الصحافية المغربية هاجر الريسوني تخرج من المحكمة رافعة شارة النصر بعد الحكم بسجنها
سعيد المرابط
الرباط –« القدس العربي»: «ماذا سأقول»، تقول جهاد بلغزال، لصحيفة «القدس العربي»، والدموع رقراقة من عيونها، قبل أن تضيف بصوت مهدج: «الحكم على رفعت كان صادماً ومؤلماً، ومن يعرف رفعت وطيبته ونضاله المبدئي، سيكون حزنه وألمه مضاعفين».
بين دموع الصحافيين والحقوقيين، وصدمة العائلات، وتذمر المتابعين، حُكم على الصحافية المغربية هاجر الريسوني -التي خرجت من المحكمة رافعةً شارة النصر- ذات الـ28 عامًا، يوم الإثنين، من قبل محكمة الرباط الابتدائية، بالسجن لمدة عام بتهمة ارتكاب «جريمة الإجهاض وعلاقة جنسية خارج إطار الزواج»، كما تم تطبيق هذا الحكم نفسه على زوجها المستقبلي، رفعت الأمين عباس مرغني، المدافع عن حقوق الإنسان، والمدير التنفيذي لـ»الأكاديمية السويسرية لحقوق الإنسان، ذي الـ38 سنة. وحكم على الطبيب النسائي الذي قام بعملية الإجهاض بالسجن مدة عامين، كما قررت المحكمة السجن سنة واحدة لخطيبها. وحكم على طبيب التخدير بالسجن مدة عام مع وقف التنفيذ. فيما أدينت الكاتبة بثمانية أشهر مع وقف التنفيذ.
وقال عبد المولى المروري، عضو هيئة دفاع الصحافية هاجر الريسوني، أمس الثلاثاء، إنه تم استئناف الحكم على هاجر الريسوني وخطيبها رفعت الأمين. كما قالت مريم مولاي رشيد، محامية الطبيب جمال بلقزيز، إنها تقدمت لاستناف الحكم الصادر في حق موكلها.
حب وسجن
خارج أسوار المحكمة، تلقى المتجمهرون الحكم كالفاجعة، وعند سماعه بدأت العائلة والأصدقاء المحيطون بالصحافية الشابة وبالحقوقي السوداني بالبكاء، رغم أنهما ظلا هادئين مبتسمين للحكم الذي تلاه قاضي الجلسة بتوتر ضاغطاً على حروفه.
وخلال كلمتها أثناء جلسة النطق بالحكم داخل المحكمة الابتدائية بالرباط، نفت هاجر الريسوني «خضوعها لأي عملية إجهاض»، مؤكدة أنها لم تقبل أن «يتم أخذ الدم منها، وأنها عبرت عن رفضها ذلك أثناء إجراء الفحص».
وعن تهمة «الفساد وعلاقة خارج الزواج» التي تربطها بالسوداني رفعت أمين، أكدت الصحافية هاجر الريسوني -بثبات وحسم وثقة في النفس- أنها قبلت به بعلاً لها، قائلةً: «قبلت الزواج منه، وكان ذلك بعلم العائلة الصغيرة والكبيرة»، وبعلم «أصدقائها ومقربيها»، حسب قولها، مشيرة إلى أنهما هي ورفعت «قدما طلب الزواج لدى السفارة السودانية».
وقال ممثل النيابة العامة (المدعي العام) إن «التلبس ثابت في ملف هاجر الريسوني»، وإن «محاضر الشرطة لا تزال ثابتة»، وقال إن دفاع هاجر الريسوني «فشل في إثبات براءة موكلته، مطالبين بتطبيق القانون». وقال عبد المولى مروري، أحد محامي الدفاع للصحافية الشابة: «إنها عقوبة تتعارض مع روح القانون والعلوم، فثمة دليل يثبت أنه لم يحدث أي إجهاض». وخلال الجلسات الثلاث السابقة، نفى الخمسة المدانين حدوث أي إجهاض. وعلى المنوال نفسه، جادل المحامون الذين تطوعوا للدفاع في هذه القضية عن براءة الصحافية هاجر وبقية المدانين «الذين لم ينتهكوا القانون».
الناشطة الحقوقية جهاد بلغزال، واحدة من أصدقاء رفعت الأمين المقربين، قالت لـ»القدس العربي»، بصوت مهدج غلبت على صاحبته الدموع: «كنا نمازح رفعت المزداد بتاريخ 14 شباط/ فبراير 1982، بأنه من مواليد عيد الحب، ولكن لم نكن نعتقد أن ذلك الحب سيقوده نحو أقبية السجون». وتضيف بلغزال: «كنا نأمل الحرية لرفعت وهاجر، كنا نأمل أن تنتصر اليوم الحقوق والحريات مقابل الظلم… لكن خابت آمالنا من جديد».
