عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Sep-2024

مهرجان الأفلام الأوروبية 36: جسر ثقافي بين أوروبا والأردن

 الغد-إسراء الردايدة

 من بين الأحداث الثقافية البارزة في الأردن، يقف مهرجان الأفلام الأوروبية في دورته السادسة والثلاثين كمناسبة متميزة تجمع عشاق السينما.
 
 
هذا المهرجان ليس مجرد منصة لعرض الأفلام، بل هو جسر يربط بين الثقافات، ويتيح الفرصة للحوار والتبادل الثقافي من خلال الفن السابع، والذي يقام برعاية صاحبة السمو الملكي الأميرة ريم علي، ويستمر من 13 إلى 30 سبتمبر 2024، ويستضيف في هذا العام أكثر من 25 فيلما، تعرض في العاصمة عمان وبعض المحافظات الأردنية.
أهمية المهرجان ودوره في تعزيز الثقافة السينمائية
يمثل مهرجان الأفلام الأوروبية في الأردن حدثا سنويا مهما يتيح للجمهور الأردني فرصة نادرة لمشاهدة أفلام أوروبية متنوعة لم يسبق عرضها في المنطقة. 
الأفلام المعروضة تتنوع بين الدراما والكوميديا والأفلام الوثائقية والرسوم المتحركة، مما يمنح الجمهور فرصة التعرف على أنماط سينمائية جديدة وثقافات مختلفة. فالسينما ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل هي لغة عالمية تعبر عن قصص وأفكار تتجاوز الحدود الجغرافية. وفي هذا السياق، يسعى مهرجان الأفلام الأوروبية إلى تعزيز الحوار بين الثقافات من خلال عرض قصص تجسد التحديات التي تواجهها الشعوب.
وبما أن المهرجان ينظمه الاتحاد الأوروبي، فإنه يمثل أيضا فرصة لتقوية الروابط الثقافية والفنية بين دول الاتحاد الأوروبي والأردن، ما يعزز التفاهم المتبادل ويعكس الالتزام بالسلام والتسامح من خلال الفنون.
حضور السينما الأردنية في المهرجان
إلى جانب الأفلام الأوروبية، يُولي المهرجان اهتماما خاصا بالسينما الأردنية، حيث يتم عرض مجموعة من الأفلام المحلية التي تمثل الإنتاج السينمائي الأردني بمختلف أشكاله. ويأتي في مقدمة تلك الأفلام خمسة أعمال قصيرة مميزة تم عرضها في الليلة الختامية للمهرجان، وهي: "عبيد"، "دينار"، "البحر الأحمر يجعلني أرغب في البكاء"، "الحرش"، و"غصن زيتون".
وتقدم هذه الأفلام قصصا تعكس التجربة الأردنية وتجسد الحياة اليومية والتحديات التي يواجهها المجتمع المحلي. ومن خلال هذه الأعمال، يظهر التنوع في الأساليب السردية والتوجهات الفنية في السينما الأردنية، ويُمنح صناع الأفلام الأردنيون فرصة للتواصل مع جمهور أوسع، ليس فقط على المستوى المحلي بل على المستوى الدولي أيضا. 
العلاقة بين المهرجان والاتحاد الأوروبي
لطالما كان الاتحاد الأوروبي داعما رئيسيا لمهرجان الأفلام الأوروبية في الأردن. من خلال هذا الدعم، يهدف الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز التبادل الثقافي بين دوله والأردن، والتركيز على أهمية السينما كوسيلة للتعبير الفني والإنساني.
كما أن الأفلام التي تُعرض في المهرجان تقدم تنوعا كبيرا في الأساليب الفنية والقيم الثقافية، مما يعزز من فهم أعمق للتجربة الإنسانية المشتركة بين الشعوب.
ومن خلال دعم المهرجان، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى ترسيخ قيم التعاون والسلام، إذ يُعد المهرجان بمثابة منصة للتواصل بين الفنانين والمبدعين، ما يسمح بنقل تجاربهم وقصصهم إلى الجمهور الأردني والعالمي.
الأفلام الفلسطينية في المهرجان: نافذة على معاناة وصمود الشعب الفلسطيني
من بين الأفلام المشاركة في مهرجان هذا العام، كان هناك تركيز خاص على القضية الفلسطينية من خلال عرض فيلمين مميزين هما "باي باي طبريا" و"فيلم غزة".
"باي باي طبريا"، يتناول الفيلم قصة مجموعة من النساء الفلسطينيات اللواتي تم اقتلاعهن من أرضهن بعد النكبة عام 1948.
