الغد
كيف سيعود السوريون في الأردن إلى بلادهم وهم يشهدون انفجار الأحداث مجددا في شمال سورية، واحتمال توسعها إلى مناطق ثانية بما فيها مناطق جنوب سورية المجاورة للأردن؟.
مناسبة السؤال المخاوف من موجة هجرة جديدة من سورية إلى الأردن، والكلام هنا لا يأتي من باب المبالغة، لأن قراءة التصعيد في سورية، وانتهاء ما كان يسمّى "خفض التصعيد" يقول إن كل شيء محتمل بما في ذلك انفجار مناطق جنوب سورية، وما على الحدود الممتدة على مئات الكيلومترات من جماعات سورية، وإيرانية، ولبنانية، إضافة إلى صحوة داعش المفاجئة في بعض المناطق، واحتمال صحوتها مجددا في مناطق الجنوب، في سياق إنعاش سيناريو الاقتتال الداخلي عبر جماعات مختلفة، بهدف طرد إيران وجماعاتها من سورية.
كنا نسأل السوريين عن سبب عدم رغبتهم بالعودة فيشيرون إلى أن سورية ساحة حرب، قد تنفجر في أي لحظة، إضافة إلى أن سورية مفتوحة لأعمال الثأر والانتقام خصوصا في المناطق العشائرية أي جنوب سورية، ومناطق ثانية، بسبب عمليات القتل والتعذيب ومس العرض وغير ذلك، ويعدد السوريون اعتبارات اجتماعية واقتصادية، تمنع عودتهم أيضا.
قراءة الوضع الإقليمي تخضع لمحددات مختلفة وفي الملف الأردني فإن الأخطار محددة بعدة نقاط أولها تقسيم سورية، ونشوء دويلة سنية جديدة مجاورة للأردن، من بين عدة دويلات مسيحية وعلوية ودرزية، أو استمرار عمليات صناعة وتهريب المخدرات في ظل الفوضى قرب الحدود مع الأردن، أو نشوء جماعات متطرفة جديدة تقاتل الجيش السوري أو جماعات إيران قرب الحدود مع الأردن، أو محاولة الإيرانيين تنفيس الضغط في الإقليم بشبك الأردن كجبهة خطيرة وحساسة على الأمن الجيوساسي لإرباك جهات عدة عبر بوابة الحدود السورية، والعراقية أيضا، كما أن من المحددات وصول الوضع إلى مرحلة يضطر الأردن فيها للتدخل الجوي أو البري لإقامة مناطق آمنة في جنوب سورية، وهذا سيناريو قديم تجنبه الأردن لاعتبارات مختلفة من بينها أن هكذا سيناريو بحاجة الى تمويل وشراكة عربية ودولية، وليس جهدا أردنيا وحسب، كما أن من المحددات التي تضغط على خاصرة الأردن في الملف السوري كتلة اللجوء السوري في الأردن، والمخاوف من قدوم موجة جديدة في ظل الظروف السابقة، واحتمالات تفاقمها.
الأردن هذه المرة لديه حسابات حساسة جدا، إذ ليس من مصلحته بهذا المعنى انهيار الظروف الأمنية في سورية، والعودة إلى نقطة الصفر التي شهدناها خلال الربيع العربي، إلا أن الواضح أن سورية ما دامت بذات السياسة من حيث كونها حاضنة لروسيا وإيران، ستجلب أخطار الدب الإسرائيلي إليها، إضافة لحسابات الأتراك والأكراد والأميركيين، ودول ثانية، بما يعنيه ذلك من إعادة توظيف كل الجماعات المسلحة القائمة حاليا، وإنتاج جماعات جديدة، لا نعرف من هو مشغلها الأصلي، وإن كنا نتوقعه بطبيعة الحال، من أجل إشعال حرب جديدة داخل سورية.
هذا يعني أننا قد نشهد حروبا بين الجماعات المسلحة، القومية والسنية والشيعية، بشكل مباشر، والقدرة على إمداد النظام السوري بجماعات مقاتلة وأموال عبر العراق، هذه المرة، بعد ضعف جبهة لبنان، يبقى أمرا واردا، مع التوقعات هنا بحدوث عمليات إسرائيلية ضد العراق، والحدود العراقية السورية، بهدف عزل سورية، وإغراقها في الاقتتال الداخلي تحت عناوين مختلفة.
ما نراه اليوم يعد جزءا من الحزام الناري الذي اشتعل في غزة وامتد الى لبنان، ووصل سورية، ولا يمكن قراءة المشهد السوري بمعزل عن السابع من أكتوبر، والمطابقة مع ظروف الربيع العربي، مطابقة ساذجة جدا، فنحن أمام تحولات إستراتيجية في الإقليم، تتعمد تطبيق سياسة تطهير المنطقة من الوجود الإيراني، واستنزاف الروس أيضا، وهذا الحزام الناري قابل للتمدد.
لا نتحدث إذا عن عودة طوعية أو قسرية للسوريين في الأردن، وأعلى طموحاتنا ربما يدور حول منع هجرات جديدة إلى الأردن، في ظل ظرف يتحسب فيه الأردن من ملف الضفة الغربية، وقدوم إدارة أميركية جديدة، وتأثيرات الحزام الناري إذا تمدد في سورية وامتد نحو العراق، بما قد يدفع الإيرانيين إلى البحث عن "ساحة تنفيس" لضغط هذه الأزمات والنقطة المؤهلة هنا وفقا لحساباتهم والأكثر حساسية هي الأردن، لاعتبارات ليس هنا محل سردها.