وتسببت قضية الريسوني في غضب شديد وحملة تضامن غير مسبوقة على الشبكات الاجتماعية، داخل وخارج المغرب. وبمجرد معرفة الحكم، ارتفع صوت الصراخ من أصدقاء وعائلة الصحافية وبقية المتهمين، نشطاء حقوق الإنسان والمحامين والصحفيين المغربيين والدوليين.
وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، تعقيباً على الحكم القاسي على هاجر الريسوني: «إن حكم اليوم بمثابة صفعة شديدة لحقوق المرأة في المغرب. فما كان ينبغي أن تُعتقل هاجر الريسوني وخطيبها والعاملون الطبيون المتورطون في القضية، في المقام الأول. مضيفة: «وبدلاً من التشهير العلني بهاجر الريسوني، بانتهاك خصوصيتها وإدانتها بتهم ظالمة، ينبغي على السلطات المغربية أن تلغي إدانتها، وتأمر بإطلاق سراحها فوراً ودون قيد أو شرط، وكذلك إطلاق سراح جميع الآخرين المتهمين في هذه القضية».
ودانت منظمة «مراسلون بلا حدود» الحكم الصادر في حق الصحافية هاجر الريسوني، ونددت بـ»الملاحقة القضائية الشرسة التي تطال هاجر»، معتبرة أمر حبسها لسنة كاملة حكماً «مجحفاً إلى حد كبير»، وعبرت المنظمة في بلاغها الصادر أمس الثلاثاء، عن رفضها استخدام خصوصية الصحافيين كوسيلة للضغط عليهم، مطالبة بالحكم ببراءتها في الاستئناف.
واعتبر رئيس الحكومة المغربية السابق، عبد الإله بنكيران، أن الحكم بسنة سجناً نافذاً في حق الصحافية هاجر الريسوني، حكماً قاسياً ومؤلماً جداً، ولم يكن منتظراً بهذا الحجم.
وقال خالد البكاري لـ»القدس العربي»: «أعرف أن المخزن لم يعد يأبه بأي رأي عام داخلي أو خارجي، لقد اشترى صمت الحكومات التي تتدخل في الشأن الداخلي للدول المارقة؛ عبر ورقة حقوق الإنسان، بالتعاون الأمني في ملفات الإرهاب والهجرة غير النظامية».
وأضاف الناشط الذي حضر يوم الإثنين، مع العديد من الناشطين الآخرين، أن النظام المغربي «يستفيد من سياق إقليمي ودولي، حيث لا تحتل حقوق الإنسان سوى ترتيب متدني في لائحة الأولويات». البكاري، شأنه شأن من حضروا أجواء المحاكمة، محاكمة عاينتها «القدس العربي»، منذ بدايتها، يرى أنها كانت متميزة بالتأخير وبالآمال تارة، رغم أن السواد الأعظم كان يتوقع «أحكاماً ثقيلة». وفي خضم النقاشات الجانبية التي كانت على هامش الجلسة، التي انقسمت بين من يرى أن هاجر ضحية قلم عمها «سليمان الريسوني»، الصحافي ذو الخلفية اليسارية، وبين من يراها ضحية عمها الآخر «أحمد الريسوني» الذي خلف «يوسف القرضاوي» على رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين… كانت هنالك ثلة ترى أن المقصود هو الحقوقي السوداني رفعت الأمين.
*النظام يستعرض عضلاته
خالد البكاري يرى أن النظام يستعرض عضلاته ويدق آخر إسفين في البلاد، مدركاً أنه «مغتر بضعف المعارضات أو جبنها أو انتظاريتها» ويتساءل مستدركاً: «لم أفهم ماذا سيستفيد النظام من سجن صحافية شابة، من اعتقال ناشط حقوقي سوداني لا يهدد أمن البلاد؟!».
ويضيف البكاري، في طرح علامات الاستفهام: «ماذا سيستفيد من هذه الصورة التي ترسمها المنابر الإعلامية الوازنة دولياً؟… هل هي صورة مغرب يحاكم مواطنيه بقوانين لا يقبلها منطق العصر؟ ماذا سيستفيد من تسلسل تقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي لا تكاد تخرج من ملف يدين الدولة حقوقياً، حتى تجد نفسها مجبرة على تدبيج تقرير آخر، مع العلم أن الأشخاص الذين تم انتهاك حقهم في المحاكمة العادلة لا يشكلون أي تهديد ظرفي ولا استراتيجي للتوازنات القائمة؟».
ويقول البكاري، في تعليقه على الحكم، بلهجة متأثرة: «لا أريد أن أقتنع أن الدافع الوحيد هو الانتقام والتشفي، قد أقبل مجبراً العيش في دولة الاستبداد، ولكن من الصعب ابتلاع مرارة أن يكون الحاكمون لا يتقنون في استبدادهم سوى لعب الصغار، الضرب من الخلف». وقال نور الدين عيوش، الفاعل الجمعوي المقرب من المراجع العليا، إن الغرض من محاكمة وإدانة الصحافية هاجر الريسوني وباقي المتابعين معها «سياسي، حتى لا يبقى المواطنون يتكلمون ويعبرون عن معاناتهم»، وأضاف: «صدمت من هذه الأحكام القضائية، ولا أحد كان يتوقع ويتمنى وقوع ذلك، كما أني لم أعد أفهم ماذا يقع في هذا البلد».
