عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Sep-2020

عندما لا يعرف خطيب الجمعة ما يريد قوله*رمزي الغزوي

 الدستور

من المسلّمات أنه إذا كنت لا تعرف ماذا تريد أن تقول؛ فيمكنك أن تتحدث طويلاً، وبدون توقف من الآن. ولربما بهذا المعنى أجاب جورج واشنطن، أول رئيس أمريكي، حينما سُئل عن الوقت الذي يحتاجه لإعداد خطبة مدتها 5 دقائق؛ فقال إنه يحتاج إلى أسبوعين على أقل تقدير. ثم نظر إليهم وهمهم: وأستطيع أن أتحدث بلا توقف، إذا أردتم منذ الآن.
على وقع الاستياء الكبير من خطيب جمعة مسجد في إربد تذكرت هذه الحادثة البليغة الحكيمة. فالخطيب سلق الناس في الحر أكثر من الساعة بين خطبة وصلاة، ضاربا عرض الحائط تعليمات وزارة الأوقاف، غير مقدّر نظرات الغرابة والاستهجان في المصلين وهمهمات غضبهم.
طالبت في هذا الزاوية منذ أكثر من سنة، أن تكون الخطبة في حدها الأعلى 10 دقائق. وهذه فترة طويلة إذا ما حضّر لها الخطيب، واجتهد وبحث وتدرب على إلقائها. العشرة دقائق في زمننا السريع أكثر من طويلة، وتستطيع أن تبث فيها كثيرا من الأفكار والمعلومات والمواقف.
البعض من خطبائنا لا يعرفون ما الذي يريدون قوله تحديداً؛ ولهذا تطول خطبهم وتتشتت، وتأتي خبط عشواء وكأن الواحد منهم يريد أن يحيط بكل شيء في خطبته العرمرمية، ولهذا تراه بلا فكرة أو معنى أو مبنى.
بعضهم لا يعرف من الخطبة سوى البداية منها، ولا يتقن إلا الهروب من مواجهة موضوع الخطبة، إن كان لديه موضوع، بالحث الزائد والمتتالي على الصلاة على الرسول، عليه أفضل الصلوات والتسليم، ثم الأخذ من عمان والحطُّ في رمان؛ فتصبح الخطبة (شوربة)، لا جسد ولا رأس، ولا أثر سيعلق في نفس السامع إلا الغيظ.
لا نعرف على من يزاود خطيب جمعة حين يعتقل المصلين طوال هذه الفترة. ولا أعرف لماذا هذا التعذيب، وعدم مراعاة المريض وكبير السن وأشغال الناس. ويبدو وكان بعض الخطباء يتلذذ في هذا ويمعن في تنفيذه.
الخطبة ليست للآذان. بل هي محراك للأفكار والمعاني. وهي ليست اجترار لعبارات مستهلكة أيضاً، ولهذا نريد من الخطيب أن يحدثنا وهو على طبيعته، بذات نبرة صوته المعروفة، لا أن يزعق ويصرخ ويزبد. والأهم أن يجتهد في الإعداد للخطبة والتدريب عليها والبحث في موضوعها.
ولهذا على وزارة الأوقاف أن تعيد النظر في عملية تدريب الخطباء، فنحن نستحق إن نحظى بخطباء يحافظون على وقتنا ويحترمون عقولنا، وقد تستعين الوزارة بخبراء ومدربين، لأننا في زمن لا ضرورة فيه لزعيق بعض الزاعقين.