعاء شقيقها الذي حضر واصلح وانهى المشكلة بين الزوجين وفي مساء اليوم التالي وبينما كانت “وردة” تقوم بأعمال المنزل شعرت بصداع شديد لتكون كلماتها الأخيرة لزوجها “دوخة … دوخة يا رأفت” بعد ذلك فقدت وعيها، اسعف الزوج زوجته الى المستشفى لكنها وصلت متوفية اثر الضربة التي تلقتها على يد زوجها.
وحول استفادة الجاني من العقوبة في القانون المعدل رغم وقوعها قبل التعديل يشير القاضي السابق في محكمة الجنايات الكبرى المحامي لؤي عبيدات الى المادة 5 من قانون العقوبات والتي تنص على “كل قانون جديد يلغي عقوبة أو يفرض عقوبة أخف يجب أن يطبق على الجرائم المقترفة قبل نفاذه وإذا صدر قانون جديد بعد حكم مبرم يجعل الفعل الذي حكم على فاعله من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجنائية”.
تشير قرارات محكمة التمييز الى قضية أخرى مماثلة ضحيتها “اخلاص” ابنة 20 عاما، التي قضت على يد زوجها مطلع العام 2017، بعد أن عاشت معه 3 سنوات من التعذيب والتعنيف المستمر، تعنيف كان يعلم به ذويها وأهل زوجها والجيران.
تزوجت “اخلاص” في سن السادسة عشرة وانجبت اطفالا من زوجها طوال تلك الفترة اعتاد الزوج على ضرب وتعنيف زوجته، كما في يوم الحادثة اقدم الجاني وبحسب ملف القضية على ضرب زوجته بكلتا يديه على وجهها ورأسها وجبهتها (كفوف) وكذلك بقبضة يده (بوكسات) على رأسها ثم أمسك المتهم بعصا خشبية (عصا قشّاطة) وقام بضربها على رأسها وأنحاء متفرقة من جسدها ثم وقعت على الأرض وتركها.
صباح اليوم التالي عاد الجاني الى بيته ليجد زوجته ملقاة على الأرض وابنها الصغير يجلس بجوارها عندما قام بتفقدها وتبين له أنها قد فارقت الحياة، حاول الجاني اخفاء جثة زوجته وادعاء اختفائها لكن شكوك عائلتها بسلوكه كشف عن الجريمة، مع الغاء ظرف التشديد في الجريمة الواقعة على انثى حكم على الجاني بالسجن 10 سنوات فيما لم يظهر قرار محكمة التمييز انه تم اسقاط الحق الشخصي من قبل عائلة الضحية.
الى جانب الغاء ظرف التشديد في جناية الضرب المفضي الى الموت تجاه الاناث، تبرز اشكالية اخرى تكمن في اسقاط الحق الشخصي في هذا النوع من الجرائم تحديدا الواقعة داخل نطاق الأسرة، تظهر قرارات محكمة التمييز قرارا صدر العام الحالي بالسجن لمدة اربع سنوات وثمانية أشهر بحق شاب اقدم على قتل شقيقته ذات 22 عاما بسبب خلاف على كسر “ريموت التلفاز”، استفاد الجاني من اسقاط الحق الشخصي من قبل الورثة لتخفض العقوبة من 7 سنوات هي حدها الادنى الى 4 سنوات و8 أشهر.
إلغاء التشديد سحب للحماية
وفي هذا السياق، ترى الخبيرة الحقوقية المحامية هالة عاهد في الغاء ظرف التشديد في جرائم الضرب المفضي الى الموت الواقعة على انثى بأنه “سحب للحماية باعتبار ان الانثى ليست من الفئات التي تستحق حماية خاصة”.
وتقول “يتماشى هذا الالغاء مع ثقافة مجتمعية تتسامح مع العنف ضد النساء بحجة التقويم والتأديب”.
