أسانج.. هل قدموه قربانا على مذبح واشنطن؟
أحمد حموش
مع اعتقال السلطات البريطانية جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس الخميس، طفت الكثير من علامات الاستفهام على السطح بخصوص الأسباب التي دفعت النظام الحاكم في إكوادور للتخلي عن أسانج الذي سبق ومنحته حق اللجوء السياسي، ثم جنسيتها في وقت لاحق. وبمجرد اعتقاله، سارعت السويدية التي اتهمته باغتصابها للتصريح بأنها ستطلب إعادة فتح ملف اتهامها له والذي كان أغلق قبل سنوات.
منح اللجوء ثم الجنسية لأسانج حدث في عهد الرئيس السابق رافائيل كوريا، السياسي المنحدر من طبقة فقيرة، والذي تولى مناصب بارزة بينها وزير الاقتصاد في عهد الرئيس ألفريدو بالاسيو.
اتبع كوريا منهجا اشتراكيا حيث قوى أسس الدعم الاجتماعي للفقراء، وأسس برفقة رئيس فنزويلا الراحل هوغو شافيز "الاتحاد البوليفاري لأميركا" في يونيو/حزيران 2009.
ومنذ توليه الرئاسة في 15 يناير/كانون الثاني 2007 وحتى 24 مايو/أيار 2017، نجح كوريا في تحقيق نجاحات اقتصادية لبلده منحته ثقة الناخبين، لكن الولايات المتحدة لم تكن تنظر إليه بعين الرضا بسبب سياساته المخالفة لطموحاتها.
لينين "الغربي"
لكن الأوضاع تغيرت بشكل كامل مع خلفه لينين مورينو الذي عمل نائبا للرئيس كوريا منذ 2007 وحتى 2013، حيث ولى لينين -بعد انتخابه رئيسا عام 2017- وجهه صوب الولايات المتحدة، كما غير خريطة تحالفاته في أميركا اللاتينية، وكان آخر ملامحها اعترافه بخوان غوايدو رئيسا لفنزويلا، في ظل الصراع الأميركي الغربي ضد حكم نيكولاس مادورو رمز الثورة البوليفارية الذي يريد العام سام رأسه.
كما سارع مورينو لتوطيد العلاقات مع صندوق النقد الدولي، وحصل على قرض يناهز 4.2 مليارات دولار، واتهمه خصومه بأنه ارتمى في الحضن الأميركي متخليا بذلك عن نهجه السابق منذ 2007، عندما كان نائبا للرئيس كوريا.
وكان مورينو أصيب عام 1998 بطلق ناري خلال عملية سرقة مسلحة، ومنذئذ لا يمشي إلا على كرسي متحرك.
في هذا السياق، جاء قرار لينين برفع الغطاء السياسي عن أسانج -الذي تريد الولايات المتحدة جلبه لأراضيها لمحاكمته- ووجهت له تهما غليظة لها علاقة بأمن البلاد، بسبب ويكيليكس ومئات آلاف الوثائق التي نشرها.
وتقول واشنطن إن أسانج حصل على ما يقرب من تسعين ألف تقرير يتعلق بعمليات القوات الأميركية في أفغانستان ونحو أربعمئة ألف تقرير لعمل القوات الأميركية في العراق، ووثائق تقييم تتعلق بثمانمئة معتقل في سجن غوانتانامو، و250 ألف برقية تابعة للخارجية الأميركية.
وتتهمه بالحصول على تلك الوثائق عبر محلل الاستخبارات السابق برادلي مانينغ الذي أجرى عملية تحول جنسي وأصبح امرأة باسم تشلسي مانينغ، وأطلق سراحها عام 2017 بعد أن خفف الرئيس السابق باراك أوباما سجنها إلى نحو سبع سنوات من أصل 35 حكم عليها بها، حيث كان يفترض أن تنال حريتها عام 2045.
أكبر خائن
الرئيس السابق رافائيل كوريا اتهم نائبه السابق والرئيس الحالي -الذي يحمل اسم قائد الحزب البلشفي والثورة البلشفية ومؤسس الاتحاد السوفياتي لينين- بأنه "أكبر خائن في تاريخ إكوادور وأميركا اللاتينية" بحسب ما أوردته صحيفة لوموند الفرنسية.
كما وصف قراره برفع الحصانة عن أسانج وتسليمه للبريطانيين بأنه "أكثر القرارات خسة في التاريخ" وبأنه "جريمة لن تنساها الإنسانية" تضيف الصحيفة الفرنسية المعروفة.
لكن مورينو شرح في قراره يوم 11 من الشهر الجاري أن تسليم أسانج سببه "سلوكه غير المحترم والعنيف" والذي خلق "وضعية لا يمكن تحملها".
واتهم مورينو أسانج كذلك بـ "خرق الاتفاقات الدولية" وبجلب تجهيزات غير مصرح بها لمقر السفارة، إلى جانب الاعتداء على موظفين بالسفارة.
وزاد سفير إكوادور لدى بريطانيا جيمي مارشن تلك الاتهامات وضوحا عندما قال "العادات القذرة وقلة النظافة والغرور وعدم الاحترام" لأسانج عجلت بتسليمه.
وهذه الاتهامات ليست جديدة، حيث اشترطت سفارة إكوادور على أسانج، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أن يهتم بقطته ويحافظ على نظافة حمامه الخاص إن هو أراد الاستفادة من شبكة الإنترنت.
