عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Sep-2024

الانتخابات تهيمن على النقاشات العائلية.. وتساؤلات أطفال وشباب تتصدر

 الغد-تغريد السعايدة

 على بعد أيام قليلة من موعد الانتخابات النيابية للعام 2024، والتي تُلقي بأثرها السياسي والوطني والاجتماعي على مختلف فئات المجتمع؛ يعيش الأردنيون حالة من النقاشات والحوارات المكثفة حول الانتخابات وتفاصيلها، حيث أصبحت هذه الأحاديث جزءا لا يتجزأ من اللقاءات العائلية، وجلسات الأصدقاء، ولم يقتصر الاهتمام على الكبار فحسب، بل امتد ليشمل حتى الأطفال.
 
 
أصبحت المقرات الانتخابية مكانا للجميع، حيث يجتمع الناس لتبادل الأحاديث حول الانتخابات. النقاشات تدور حول "من سيفوز؟ من سيتفوق على الآخر؟ فلان معنا أم ضدنا؟"، وتطرح الكثير من الأسئلة التي تجد مئات الإجابات المختلفة. في المقابل، هناك من يتمنى أن تمر الانتخابات بسلام وبسرعة، لتجنب الفوضى المتزايدة في النقاشات والتفاعل، وأيضا للحد من انتشار الإشاعات التي تظهر بين الحين والآخر.
 
