عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Jun-2025

نتنياهو ولعنة العقد الثامن*سلطان الحطاب

 الراي 

لست من جماعة الجهاد بالسنن و لا من جماعة الاكتفاء بالأدعية، ولا حتى ممن يجلسون ليستمعوا الى تنبؤات من، ليلى عبد اللطيف، وأمثالها، يتكاثرون في بلداننا وعلى شاشات التلفزيون واليوتيوب والمواقع الالكترونية، تكاثر الجراد، ليدغدغوا في بسطاء الأمة مشاعر ساكنة، تعفي الراغبين في استهلاك مثل هذه البضاعة من أي جهد أو عمل أو تفكير أو حتى تبرع.
 
فكلما وقعت حرب أو مجزرة أو حتى ظاهرة طبيعية أو عدوان، سارع المتنبئون والمنجمون لاستنهاض القديم المستورد أو المصنع محلياً أو المتسق من علوم الغيب والأساطير، لينثروا علينا منه الكثير، حيث يتبارى هؤلاء من خلال شخصيات ورموز اعتاشت على مثل هذه البضاعة، واعتبرت القرارات الغبية والكامنة، مادة حصرية قابلة للتعبئة ومواصلة الهروب من الواقع.
 
والعرافون والفتاحون وضاربوا الودع وزاجروا الطير يتجهون حيث تتجه الأحداث، ويسابقون المحللون ووكالات الأنباء، وحتى من يأخذون بالسبق الإخباري، ويذكرون بعضهم أنهم قالوا أو سبق إن قالوا، ويجدوا من المشيعيين من يروج لهم، ويعيد تنبؤاتهم ليصبحوا مرجعيات عن المستهلكين لهكذا تقارير.
 
هذه الظاهرة تسود في بعض مجتمعاتنا، خاصة البسيطة والمتخلفة وتجد لها صدى ومضخمي أصوات ويدخل الافتاء على الخط!
 
ولعل أبرز العناوين المتداولة هي "نبوءة الزوال"، والمقصود اسرائيل، وهي النبوءة التي تحدث عنها بنيامين نتياهو، رئيس وزراء اسرائيل في سياق تخويف الاسرائيليين وسوقهم باتجاه التعبئة والحرب والأحداث لهم ولدولتهم، ما حدث لهم في التاريخ من زوال اسرائيل التي لم تعمر أياً من دولها أكثر من ثمانين سنة.
 
أما في تاريخ النبوءة أي فكرة زوال اسرائيل، فهي مرتبطة أساساً بالقضية الفلسطينية، وهذه النبوءة تصعد مداً أو جزراً في كل مرة تشتعل فيها شرارات الصراع، وخاصة في الحرب الأخيرة التي شنتها اسرائيل على غزة، وأخذت شكل الابادة والتي ما زالت مستمرة.
 
وقد استمعنا الى تنبؤات في العدوان على غزة وفي الحرب على لبنان، وحتى التوغل الاسرائيلي في الأرض السورية بعد سقوط نظام الأسد.
 
وهذه التنبؤات، تحدث فيها حاخامات يهود وجال دين، وتحدث مسؤولون سياسيون اسرائيليون كما تحدث عنها المؤرخ المصري عبد الوهاب المسيري، والفكرة كانت مطروحة حتى قبل قيام اسرائيل، وأزداد طرحها في السنوات الأخيرة، وهذه الأيام.
 
وقد ذهب الكثيرون في قضية الزوال كل مذهب، ففي عام 2022، تحدث عن ذلك رئيس الوزراء الاسرائيلي، نتالي بنت، حين طلب بالتوقف عن الخطاب التحريضي الاسرائيلي الداخلي وخطورته في شق الجبهة الداخلية الاسرائيلية وتفتيتها، وحين كانت الاضطرابات تقع في الشارع الاسرائيلي، وحركات السود والافارقة والاثيوبيين، الفلاشا، أو السفارديم في وجه الاشنكايزيم، وقد تبع الجولة ايضاً الرئيس الاسرائيلي، هيرتسوغ، الذي ذهب باتجاه تخويف الاسرائيليين، بعد أن نشرت صحيفة اسرائيل هيوم، أن 69% من الاسرائليين يشعرون بالقلق على وجود دولتهم ومن الذين تحدثوا في ذلك أيضاً، دانيال كانمان، الحاصل على نوبل في الاقتصاد عام 2002، وهو يعلق على الاصلاحات القضائية التي أثارت الشارع ضد حكومة نتنياهو، قائلاًً لم تعد اسرائيل كما كانت، وان ما يجري هو نهايتها، وهذا قد يدفعه وأحفاده لعدم الرغبة في العيش هناك، محذراً من الانزلاق نحو العنف والديكاتورية.
 
أما رئيس جهاز الموساد، تامير بارود، فقد قال في هذا السياق عام 2023، أن اسرائيل تعيش حالة من تفكك وتدمير ذاتي، وان الخطر الأكبر عليها يأتي من داخلها وليس من طهران أو غزة أو لبنان.
 
الإحساس بالزوال لدى كثير من الاسرائيليين، عبر عنه بالهجرة و الخوف والقصف والحرب التي يستمر فيها نتنياهو بلا توقف، وتزداد موجات الهجرة من الشبان والمتعلمين، وسط مخاوف من المستقبل، وخاصة بعد قصف تل أبيب ومدن اسرائيلية بالصواريخ وصراع الملاجئ الذي كشف عن عنصرية عدم قبول الآخر حتى داخل الملجأ.
 
ما أدلى به قادة اسرائيليون يستند الى الواقع الجديد الذي وضعت اسرائيل نفسها فيه باستمرار معتمداً على مغريات الاسناد الغربي، خاصة الأمريكي الذي يحمي اسرائيل، ويتحدث عن دعم مطلق لها في غزة، والمفترض أن يكون هولاء القادة علمانيون ، ولكنهم آخذوا بتنبؤاتهم على أسس سياسية وعسكرية، وهناك مقولة (لعنة العقد الثامن)،، التي استعملها نتنياهو محذراً من لميقف في صفه من اليهود، وذلك ان الكيانين السياسين اليهوديين الذين أقيما في فلسطين على مر التاريخ قد انتهيا في العقد الثامن من عمرها، وهذه القاعدة تشير الى ان عمر الدولة اليهودية في فلسطين، سواء كانت مملكة داوود وسليمان او مملكة الحشمو نائم لم تتجاوز 80عاماً، وهذا مصدر قلق للاسرائيليين، وخاصة اليمين الارهابي والتوراتي، ويشعر بعض هولاء الى أن هذا النمط للدولة قد يتكرر مع اسرائيل الحالية، وأن لعنة العقد الثامن، أي منذ عام 1948، الى ما بعد اليوم قد بدأت بوادرها في التطورات الجارية وصراعات وغياب السلام وعدم قبول اسرائيل، وكل ذلك قاد الى حروب وصراعات ومزيد منها، تذكر بسقوط الممالك اليهودية قبل ان تبلغ العقد الثامن.
 
الحكومة الحالية الاسرائيلية، وباعتراف قادة ومفكرين اسرائيليين، تخطف .. بشكل سافر وخطير، قد لا تكون ردود الفعل على هذا الخطف، كافية لادراك لعنة العقد الثامن، لكن الحالة التي وصلتها اسرائيل داخلياً وصورتها الجديدة الملطخة بالدم جعل أشكالا من اليمين الاسرائيلي، يصلون إلى هذه النتيجة ، فهل تتوقف القيادة الاسرائيلية عن الخرافات أم أن نتنياهو سيمضي يبحث له عن مكان تحت الشمس.