وقطع النت عن أسانج، إثر اتهامه من طرف نظام مورينو بالدعم العلني للانفصاليين الكتالونيين، بعد استفتاء الانفصال عن إسبانيا.
ونقلت وسائل الإعلام وقتها أن الرئيس الإكوادوري طلب من أسانج البقاء بعيدا خارج نطاق الأزمة الدستورية في إسبانيا.
قربان؟
"قلة النظافة" وتربية قطة مزعجة، ودعم الكتالونيين، لم تكن التهم الوحيدة التي وجهها مورينو ونظامه لأسانج، بل تعدتها لتهم أخرى كثيرة بينها التجسس والتخابر مع روسيا على حساب المصالح الإكوادورية.
وقصة الخلاف بين أسانج والنظام الذي يقوده الرئيس مورينو، بدأت منذ مجيئه رئيسا للسلطة عام 2017، حيث بدأ يحرم أسانج من الإنترنت بحجة تورطه في تأييد قضايا دولية لاهبة بينها انفصال كتالونيا.
في تلك السنة، بدأت المضايقات تشتد على أسانج الذي حاول إيجاد مخرج قانوني لوضعه، عبر رفع دعاوى قضائية لتبرئته من تهم الاغتصاب التي أجبرته على اللجوء إلى سفارة إكوادور.
غير أن آمال أسانج بأن ينال حريته ويخرج من مقر السفارة الإكوادورية تبخرت في فبراير/شباط 2018، عندما رفضت القاضية البريطانية إيما آربوثنوت إلغاء مذكرة التوقيف التي أصدرتها الشرطة بحقه لانتهاكه شروط إطلاق سراحه ولجوئه إلى سفارة إكوادور في لندن.
واعتبر محامو أسانج وقتها أن مذكرة التوقيف "فقدت هدفها ووظيفتها" بعدما أوقفت النيابة العامة السويدية ملاحقة مؤسس ويكيليكس في قضية اغتصاب دفعته إلى طلب اللجوء في السفارة.
وفي يوليو/تموز 2018 ذكر موقع "ذا إنترسبت" الأميركي أن إكوادور تخطط لسحب حق اللجوء من أسانج، وطرده من سفارتها. ونقل الصحفي بالموقع غرين غريتوالد أن الرئيس مورينو سافر إلى بريطانيا في نفس الشهر للاجتماع مع مسؤولين، لوضع اللمسات الأخيرة على صفقة يتم بموجبها سحب الحماية عن أسانج وتسليمه إلى السلطات البريطانية.
وبعد ذلك بأربعة أشهر، كشفت واشنطن بوست -في مقال تحليلي للكاتب سيمون تيغيل- عن أن الرئيس مورينو قد يضغط على أسانج لمغادرة السفارة طواعية، وأنه قد يسعى للحصول من الولايات المتحدة على ضمان استبعاد عقوبة الإعدام في أي محاكمة محتملة لأسانج.
ومن الحلول التي كان يسعى لها أسانج أن يتمكن من السفر لروسيا بعد حصوله على الجنسية الإكوادورية والحماية الدبلوماسية، لكن مخططه فشل خاصة بعد توتر علاقة لندن وموسكو بسبب قضية الجاسوس سيرغي سكريبال التي اتهمت فيها بريطانيا روسيا بمحاولة تسميمه بغاز الأعصاب على أراضيها، مما تسبب بموجة طرد متبادلة للدبلوماسيين بين موسكو ولندن ودول غربية.
انتقام؟
خصوم مورينو -تؤكد لوموند- أنهم رأوا في قراره تسليم أسانج انتقاما من مؤسس ويكيليكس الذي سرب وثائق تثبت استفادته من الملاذات الضريبة التي اتهمت أسماء سياسية بارزة في العالم بالتورط فيها هربا من الضرائب المرتفعة في بلدانهم.
وتضيف الصحيفة الفرنسية أن قرار تسليم أسانج استفز المؤسسة الرسمية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في إكوادور "دفاع عن الشعب" التي عبرت عن قلقها البالغ من قرار الرئيس تسليم أسانج، مؤكدة أن رفع الحصانة عنه، وسحب جنسيته دون احترام لأي مسطرة قانونية، من شأنه المس بحقوقه الأساسية كإنسان.
في حين بدأ رجال القانون في إكوادور يتساءلون عن التبعات القانونية لقرار الرئيس الذي سارع للتوضيح بأنه حصل على خطاب رسمي من بريطانيا تتعهد فيه بعدم تسليم أسانج إلى دولة أو مكان يمكن أن يتعرض فيه للتعذيب أو للإعدام.
لكن مؤيدي أسانج يوضحون أنه إن سلم إلى الولايات المتحدة، فلن يعدم وهذا صحيح، لكن قد يقضي عقوبة بالسجن لعشرات السنين، وإن كان حظ مانينغ أن وجدت رئيسا مثل أوباما لتخفيف مدة السجن عنها من 35 عاما إلى سبعة أعوام، فإن حظ أسانج سيكون بلا لون ولا طعم مع دونالد ترامب حاكم البيت الأبيض الذي قد يستمر في منصبه لولاية جديدة تمتد إلى 2024.
المصدر : الجزيرة + وكالات