وتضيف “وجود حماية اضافية بتشديد العقوبة ثم سحبها والاصرار على عدم الغاء اسقاط الحق الشخصي في جرائم العنف والقتل الاسرية يعني بالمحصلة تسامحا مع العنف المرتكب ضد النساء”.
وتتابع “في وقت تكون به غالبية قضايا الضرب المفضي الى موت الواقعة على الذكور البالغين هي نتيجة خلافات مع اشخاص من خارج العائلة ولا ترتبط بسجل سابق من التعنيف فإن قضايا الضرب المفضي الى موت الواقعة على النساء كما الاطفال تظهر أن الجناة في هذه الجرائم هم غالبا من افراد الاسرة كما أن الضحية تكون قد تعرضت لسلسلة طويلة وممارسات متكررة من التعنيف والتعذيب”.
وتطالب عاهد بضرورة وضع اجراءات حماية تضمن تشديد العقوبة في قضايا قتل النساء وقضايا القتل والعنف الاسري ابرزها منع اسقاط الحق الشخصي في هذه القضايا.
لكن القاضي السابق عبيدات يختلف في الراي مع عاهد ويرى ان تعديل المادة 330 هو خطوة بالاتجاه الصحيح، معتبرا انه لا يجوز ان يميز التشريع بين الذكر والانثى باعتبار ان ذلك يعد اخلالا بقاعدة المساوى وفيه تمييز غير محبذ.
ويوضح انه في حالات العنف الاسري والعنف المتكرر قبل وقوع جريمة الضرب المفضي الى موت، فإنه من مسؤولية النيابة العامة والقضاء التأكد من ارشيف وملف المتهم ان كان لديه اسبقيات في العنف الاسري وفي حال التكرار والتواتر بالعنف فإنه من الممكن الاخذ بالحد الاعلى للعقوبة والتي تصل الى 20 عاما او اقلها عدم الالتزام بالحد الادنى المحدد بـ7 سنوات، مشيرا في ذلك الى المادة 20 من قانون العقوبات.
وتنص المادة 20 من قانون العقوبات في الفقرة 2 منها على أن “الحد الاعلى للحكم بالأشغال الشاقة 20 عاما”.
لكن عبيدات اعتبر ان توفير الحماية للنساء لا يكون من خلال تغليظ العقوبات انما من خلال التمكين للمرأة ومعالجة المشكلات الاجتماعية وتوفير الدعم والحماية للازمة للنساء المعنفات.
لكن المديرة التنفيذية لميزان للقانون المحامية ايفا ابو حلاوة تختلف مع عبيدات في الرأي وتقول إن “هناك فئات تحتاج الى تدخل المشرع لتوفير الحماية والردع باعتبار انها اكثر الفئات عرضة كالنساء والاطفال وذوي الاعاقة”.
وفي ظل طرح قانون العقوبات للتعديل حاليا تقترح ابو حلاوة ان يتم التعديل ليشمل جميع النساء على غرار التعديل الذي طال المادة 98 من قانون العقوبات، كذلك شمول جميع الاطفال، معتبرة أنه “من المستغرب أن يتم استثناء فئة الاطفال من 15 الى 18 عاما من الحماية الاضافية.
وتؤكد أبو حلاوه على ضرورة ألا يشمل اسقاط الحق الشخصي جرائم العنف الاسري والجرائم ضد الاطفال وذوي الاعاقة.
وبحسب الامينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس فإن اللجنة تقدمت باقتراح للعودة الى النص السابق مع القانون باضافة “ان كانت الضحية انثى داخل اطار الاسرة”.
توضح النمس ان اضافة عبارة “داخل اطار الاسرة” على الاقتراح جاءت للتمييز بين جرائم الضرب المفضي الى موت داخل اطار الاسرة والتي عادة ما ترتبط بسلسلة طويلة من التعنيف الممارس من قبل الجاني على الضحية فضلا عن ارتباطها غالبا بإسقاط الحق الشخصي.