#الحرية_لهاجر
وبمجرد إعلان الحكم في ملف الصحافية الريسوني ومن معها، اندلعت في منصات التواصل الاجتماعي حملة تضامن واسعة مستنكرة الحكم، وعبر العديدون عن استغرابهم لـ«قسوة» الحكم القضائي. وشهد موقع «تويتر» احتلال عبارة «هاجر» المرتبة الأولى في «الطوندونس المغربي»، حيث فاقت عدد التغريدات التي تحتوي اسم “هاجر” 20 ألف تغريدة إلى حدود كتابة هذه الأسطر. كما تداول نشطاء المنصات الاجتماعية بقوة صورة هاجر الريسوني عند خروجها من المحكمة وهي مبتسمة ترفع شارة النصر، وشهدت عدة وسوم تداولاً واسعاً مثل #الحرية_لهاجر، والحرية_لهاجر_الريسوني، وكذا #FreeHajar.
وأطلق من خلالها النشطاء الفيسبوكيون والحقوقيون، والفاعلون السياسون والصحافيون هاشتاغ «الحرية لهاجر»، وصوراً سوداء اللون على «بروفيلاتهم» الخاصة.
وفتحت قضية هاجر النقاش حول الحريات الفردية، والمطالبة بتعديل للقانون الجنائي الحالي في البرلمان المغربي. وفي هذا النقاش، يطالب التيار التقدمي في مملكة محمد السادس بإلغاء «تجريم العلاقات الرضائية خارج إطار الزواج»، وكذلك «الإجهاض»، و»المثلية الجنسية».
وخلافًا للقضايا السابقة حول القضايا الفردية في المغرب، فقد لفتت قضية هاجر الأنظار إلى القطاعات المحافظة في المغرب، بقيادة حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي، الذي يعارض جناحه الدعوي تجريم الإجهاض أو العلاقات خارج إطار الزواج، لأنها «تتعارض مع الدين».
وتقول الأرقام الرسمية إنه في عام 2018، تمت محاكمة ما مجموعه 73 شخصاً بسبب «جريمة الإجهاض»، لكن هذه المحاكمات لم تحظ باهتمام وسائل الإعلام.
ووفقاً للجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، يتم إجراء ما بين 600 و800 عملية إجهاض بشكل غير قانوني في المغرب يومياً، تتم في عيادات طبية بشكل سري، وأحياناً لا تضمن السلامة الصحية للمُقدمة على الإجهاض.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن العدالة المغربية رفعت دعوى على 14 ألفاً و503 شخصاً في عام 2018 لممارستهم علاقة خارج الزواج، و3048 للزنا، و170 بسبب الشذوذ الجنسي، و 73 للإجهاض، ويتم الحكم على العديد من هذه القضايا وحلها، بتقدير كبير، خارج نطاق تركيز وسائل الإعلام.
هناك أيضاً قضايا أخرى موجودة في القانون الجنائي المغربي، مثل «خدش الحياء»، و»التحريض على الفجور» أو «فقدان العذرية»، ويتم تطبيق أحكام ثقيلة عليها، وفقاً لمزاج القضاة في العديد من المناسبات، كما يقول النشطاء الحقوقيون.
وفي غمرة هذا النقاش حول الحريات الفردية بالمغرب، أطلق نشطاء وحقوقيون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة «خارجين عن القوانين»، لجمع التوقيعات، يعترفون فيها أنهم خارجون عن القوانين الجنائية المكبلة للحريات الفردية. واعتبرت كريمة ندير الناشطة الحقوقية، أن المبادرة تدعو إلى فتح نقاش وطني حول الحريات الفردية وحمايتها قانونياً، وإنهاء عمليات الإجهاض السري عبر تقنينه، وعدم تجريم العلاقات الجنسية بين البالغين خارج إطار الزواج»، وأضافت أن بعض فصول «القوانين الجنائية» تهدد حقوق الإنسان، وتستعمل في أدوات كثيرة للانتقام الشخصي والسياسي».
وأطلقت فدرالية رابطة حقوق النساء حملة تحت شعار «باركا من محاكم التفتيش.. بغيت (أريد) قانوناً يحمي حريتي وحقوقي»، تهدف إلى إسقاط الفصول المجرّمة للحريات الفردية من القانون الجنائي، واعتبرت الفدرالية في ندوة صحافية عقدتها مساء أول أمس الإثنين بالرباط، أنّ فصول القانون الجنائي، كما هو منصوص عليها حالياً، «متجاوزة ولا تليق بمغرب 2019»، داعيات إلى سَنّ «قانون جنائي ملائم للمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، ولدستور 2011، وحامٍ لحقوق النساء».