ويعكس الفيلم معاناة النساء اللاتي تم تهجيرهن من مدينة طبريا، وما زلن يحملن ذكريات الماضي وآلام الفقد. عبر مشاهد مؤثرة وقصص حقيقية، يعكس الفيلم قوة المرأة الفلسطينية وصمودها في وجه الظروف القاسية. 
ويعد الفيلم الذي أخرجته لينا عباس وشاركت فيه الممثلة هيام عباس شهادة على النزاع الفلسطيني المستمر مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو فيلم يجسد مشاعر الفقد والألم المتوارثة عبر الأجيال.
أما "غزة"، فهو فيلم وثائقي يتناول الحياة اليومية لسكان قطاع غزة الذين يعيشون تحت الحصار الإسرائيلي المستمر. 
ويقدم الفيلم الذي أنتجته ايرلندا لمحة عن صمود سكان القطاع، حيث يعرض قصصا لأشخاص عاديين يحلمون بحياة أفضل رغم الظروف الصعبة. 
كما يعكس الفيلم التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في غزة في ظل الحصار، ويرسم صورة إنسانية عميقة تعبر عن الأمل والإصرار على البقاء.
ومن خلال عرض هذين الفيلمين، يسعى مهرجان الأفلام الأوروبية إلى تسليط الضوء على المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال. 
ويهدف المهرجان إلى تقديم نظرة جديدة تعكس الأبعاد الإنسانية للصراع الفلسطيني، بعيدا عن السرديات السياسية المعتادة، خاصة في ظل وقوف بعض الدول الأوروبية التي اعترفت بفلسطين كدولة وأدانت الممارسات الوحشية للاحتلال الصهيوني بينما البعض الاخر يقف داعما أو متفرجا أمام جرائمه.
فيلم الافتتاح... "Io Capitano" الهجرة: بين الحلم والواقع القاسي
من إبداع المخرج الإيطالي المرموق ماتيو غاروني، يأتي فيلم "Io Capitano" ليعيد رسم ملامح قصة الهجرة التقليدية من خلال عدسة حادة وأصيلة، مثيرة للتفكير والتأمل. 
عُرض الفيلم لأول مرة في مهرجان سانتا باربرا الدولي للأفلام في فبراير 2023، ليحظى باستقبال جماهيري كبير، حيث امتلأت قاعة العرض تماما في الساعة الثامنة صباحا. الفيلم يتتبع قصة ابنَي العم المراهقين سيدو (سيدو سار) وموسى (موستافا فال) في رحلتهما المحفوفة بالمخاطر من مسقط رأسهما في داكار، السنغال، وصولاً إلى إيطاليا.
يتناول "Io Capitano" رحلة الهجرة التي بدأت بحلم مؤلم للوصول إلى النجومية الموسيقية في أوروبا، ولكنه سرعان ما يتحول إلى كابوس حقيقي ينتزع من سيدو وموسى سذاجتهما وأحلامهما المثالية. إذ يغادران منزلهما، متحديين رغبات عائلتهما الصريحة بالبقاء، ليواجهان تحديات متتالية تضع إنسانيتهما وبقاءهما على المحك. 
ومن خلال الرحلة، يتعرضان للاحتيال من مهربي البشر، ثم يجبرهما القدر على عبور صحراء قاسية أدت إلى وفاة العديد من المهاجرين قبلهم. كما يتعرضان لهجوم عنيف من قبل المافيا الليبية، حيث يشهدان ويلات التعذيب وعمليات الابتزاز الوحشية التي تمارس على المهاجرين الأبرياء.
وسط هذه الفظائع، لا يملك سيدو سوى أن يشاهد امرأة تنهار في الصحراء دون أن يتمكن من إنقاذها أو حتى الحداد عليها بشكل صحيح، بينما ينجو موسى من تعذيب المافيا بصعوبة وبجروح خطيرة. رغم ذلك، لم يكن أمامهما خيارا للعودة. لقد استثمرا وضحيا بالكثير، ووضعا حياتهما على المحك مع كل خطوة للأمام، لتصبح الرحلة محكومة إما بالنجاح أو الموت منذ بدايتها.
ما يميز فيلم "Io Capitano" بشكل خاص هو الاهتمام الكبير بالتفاصيل، والذي ساهم بشكل كبير في التأثير العاطفي للفيلم. 
وكان حرص غاروني على أن يكون جميع الكومبارس من المهاجرين الحقيقيين تكريما لهؤلاء "الأبطال المعاصرين". كما أبدع في تصوير مشاهد الصحراء والبحر الشاسع، حيث بدت تلك المساحات وكأنها تبتلع شخصيات الفيلم، مما يعكس الإحساس بالضياع والعزلة التي يعيشها المهاجرون في رحلتهم.