وتقول “لا يمكن التهاون مع العنف الاسري، تشديد العقوبة ووضع قيود على اسقاط الحق الشخصي يشكل ضمانة لعدم الافلات من العقوبة بالذات في جرائم العنف الاسري وجرائم القتل الواقعة داخل الاسرة”.
من ناحيته، يقول الامين العام للمجلس الوطني لشؤون الاسرة، رئيس الفريق الوطني لحماية الاسرة من العنف الدكتور محمد مقدادي “كفريق وطني وضمن برنامجنا سيكون خلال العام المقبل مراجعة للمواد التشريعية ذات العلاقة بالاسرة وستتضمن اقتراح توصيات لتعديل المواد التشريعية المتعلقة بالأسرة وقد تؤثر سلبا على الأسرة أو أفرادها”.
ويضيف “فيما يتعلق بالمادة 330 المتعلقة بالضرب المفضي الى الموت، فإن رأي الفريق أن جميع الممارسات التي تحدث داخل الاسرة سواء كان على طفل أو على أنثى بغض النظر عن العمر يجب الاخذ بالظرف المشدد وأيضا لابد من مراجعة قضية اسقاط الحق الشخصي”، موضحا أن “الاسرة هي الفضاء الاوسع الذي يمكن ان يمارس فيها العنف الجسدي بالتالي لا بد من التشديد بالعقوبة على هذه الممارسة في حال وقعت على اي من افراد الأسرة، والتي من الممكن أيضا ان يكون شخص مسن”.
واضاف “التشديد كذلك يجب أن يطال العنف الممارس داخل الاسرة والمؤدي الى عاهة دائمة، فلا بد من ان تأخذ جميع هذه الممارسات داخل الاسرة ظرفا مشددا”.
وبحسب ارقام ادارة حماية الاسرة والاحداث شهد العام 2020 نحو 28 جريمة قتل اسرية (بين قتل عمد، قصد وضرب مفضي الى الموت) ذهب ضحيتها 32 ضحية منهم 17 ذكرا و15 انثى موزعين بين أطفال وبالغين.
أطفال خارج الحماية …
رغم أن القانون ضمن ظرفا تشديد يرفع العقوبة الى 12 عاما في جرائم الضرب المفضي الى موت الواقعة على الأطفال لكنه اشترط أن يكون الطفل دون سن الخامسة عشرة. “غدير” طفل اتم الخامسة عشرة قبل اشهر قليلة من وفاته ضربا على يد والده.
عاش “غدير” تفككا أسريا منذ سنوات طفولته الاولى فوالداه مطلقان ويعيش في كنف والده وزوجته، بحسب وقائع القضية التي بتت بها محكمة التمييز واطلعت “الغد” على تفاصيلها دأب الأب على ضرب ابنه ضرباً مبرحاً باستخدام أدوات راضة على خلفية عدم رضاه عن تغيب ابنه المستمر عن المدرسة.
يوم الجريمة أقدم الاب على ضرب ضرباً مبرحاً بواسطة خرطوم “بربيش” وأداة راضة لعدم ذهابه الى المدرسة، توسل الطفل لوالده بالتوقف عن الضرب مبررا غيابه عن المدرسة بأن احدا لم يوقظه من نومه لكن الاب لم يستمع لتوسلاته ليستمر بضربه لمدة ساعة كاملة باستخدام البربيش ليتركه بعد ذلك ويغادر الى عمله، مساء ذات اليوم وصل للأب اتصال هاتفي من زوجته تخبره بأن غدير لم يستيقظ من نومه رغم محاولاتها المتكررة في ايقاظه، نقل الاب ابنه الى المستشفى لكنه وصل متوفيا اذ اظهر تقرير الطب الشرعي أن وفاته نتجت عن “صدمة نزفية حادة ناتجة عن الكدمات المتعددة البليغة الشاملة لكل الجسم “.