يقول غازي جبور إنه لم يعد يجد أي حديث مع الآخرين يخلو من ذكر الانتخابات ومجرياتها، فهي حاضرة في كل نقاش وفي أي وقت. ويشير إلى أن الكثيرين باتوا يعتبرون الجلسات العائلية فرصة لـ"الدعاية الانتخابية" لمترشح معين. ويرى جبور أن الانتخابات وأخبارها قد طغت على باقي الأحداث، حتى أصبحت تستحوذ على اهتمامنا بشكل كامل، وكأنها الشاغل الوحيد للجميع.
في السياق ذاته، تقول لين، طالبة جامعية، إنها منذ نحو شهر لم تجلس مع عائلتها وأقاربها إلا وكان الحديث يدور حول الانتخابات. وغالباً ما يتم استدراجها في النقاشات لكونها أصبحت قادرة على "الانتخاب"، حيث يحاول المحيطون بها التأثير على قرارها لدعم مترشح العائلة. وتضيف: "تبدأ السهرة وتنتهي وجميع محاورها تدور حول الانتخابات"، كما تقول.
ما يزيد من حجم النقاشات في الجلسات المختلفة، كما يوضح ناصر عبيد، هو وجود العديد من القوانين والتفاصيل التي تحتاج أحيانا إلى شرح وإيضاح. ويضيف ناصر أنه في كل جلسة يشارك فيها مع عائلته، أو أصدقائه، وحتى زملاء العمل، يكون الحديث عن الانتخابات حاضرا باستمرار، نظرا لكثرة الاستفسارات التي تتطلب توضيحا. كما يشير إلى أن نسبة كبيرة من الناس لا تزال ترى أن القوانين تشبه "دوامة" يصعب فهمها، على حد وصفهم.
"العتبة، الكتلة، الحزب، مرشح حزب، مرشح دائرة..."، هي بعض من المصطلحات الكثيرة التي تحتاج إلى توضيح، هذه النقاشات حول الانتخابات ضمن الأسرة جعلت هذه المصطلحات مثار اهتمام واستفسار حتى للأطفال في العائلة. تساؤلاتهم تدفع الأهل لتبادل الحديث معهم حول الانتخابات، مما يجعل الجلسات العائلية، حتى في إطارها الضيق، تدور حول الانتخابات وتفاصيلها كافة، وتستمر هذه الأحاديث إلى أن تنتهي العملية الانتخابية.
مريم صبيح أيضا تعبر عن رأيها فيما يتعلق بالانتخابات، وتقول إن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها تأثير كبير في زيادة حجم النقاشات في الجلسات العائلية أو بين الأصدقاء حول الانتخابات وتبعاتها. إذ لاحظت أن نسبة كبيرة من تلك النقاشات تنشأ بناء على منشور سواء من مرشح معين أو من أحد داعميه. وما يدور حول هذه المنشورات من حوارات إلكترونية ينعكس بشكل كبير على المحيطين، حيث يبدأ داعمو مترشح آخر في الحديث عن التوقعات والتحليل، وغيرها من التكهنات التي تلقي بظلالها على أي جلسة، مهما كان حجمها.
الطالب غيث، في الصف التاسع، يوضح لوالدته أن المعلمين في المدرسة لا يتحدثون فيما بينهم سوى عن الانتخابات. ويشير إلى أن هذه النقاشات تنتقل أيضا إلى الطلاب، حيث يتبادلون الأحاديث ويطرحون العديد من الاستفسارات حول توجهات عائلاتهم الانتخابية. وما أن يعود الأبناء إلى منازلهم حتى يعيدوا تلك النقاشات للأهل، ويطرحوا العديد من الأسئلة، وكلها تتعلق بـ"الانتخابات والمترشحين".
الأختصاصية وخبيرة علم الاجتماع، الدكتورة فاديا إبراهيم، توضح في حديثها لـ"الغد" أن الانتخابات تمثل الطريق الحقيقي لتحقيق جانب من طموحات ومطالب الأفراد والعائلات والمجتمع ككل. وهي المقياس الأساسي الذي يظهر أن الشعب وأفراد المجتمع يمتلكون القدرة على إحداث التغيير وصنع مستقبل أفضل.
لذا، ترى إبراهيم أن العملية الانتخابية تشكل جزءًا أساسيا من سلوكيات أي مجتمع ديمقراطي، وله الحق في ممارستها وفقا لما تنص عليه دساتير وأنظمة وقوانين الدول. وتعتبر أنه من الطبيعي أن ينشغل المجتمع بهذه العملية، وأن تطغى على جزء كبير من اهتماماته وأولوياته. كما أن الانتخابات تصبح حديث الساعة، سواء عبر وسائل الإعلام أو في الأماكن العامة والمؤسسات، أو حتى على مواقع التواصل الاجتماعي، والشوارع، وبين الأسر في إطار الأحاديث العائلية.
تصف إبراهيم ما يحدث بأنه ظاهرة صحية تعكس وعي المجتمعات وتحضرها، لأن السياسة أفضل وسيلة لتغيير وتحسين الواقع الاجتماعي. وتوضح أن النظامين السياسي والاجتماعي مترابطان، حيث يحدد العمل السياسي الخطوط العريضة للنظام الاجتماعي، بينما يستطيع النظام الاجتماعي أن يؤثر على شكل العمل السياسي من خلال ممارسة الحق الديمقراطي في الانتخاب.
ووفقًا لإبراهيم، فإن المواطن الواعي يدرك أهمية ممارسة العملية الديمقراطية، فهي تعزز دور الفرد في الحياة والمجتمع، وتعد مفتاحا لتطوره وتقدمه. كما تمنحه فرصة لتشكيل حياته ومستقبل أبنائه. وتعتبر وسيلة متعددة الأوجه للرقابة، حيث تراقب أداء المؤسسات التنفيذية وسير العمل في الدولة أو المجتمع، وتسعى لتصحيح أي تقصير أو تجاوز.
تعتقد إبراهيم أن مشاركة الأحزاب في الانتخابات تفتح آفاقا عديدة أمام الأفراد للعمل الجماعي لما فيه مصلحة المجتمع، وتوفر لهم الإمكانيات والآليات التي تمكنهم من تطوير واقعهم وتشكيله بالطريقة التي يرونها مناسبة.
"لكل هذه الأسباب، لا أرى أي مبالغة من المجتمع في التعاطي مع العملية الانتخابية"، كما تقول إبراهيم. ذلك نظرا لأهميتها في تقدم وتطور المجتمعات، ولا تتعارض مع أي حدث إقليمي أو عالمي. ما هو مطلوب الآن هو الوعي الحقيقي للمواطن والسلوكيات الإيجابية في التعامل مع هذه العملية السياسية. يجب أن تكون فترة الانتخابات فرصة لتعرّف الأبناء على وجود حياة ديمقراطية وعمل سياسي وأهمية ذلك بالنسبة للفرد والمجتمع.