وعلى الرغم من أن كلا من سيدو سار وموستافا فال لم يكونا قد دخلا عالم التمثيل من قبل، إلا أن أدائهما كان مؤثرا للغاية، وجعل الحدود بين الشخصية والممثل تتلاشى تماما. كلاهما استطاع أن ينقل مجموعة واسعة من المشاعر التي عكست بعمق معاناة المهاجرين وآمالهم. وفي جلسة الأسئلة والأجوبة، كشف سار وفال أن غاروني لم يمنحهما نصا مكتوبا بالكامل، مما جعلهما "مكفوفي الحبكة" – وهي تقنية ساعدتهما في بناء التوتر الداخلي وزيادة العاطفة في أدائهما، حيث سمحت لهما بالتصرف كما لو أنهما يعيشان فعليا ظروف الشخصيات.
ويروي فيلم "Io Capitano" قصة إنسانية بحتة تتعلق بالهجرة والسياسات الحالية المتعلقة بها، ولكنه يركز بشكل أكبر على الجانب الإنساني للمهاجرين بدلا من السرد السياسي المباشر. إن القصة ليست فقط عن المأساة، بل هي أيضا عن الأمل، عن أولئك الذين يرفضون الاستسلام للأقدار القاسية ويصرون على تحقيق أحلامهم، مهما كانت المخاطر.
لكن الفيلم يواجه بعض التحديات، من أبرزها أن إخراجه تم بواسطة مخرج أبيض إيطالي، وهو ما قد يُثير تساؤلات حول كيفية تقديم الرواية الغربية لقضية حساسة مثل الهجرة. يُضاف إلى ذلك أن بعض مشاهد الفيلم، رغم جمالها البصري، قد تبدو للمشاهدين وكأنها تبتعد عن الواقعية لصالح الدراما البصرية، مثل المشاهد التي تذكرنا بأفلام شهيرة مثل "The English Patient" أو "Midnight Express". كما أن العنصر الخيالي الذي تمثل في وجود ساحر إفريقي قد يبدو بعيدًا عن الروح الحقيقية للثقافة الإفريقية، مما جعله يظهر وكأنه عنصر دخيل أكثر من كونه جزءا طبيعيا من السرد.
في نهاية المطاف، يعد فيلم "Io Capitano" عملا سينمائيا قويا يتحدث عن قوة الإرادة البشرية في مواجهة الصعاب. إنه فيلم يحتفي بالإنسانية ويعرض قسوة الحياة التي يعيشها المهاجرون في رحلاتهم، ولكنه أيضًا يعكس الجمال الذي يكمن في المثالية التي تحتفظ بها شخصيات الفيلم حتى اللحظات الأخيرة. ورغم بعض التحديات التي واجهت الفيلم في تقديم القصة من منظور غربي، إلا أن أداء الممثلين والاهتمام بالتفاصيل والرسائل الإنسانية العميقة تجعل من "Io Capitano" فيلمًا يستحق المشاهدة والتمعن.
طول مدة المهرجان والتحديات
رغم النجاح الكبير الذي يحققه المهرجان سنويا، إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجهه، ومن أبرزها طول مدته التي تمتد إلى 18 يوما. 
هذا الطول قد يكون عائقا أمام بعض الجمهور الذين قد يجدون صعوبة في متابعة العروض السينمائية لفترة طويلة، خاصة في ظل الأحداث المحيطة في المملكة والانشغالات الحياتية اليومية ومسؤولياتها. 
ولتحسين تجربة المهرجان، قد يكون من المفيد التفكير في تقصير مدة المهرجان ليكون أكثر تركيزا، مع زيادة عدد العروض في اليوم الواحد. كما يمكن تعزيز الفعاليات التفاعلية مثل ورش العمل والجلسات الحوارية لجذب جمهور أوسع وتعميق تجربة المشاهدين.
السينما كجسر ثقافي
يبقى مهرجان الأفلام الأوروبية في الأردن حدثا فنيا وثقافيا رائدا يعزز التفاهم بين الشعوب من خلال قوة السينما. الأفلام التي تُعرض في المهرجان تمثل قصصا من مختلف أنحاء العالم، وتعكس تجارب إنسانية متنوعة تستحق أن تُروى. سواء كانت الأفلام تتناول قصصا عن الهجرة أو الحرب أو الأمل، فإنها تقدم للجمهور فرصة للتفاعل مع تجارب الآخرين والتفكير في القضايا الإنسانية المشتركة.
إن السينما كفن عالمي تمتلك القدرة على تجاوز الحدود اللغوية والثقافية، ومهرجان الأفلام الأوروبية في الأردن هو خير دليل على ذلك. إنه جسر للتواصل بين الثقافات، ومنصة لعرض قصص تحمل في طياتها الأمل والإبداع والصمود.