يظهر ملف “غدير” تعرضه لحالات عنف متكررة اذ “وبتاريخ سابق على واقعة الدعوى كان قد ضرب المتهم المجني عليه وتم نقله إلى المركز الصحي حيث كان المتهم قد اعتاد ضربه بين فترة وأخرى”.
استفاد والد غدير من اسقاط الحق الشخصي في جريمة وفاة ابنه موتا على يده، اذ خفض الحكم من 7 سنوات هو الحد الادنى في جرائم الضرب المفضي الى موت الى ثلاث سنوات ونصف.
شمل قانون العفو العام كذلك الصادر في شباط 2019 والد “غدير” بالعفو اذ شمل العفو جميع قضايا الضرب المفضي الى موت الواقعة قبل تاريخ 12-12-2018.
كما قضية “غدير” كذلك الحال في جريمة وفاة الطفلة نورا “عامان ونصف” على يد والدها، يتشابه نورا وغدير أن كلاهما من ضحايا التفكك الأسري عاشت نورا سنواتها القليلة مع زوجة والدها وكانت تتعرض لمعاملة قاسية، الاب على إهمال نورا وعدم العناية بها إلى جانب عدم توفير الغذاء المناسب وإحاطتها بكافة أشكال الحب والحنان والعطف، حيث عمد وزوجته إلى عدم إطعام الطفلة وتغذيتها الغذاء الملائم والكافي، وضربها بشكل نمطي ووحشي ومتكرر إلى أن توفيت نتيجة نزيف دموي حاد أو ما يعرف بمتلازمة الطفل المرتج في تموز 2016.
رغم صدور قرار بالسجن لمدة 12 عاما بحق الأب لكنه تمكن من الحصول على اسقاط للحق الشخصي من قبل طليقته لتنخفض العقوبة الى 6 اعوام، ومع صدور قانون العفو العام شباط 2019 وشموله لقضايا الضرب المفضي الى موت خرج الأب من السجن بعد مرور عامين ونصف على جريمته وهي نفس سنوات حياة نورا التي قضتها تحت الضرب والتعذيب.
أثناء اعداد قانون العفو العام تقدمت النائب في البرلمان في حينه وفاء بني مصطفى “وزيرة الدولة للشؤون القانونية” بمقترح للجنة القانونية باستثناء الجنايات المرتكبة خلافا لأحكام قانون الحماية من العنف الأسري للعام 2017، لكن اللجنة ووفقا لبني مصطفى “لم تأخذ بالمقترح” كما تقدمت العين في حينه فداء الحمود “رئيسة ديوان التشريع والراي حاليا” بمقترح لمجلس الاعيان لاستثناء جرائم العنف الاسري لكن المقترح ايضا لم يتم الاخذ به.
وبالعودة الى المحامية أبو حلاوة فقد اشارت الى اشكالية اسقاط الحق الشخصي في هذه القضايا، لافتة الى نسبة لا بأس بها يتم اسقاط الحق الشخصي بها تحت الضغط المجتمعي أو العائلي.
وتبين كما في حاله العفو العام للعام 2019، فقد توسع لإسقاط العقوبة كاملة عن الجناة وهو ما شكل في حينه افلاتا من العقوبة وعدم إنصاف للضحايا، واعتبرت أن “إسقاط الحق الشخصي لا يعني توجه أهل الضحية إلى عدم معاقبة الجاني بالعقوبة بموجب الحق العام”.
وتوضح أن “هذا الإسقاط أساسا تم على أساس معاقبة هذا الشخص بموجب الحق العام وبناء على ضغوطات مجتمعية مورست للوصول إلى إسقاط الحق الشخصي”، معتبرة أنه “سيخلق مشاكل اجتماعية بين الجناة وأهالي الضحايا”.
وتختم، إن “العفو في جرائم القتل التي يكون بها الضحية أحد أفراد الأسرة يكون إسقاط الحق الشخصي تحصيل حاصل، وبالتالي أين حقوق الضحايا ومن يضمن حقوقهم”.